23 ديسمبر، 2024 2:59 م

صدقت الولايات المتحدة الاميركية في قولها وعملها حين نجحت في اعادة العراق الى مرحلة ماقبل التاريخ , مرتان الاولى في عام 1991 اثناء حرب تحرير الكويت والثانية في غزو العراق عام 2003, وقد حدثت وقائع وبراهين تؤكد ذلك وعلى جميع الاصعدة, هذه الاصعدة تلخصت في ممارسة القوات الاميركية وحلفائها عملية التدمير الواسعة لمقدرات الدولة العراقية ذات الطبيعة المدنية , حيث دمرت غالبية الجسور والوزارات ومؤسسات الدولة ومصافي النفط ومشاريع توليد الطاقة الكهربائية وغيرها من الاهداف, وفعلا اصبح العراق بلا كهرباء وانقطاع في الماء وشحة في الوقود وبلا خبز وبدا الانسان العراقي يتفنن في ابتكار وسائل بدائية تسانده على ديمومة العيش.
بعد وقف اطلاق النار هب اشاوس الدولة العراقية فتم اعادة مادمره العدوان وخلال فترة لاتتجاوز السنة الواحدة وبشكل اسطوري تمكن العراقيون  من الخروج من هذه الحقبة المظلمة ليعودوا الى مرحلة صنع التاريخ.
اما المرة الثانية التي تم اعادتنا الى عصر ماقبل التاريخ فهي عند الغزوالاميركي عام 2003
حيث نفذت الولايات المتحدة نفس سناريو حرب عام 1991  مع زيادة ملحوظة في القدرة التدميرية من خلال استراتيجية ” الصدمة والترويع” وتم القضاء على دولة العراق العصرية ذات 82 عاما, لتنفذ “اللعبة الصفرية” على صعيد الحياة العراقية بشكل عام.
في المرة الثانية قامت “ادارة الرئيس بوش” بجلب شخصيات عراقية معارضة اقل ما توصف به انها من مرحلة ماقبل التاريخ وسلمتها مقاليد دولة العراق تاكيدا منها وضمانا بعدم سعي العراقيين مستقبلا للخروج من هذه المرحلة والعودة الى مرحلة تاريخية مميزة يبادرون الى صنع تاريخهم الانساني الرائع.
من الجهل المطبق تصور ان “ادارة الرئيس بوش الابن” لاتعرف مع من تعاملت ومن جلبت لقيادة العراق  كما من الجهل ان نقر بان الولايات المتحدة لا تعلم من هو الشعب العراقي ولتاكيد كلامي سأحيل القارئ الكريم الى كتيب اصدره قسم البحرية والحرب الاميركية عام 1943 وقد قامت ” فرقة الخدمات الخاصة ” في جيش الولايات المتحدة باعداد هذا الكتيب
عنوان الكتاب:
A Short Guide to Iraq
وقد تظمن عدة اقسام ومن اهمها:
ماهو العراق: يذكر الكتيب, ان العراق عبارة عن اشياء كثيرة قديمة وحديثة انه من اقدم الدول في العالم وكذلك من احدث الدول تحت قيادة حكومته الحالية, في بغداد العاصمة ترى الشوارع والاسواق , وسترى الاسواق التجارية وهي من نفس نوع الاسواق التي وصفها الشعراء في الليالي العربي.
وليس بعيدا سترى سدود مياه ومصافي نفط حديثة مثل التي نملكها في الولايات المتحدة.
يستعرض الكتاب بشكل موجز معلومات عن تاريخ العراق ووصف للتركيبة السكانية وبعض عاداتهم وتقاليدهم, وفي القسم الثالث , يتحدث عن المسلمين ويصف الدين الاسلامي ولم اجد كلمة واحدة تتحدث عن الشيعة والسنة ويوصفهم بانهم مسلمون ويحذر جنودهم من الاقتراب من الاماكن الاسلامية المقدسة وهي النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء ويصفها بانها مناطق اسلامية مقدسة , حاول الابتعاد عنها ولم يصفها بانها مناطق شيعية مقدسة كما يحذر جنودهم من الاقتراب الى المساجد وخصوصا في اوقات الصلاة.
وهذا خلاف ما عملت به قوات الاحتلال عام 2003 وبنصيحة من خونة العراق حيث تم مداهمة واقتحام النجف وسامراء والمساجد والحسينيات.
هذا الكتيب يعطيك عدة انطباعات ومن اهمها, ان الشخصيات العراقية التي زودت وزارة الدفاع الاميركية بالمعلومات كانت في غاية الشرف والعلمية والوطنية بحيث اعطت صورة حقيقية ومشرقة عن العراق واهله , كما ان من تلقى المعلومات من الجانب الاميركي كان في غاية المهنية والصدق بحيث تم تدوين وقائع وحقائق عن سيرة وتاريخ العراق المجيد وذلك بالعكس تماما ماجرى قبل الاحتلال عام 2003, حيث تغير طرفى المعادلة فالجانب العراقي كان سلبيا وهداما واعطى صور عن واقعه الذي يعيشه هوفيه والذي تربى عليه في بيته عندما قال ان العراقيين كلهم ” علي بابا” ويقصد سراق وعندما قال لهم يمكنكم اذلال العراقيين لانه هو ذليل وتربى في بيت ذل وعندما قالوا لهم ممكنكم استهداف العراقي بعرضه وشرفه لانهم فاقدوا الشرف والعرض.
زرعوا بذرة الفرقة الطائفية وما قول السفير بريمر عندما اصدر امرا بتعيين اول امر فوج في جيشهم الجديد حين قال لاحد رموز عمليتهم السياسية, انني صدقت ما وعدتك به فاني اصدرت امرا بتعين امر شيعي لايكون اول امر وحدة “شيعي”.
في لقائي في واشنطن مع احد الشخصيات الاميركية التي عملت بصفة مترجم مع القوات الامريكية واثناء الحديث عن مستقبل العراق وما يعانية الان من تفرقه طائفية واضحة ,ذكر مصطلح لم افهم معناه حين قال ” مزلومية ” حاولت معرفة مايقول وفكرت لعلي اجد المعنى , الى ان فسر معناه باللغة الانكليزية ( حتى الاميركان صورت لهم أسس ومبادئ الفرقة والصراع الطائفي).
في الجانب الاخر نرى الشخصيات الاميركية التي تلقت هذه المعلومات وتعاملت معها حيث  كانت تتطابق مع مصادرها من حيث الاهداف والغايات ,وما وصايا وزير الدفاع الاميركي ” رامسفيلد” في التعامل مع المعتقلين الا خير دليل.
عودت على بدء, ان قوات الاحتلال الاميركية تعرف مع من تعاملت ومع من تحالفت وقامت في نهاية المطاف بتسليمهم العراق بقضه وقضيضه لضمان عملية الهدم والتدمير ولابقاء العراق في مرحلة ماقبل التاريخ.
لكنهم يجهلون تاريخ العراق , فكم غزو تعرض له واحتلال وكم كبوة كباها ولكنه ولاد برجال شجعان غيورين سيعيدون العراق الى مرحلة تاريخية مهمة ليساهم في بناء الحضارة الانسانية .