اكاد أجزم لو أننا في عصر الجاهلية لكان العراق اكبر أسواق بيع الأوثان و الأصنام ولكانت هذه التجارة رائجة و مربحة أكثر من غيرها و يبدو إن للموضوع جذور تاريخية فالعراق يعتبر الارض الأولى التي ابتدعت فيها عبادة الأوثان و الأصنام والتقرب بها الى الله ومن ثم تعددت الالهة فجعلوا لكل ظاهرة طبيعية الاهً فهناك عشتار الهة الحب وشمش الهة الشمس و انانا الهة السماء وانليل اله الهواء وانكيميدو اله الزراعة و الفلاحة وارشكيجال الهة العالم السفلي حتى ان هبل صنع في العراق و نقل بعدها الى مكة وفي الطريق كسر ذراعه وعمل له ذراع من ذهب وغيرها الكثير من الالهة التي كان لها سوق رائجة و تدر الارباح على كهنة المعابد فكان العراقيون القدماء يقدسون هذه الاصنام رغم انها لا تكلمهم ولاتوجههم و ليس لها كتاب أو ألواح فيها وصايا يسيرون عليها ولا يسمعون لها حسيساً ولانجوى ولكنك تجدهم عند اعتابها يلثمون حجرها تقبيلاً و يضعون لها القرابين رغم علمهم انها لا تأكل و ينسبون لها الكرامات والمعاجز والمفاخر ويزينونها بالذهب و الفضة و الاحجار الكريمة رغم إنها ليست بحاجة للزينة فهي جامدة لاتتحرك و لاتنظر اليهم وتقترب منهم و ربما هذا الجمود والسكون وهذا الصمت المطبق هو الذي أضفى على الصنم هالة من القدسية و التقديس الزائف فلو كان الصنم يتكلم و يتحرك و يوجه و يأمر و ينهى فسيكون اقرب للبشر منه الى الالهة و الانسان لا يضفي القدسية على ما يشبهه و الا لكان هو أولى بها منه و انما يعطيها للشيء أو للشخص الذي يفترق ويختلف عنه هذا من باب و من باب أخر فالسكون و الابتعاد و التخفي و الانزواء عن الناس يكون أقرب الى الغياب و الغيبة و الاختفاء و الأمر الغيبي دائماً ينمو فيه الخيال و التقديس الزائف لأنه كذلك أقرب الى التأليه منه الى المادية البشرية والأمر الثالث الذي يتصف فيه الصنم هو أنعدام التوجيه والتقييم والتقويم والنقد وهذه الامور التي توجد عند الانسان المراقب الذي لا يسكت عن الخطأ أما الاصنام فلن تجد عندها أي مراقبة أو محاسبة فهي أقرب الى قلوب المذنبين و الخطائين كل هذه الصفات القريبة على النفس البشرية المائلة للخنوع و المتكلة على الاخر و الباحثة عمن يلبي احتياجاتها الروحية وليكون ضميرها مخدراً وفي اغبى حالاته و لتخرج عن نطاق الالتزامات و التقييدات وتنفك في من أسر العقوبات وتنفيذ الواجبات فكان مكر و دهاء من يريد أن يجمع أكبر عدد ممكن من الاتباع و الموالين عليه أن يقترب من توفير وجمع هذه الصفات فسترتسم حوله هالة من التقديس المجاني و يتحول الى صنم يعبد و تنذر له القرابين و تحاك حوله الخرافات و يكبر الوهم و ينتفخ كبالون كبير حتى تضاف له الألقاب التي لايستحقها و الكرامات التي لم يدنو منها ,و تتجسد هذه الصفات عند الانسان بعد موته حيث يتحول الى وثن يقدس لتوفر الصفات الصنمية فيه فقد تجد أنساناً مهملا في حياته يقدس بعد مماته فسوق الاوثان عندنا رائجة و هذا عصر الاوثان .