29 ديسمبر، 2024 2:38 م

يعيش العراق حروبا مختلفة وعلى اصعدة عدة يحاول فيها اثبات وجوده والابقاء على كيانه من الانهيار، فالتحديات التي يواجهها العراقيون كبيرة وخطيرة خصوصا وان هذه الحروب مختلفة في طريقتها وانماطها، وعلى الرغم من انهم قد تخطوا مرحلة صعبة في السنين العشر الماضية، لكن يبقى الحفاظ على البلد متماسك قوي هو تحدي كبير يتطلب تضحيات جسيمة وبذل جهودا واموالا وثروات طائلة، لاسيما وان اغلب تلك الحروب هي داخلية متمثلة بمجاميع ارهابية متطرفة تحاول زعزعة كيان الدولة، واخرى مليشاوية تبحث عن الهيمنة على مقدرات البلد وثرواته وتحويله الى ارض خصبة للكسب الحرام والتجارة الممنوعة ذات الربح السريح والكثير في ذات الوقت.
 
فالارهاب وان تمكن من السيطرة على مناطق واسعة ومحافظات عدة في شمال البلاد وازهق الكثير من الارواح وهجر الكثير ايضا ودمر البنى التحتية والفوقية لتلك المحافظات، لكن مواجهته من قبل الشعب تعتبر قضية وطنية اجمع عليها كل العراقيين دون استثناء، وبات تنظيم داعش في حكم المهزوم بفضل جهود جميع العراقيين، ولا يفصلنا عن تحرير الرمادي سوى ايام لتبدأ مرحلة تحرير الموصل المعقل الاخير للارهاب في العراق.
 
لكن المشكلة الاكبر من الارهاب؛ خصوصا خلال المرحلة المقبلة، والتحدي الكبير للدولة العراقية وكيانها هو كيفية القضاء على المليشيات التي يرتبط جزء منها بالدولة بعدة طرق، فاما تكون منضوية تحت قيادة الحشد الشعبي والذي يدافع عن العراق مع الجيش والشرطة وابناء القبائل السنية، واخرى مرتبطة بشخصيات متنفذة في الدولة العراقية ومدعومة من قوى خارجية كبرى لذلك من الصعب استئصالها او القضاء عليها.
 
ان ما تقوم به هذه المليشيات يعتمد بالدرجة الاساس على مصلحتها الفئوية وما يدر عليها من اموال ومكاسب، وكذلك ما يلبي حاجة داعميها الدوليين غير آبهة بمصلحة العراق او شعبه او سيادته او استقراره، لذلك فما تقوم به هو بالتأكيد مناف للقانون وسيادة الدولة، بل وانها قد تحاول في بعض عملياتها اظهار عجز الدولة وضعفها وعلو كعب هذه المليشيات لتكون امرا واقعا لا يستطيع احد التعرض له.
 
وفي كثير من الاحيان ترتبط مصالح هذه المليشيات مع مصالح داعميها لتقوم بما هو اكثر جرأة من السرقة او الابتزاز، وما حصل مع العمال الاتراك قبل اشهر وخطفهم من اماكن عملهم في قلب العاصمة بغداد الا دليل واضح على ذلك، وكذلك عملية خطف الصياديين القطريين في صحراء المثنى، فقد عمدت هذه المليشيات لهذه الاعمال ليس للابتزاز فحسب، بل لاظهار الدولة العراقية وهي منهارة لا تستطيع حماية اراضيها ومواطنيها وزائريها، وللاساءة للعلاقات بين العراق وجيرانه ومحيطه العربي والاقليمي، واظهاره بانه تلك الدولة التي لا تحترم الاخرين وليس لها سلطة على اراضيها.
اما بقية الاعمال التي تقوم بها هذه المليشيات هي بلا شك تهدد الامن والاستقرار الداخلي وتهدد وحدة العراق عبر نهجها الطائفي، كما انها تحاول فرض نفسها كقوة تضاهي القوات الامنية الرسمية الدستورية المكلفة بحماية القانون والدولة، وهنا يكمن الخطر، لذلك فعلى الحكومة العراقية ان ارادت ان تعيد العراق الى جادة الصواب والوحدة وتعزيز الثقة بينها وبين الشعب فعليها ايجاد طريقة للتخلص من هذه المليشيات وانهاء وجودها.
واخير لابد من القول اننا  ورغم كل ما تحثنا به بالتاكيد لا نعني الحشد الشعبي المقاتل والذائد عن حماية العراق والذي قدم تضحيات جسام في سبيل الوطن.