ازمة المياه في العراق لم تعد أزمة إدارة، بل تحولت إلى تحدٍ بيئي واقتصادي واجتماعي شامل
يواجه العراق أزمة جفاف غير مسبوقة تعد الأسوأ منذ أكثر من 90 عاما، حيث حذرت وزارة الموارد المائية من تداعيات خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، في حين يرى خبراء أن على السلطات إيجاد حلول مبتكرة لتلافي التبعات الخطيرة للتغير المناخي, وحذرت منظمة اليونسيف الدولية من ان العراق تواجه أزمة مائية خانقة، وأن الجفاف والتغيرات المناخية يصعّبان الحصول على مياه الشرب لملايين المواطنين، وأن الأزمة تتفاقم بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والتصحر، مما يجعل العراق من أكثر البلدان تأثرا بتغير المناخ ,,و يعاني العراق منذ سنوات من أزمة مائية خانقة تُعد من أخطر التحديات التي تهدد مستقبله البيئي والاقتصادي وحتى الديموغرافي. فمع التغير المناخي، وانخفاض معدلات الأمطار، والتوسع غير المنضبط في بناء السدود من قبل دول المنبع، خاصة تركيا وإيران، تراجعت مناسيب نهري دجلة والفرات إلى مستويات غير مسبوقة , وتُقدّر وزارة الموارد المائية أن الإيرادات المائية انخفضت بأكثر من 50% مقارنة بالسنوات السابقة، ما أدى إلى جفاف العديد من الأهوار، وتهديد مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ونزوح آلاف العائلات من مناطقهم بسبب ندرة المياه
في ذروة أزمة مائية غير مسبوقة يعيشها العراق، تُهدد الزراعة والأمن المائي لملايين المواطنين، يخرج السفير التركي لدى بغداد، أنيل بورا أنان، بتصريحات وصفها مراقبون بأنها “بعيدة عن الواقع”، مؤكداً التزام أنقرة بتنفيذ اتفاقات إطلاق الدفعات المائية , وبينما تتراجع مناسيب دجلة والفرات بشكل حاد، ويتحدث المسؤولون العراقيون عن خروقات تركية واضحة للاتفاقات الثنائية والدولية، جاءت تصريحات السفير خلال لقائه رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، لتتناقض مع حقيقة الانخفاض الحاد في المياه الواردة من تركيا، ما يُظهر ازدواجية واضحة بين الخطاب الدبلوماسي والممارسات الميدانية , الا ان الواقع يقول ان ان الحكومة التركية تقوم بممارسة “سياسات مجحفة” تجاه العراق من خلال مواصلة تقليص الحصص المائية وخرق المواثيق الدولية , أنقرة وعدت العراق أكثر من مرة بإطلاقات مائية، منها ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة رئيس البرلمان العراقي، حيث تعهد الجانب التركي بتوفير 420 مترًا مكعبًا في الثانية، لكن تبين لاحقًا أن هذه الوعود كاذبة كغيرها، ولم تُنفذ فعليًا، بل كانت مجرد حلول ترقيعية مؤقتة
مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه، الذي عُقد مؤخراً تحت شعار “المياه والتكنولوجيا.. شراكة من أجل التنمية”، شهد إجماعاً دولياً على أن العراق بحاجة إلى تدخل عاجل , وأكد ممثل الأمم المتحدة، ماركو أرسيري، أن “شح المياه ينعكس بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني لكنه أشاد بجهود الحكومة العراقية في محاولة تحقيق توازن بين الأمن المائي والاقتصادي
ويذكر “بروتوكولاً مائياً وُقّع عام 1946 مع تركيا كان يسمح للعراق بإنشاء سدود داخل الأراضي التركية لتقليل الهدر المائي الناتج عن التبخر، إلا أن هذا الاتفاق لم يُفعّل حتى اليوم، ما يزيد من حجم الفاقد المائي ويضاعف تحديات البلاد في ظل موجات الجفاف المتكررة ويذكر “بروتوكولاً مائياً وُقّع عام 1946 مع تركيا كان يسمح للعراق بإنشاء سدود داخل الأراضي التركية لتقليل الهدر المائي الناتج عن التبخر، إلا أن هذا الاتفاق لم يُفعّل حتى اليوم، ما يزيد من حجم الفاقد المائي ويضاعف تحديات البلاد في ظل موجات الجفاف المتكررة , أنقرة تتحمل الجزء الأكبر من الأزمة بسبب عدم التزامها بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بحصة العراق المائية,أن “السدود العراقية، وفي مقدمتها سد الموصل، لا تطلق كميات كافية من المياه لتلبية الحاجة المحلية، حيث يطلق السد حالياً نحو 250 ألف متر مكعب فقط، وهي نسبة غير كافية لتغطية احتياجات الشرب والزراعة, وأوضحوالانخفاض الحاد في المياه يسهم بشكل مباشر في زيادة نسبة التلوث، وخاصة التلوث الناجم عن المخلفات الصناعية والطبية، ما يعرض صحة المواطنين للخطر، لاسيما في محافظات الجنوب , وطالب المختصون “باتخاذ خطوات عاجلة للضغط على دول المنبع، وخصوصاً تركيا، لزيادة الإطلاقات المائية وضمان حصة عادلة للعراق وفق المعايير الدولية، تجنباً لانهيار شامل في منظومة الأمن المائي في البلاد
ازمة المياه في العراق لم تعد أزمة إدارة أو حتى علاقات خارجية فقط، بل تحولت إلى تحدٍ بيئي واقتصادي واجتماعي شامل,, ومنذ شتاء 2022 حذر تقرير صادر عن البنك الدولي من أن العراق سيواجه فجوة مائية متسارعة قد تصل إلى 11 مليار متر مكعب بحلول عام 2035، مشيراً إلى أن تغير المناخ لا يهدد الموارد فقط، بل يُعرض العقد الاجتماعي في البلاد للخطر.,, وعد التقرير أن العراق من أكثر الدول هشاشة في مواجهة التغيرات المناخية، سواء من حيث شُحّ المياه وارتفاع درجات الحرارة، أو من حيث ضعف البنية الاقتصادية التي تعتمد على النفط كمصدر دخل رئيسي ,, وانتقد مختصون بشدة أداء الحكومة العراقية تجاه هذا الملف، مؤكدًين أن “المفاوضات مع تركيا كانت وما تزال خجولة ولا ترتقي إلى مستوى خطورة الأزمة”، مشيرًا إلى أنه دعا سابقًا إلى “تشكيل مجلس أعلى دائم لإدارة المياه، يكون بعيدًا عن المحاصصة والطائفية، ويعمل بشكل استراتيجي لحماية حق العراق المائي , وحذروا من بلوغ الخزينالاستراتيجي للمياه في العراق مستويات غير مسبوقة من التدهور، مؤكداً أن نسب التخزين الحالية لا تتعدى 10 مليارات متر مكعب، وهي الأدنى في تاريخ البلاد، ما ينذر بأزمة مائية خانقة وتداعيات بيئية وصحية جسيمة ,