23 ديسمبر، 2024 8:28 ص

أول مرة في حياتي، اشتريت عطراً نوع “هاواي” بدينارين ونصف الدينار في منتصف السبعينيات من “دلالات” شارع الكويت في العشار بالبصرة، وحين فتحت العلبة الوردية بزهورها الحمر، وضغطت على رأسها الذهبي لفحتني رشه رذاذ ما يزال عبيرها في أنفاسي، أعقبتها برشة ثانية فأنشرح الفؤاد، وما إن حاولت في الثالثة، حتى نبهني المترجم اللبناني “بيير” في مول “بورتا دي روما” وسط ايطاليا بان البائعة الشقراء زعلتْ حين تجاهلتها وهي تشرح بإسهاب في قسم عطور المول عن أنواع الزهور المستخلصة في صناعة العطور، لأني انشغلت عنها في خيال سمج وبلاهة.
اعتذرت بشدة مع ابتسامة خفيفة، وأنا أضع يدي في جيبي بعد ان عدلت ربطة عنقي، وكأنني أغلقت طريق طويل من ذكريات لا يسعفها المكان نفعا في حاضر جديد، حياتنا عبارة عن ذكريات سيئة ومملة،

استمرتْ البائعة الشقراء التي تشبه في ابتسامتها سحر” صوفيا لورين” تشرح أهمية العطور في حياة الإنسان وضروراتها في تغيير المزاج والذوق والأناقة وقوة الجذب والاستشعار والراحة والهدوء وتمتين المحبة وإثارة الفرح وزيادة التقرب في الفراش بالود والغرام.

التفت الى صديقي المترجم “بيير” وقلت له: هل تعتقد ان العطر فلسفة؟. نظر أليّ بطرف عينه وكشر أنيابه ولم يعجبه تعليقي الباهت.

استمرت البائعة الشقراء وربما تصورتني من أثرياء الخليج، وراحت تشرح بالتفصيل الجاد بان هناك عطور لكافة الأعمار تبدأ من عمر سنة للأطفال والتلاميذ والصبايا والشباب والعرسان والعجائز والشيوخ ولرجال الأعمال وللدبلوماسيين والرياضيين.

سهوت ثانية، والحقيقة ” دولغت” وأنا أتذكر عطور زمن جدتي حين كانت تستخدم روائح أم السودان، والمسك والعنبر، والخضيره، والديرم، وطين خاوه، والبخور الحجري، وقشور البرتقال اليابسة، وجوزه بوه، والجفت، وهذا الجفت مصيبة المصائب لأنه قشور الرمان اليابس يفور على النار ويضع على قشرة الرأس كأنه نفط أسود، لكن المترجم نبهني هذه المرة بقرصه شديدة في زندي، ونحن نتجه الى جناح ضخم من العطور الخاصة بماركات عالمية يضع على تذيلها أسعار تبدأ من خمسة الآف يورو، وعشرة الآف يورو، وعشرين الف، وثلاثين ألف يورو وهلم جرا.

قائمة طويلة من عطور” رالف لورين” و ” جون فافرفاتوس” و ” هيرماس 24 ” وعطر ” كلايف كريستين” بسعر 215 ألف دولار وتباع هذه العطور بسعر الأونصة.

لم أصدق نهائيا، واعتبرت الأمر مجرد مزحة، سألت البائعة الشقراء، من يشتري هذه العطور؟ قالت بغنج يشبه همسة “كلوديا كاردينالي”: نعم، يشتريها زوجات وعشيقات تجار المخدرات.

تساءلت بتوتر وتعجب معقولة زوجات وعشيقات تجار المخدرات!؟.

بالصدق لم أنسى الجواب، 215 ألف دولار أمريكي، ولكن هذه المرة سهوت طويلا ونسيت تنبيهات وقرص المترجم، ولم أفيق، إلا وأنا اقرأ خبر صغير في ذيل صحيفة محلية بائسة وبعنوان أسفل الصحيفة يقول: إلقاء القبض على 400 تاجر مخدرات بالبصرة، يا رب 400 تاجر مرة واحدة. أذن كم أعدادهم الحقيقية؟ معقولة تم ألقى القبض على 400. قجقجي.

أذن كم أعداد الذين يتعاطون هذه السموم من مخدرات كريستال بأنواع الشبو، والآيس، وتيك بابا، وكراك مات، والأفيون، والكوديين، والهيروين، والكوك، والخشخاش بمحبطاته وهلوساته وكبسلاته وتحشيشاته وكل طيحان الحظ. ولكن راودني سؤال: هل يشتري هؤلاء القجقجية عطورا لزوجاتهم وعشيقاتهم من مرکز تجارت عطرایران نمایندگی ژانیل فراگ آروماتیک فراگ ورد.

ام لا يشترون أو يشترون عطر هاواي المغشوش والمصنع في جمهورية الصين الشعبية بعد ان صار سعره ألف دينار والذي تشبه رائحته ثوم نتن مثلهم تماما.