23 ديسمبر، 2024 6:45 م

عطر الشطرة في مساء المقهى

عطر الشطرة في مساء المقهى

اسس مسلم مقهاه بعد ان فقد الادباء مقرهم الكائن ضمن بناية نادي الموظفين ، واحتلتها عائلة حواسم لم ترضْ ان تغادرها بالرغم من عشرات المناشدات الرسمية .اتخذ ادباء المدينة من مقهى مسلم مقرا لمساءهم يستعيدون مع الشاي والحامض والسيكارة هموم القصيدة والقصة واحلام المسرح.ارائك المقهى تطل على شارع النيل ، لهذا كل العابرون يتطلعون في وجوه الادباء ، ومن كان له معرفة بواحد من الجالسين يبدا معه حديث وتحية على الماشي ، وربما من احب الادباء وله طقسا يوميا في المرور امام مقهى مسلم يتوقف لدقائق يطرح موضوعة تهم الاوضاع التي تغيرت بعد 2003.
ومرات تكون هناك نكتة جديدة او معلومة او سؤال أو اي هاجس حياتي.
احد المارين اليوميين والذي يحتفظ لنا بمودة وابتسامة وحديث عابر لكل مساء عندما يغلق عيادته هو الدكتور الشهيد توفيق خيون اخ الفنان الشطري الرائع طالب خيون .
فضل الدكتور توفيق خيون فتح عيادته في الناصرية ولم يبقْ في الشطرة لاحساسه ان الشطرة صارت مكتظة بالاطباء وان الناصرية مجالها اوسع مادام دوامه الوظيفي كان في مستشفلى المدينة .
ربما بفضل علاقة طالب الجيدة بالفن والثقافة ، كانت مساءات المرحوم توفيق معنا طويلة ، وربما هو الاكثر بين الذين يمرون من يعقد معنا نقاشات ادبية وسياسية وتميزه الابتسامة العريضة والوسامة التي يصنعها شاربيه في براءة ملامح وجهه.
حد الذي قال له احدنا : دكتور الاطباء الذين يمرون من هنا بعد ان يقفلوا عيادتهم كلهم عبوسين عداك انت والدكتور عقيل اليعقوبي الذي دوما يكون مارا في الجانب البعيد ولكنه يحرص على اداء السلام لابناء مدينته من الجالسين على الارائك في ناصية الشارع.
كان رد توفيق دائما :انتم ثقافة المدينة والتعلم منكم واجب.
لم يمر مساء دون ان يتوقف توفيق حاملا نقده لظاهرة ما استجدت في الشارع ـ ومعها كانت ابتسامته وصراحته وشجاعته.
ذات مساء افتقدنا طلة توفيق الجميلة والتي كانت تحمل عبق المدينة الخالدة التي ولد قرب اديم نهرها ( الشطرة ).
وتكرر عدم مروره ليوم آخر ، وفجأة اخبرنا احدهم ان الدكتور توفيق خيون قتل في بيته ليلا بحادث سطو من قبل عصابة بعد ان تحداهم وقاوم دخولهم الى منزله.
قتلوه وهربوا .. وهم بذلك منعوا عن ارائك الادباء زائرها المسائي الطيب.
استعدت تلك الحادثة الاليمة مع اخيه طالب خيون ، ورغم بعد مسافة الاستذكار بين المانيا والشطرة . شاهدت دموع طالب تضيء في فجيعة ان يفقد اخيه .
وبالكاد اعدت عليه الهدوء .لاعود الى ذكريات مساءاتها البعيدة مع الجالسين على ارائك مقهى مسلم.