20 ديسمبر، 2024 4:18 ص

عصر الإنحطاط العربي

عصر الإنحطاط العربي

سأل كاتب صاحبه : ماذا لوأشرقت الشمس ذات صباح ، والعرب جميعهم موتى ؟ ، أجابه صاحبه : هُم موتى أصلا ، ولكني أعتقد إن العالم سيكون أفضل ! ، سيهدأ الشرق الأوسط بعد طول غليان لم يسلق إلا أهله ، سوف لن تتوقف مصانع السيارات والحواسيب ، لن تتوقف الهواتف المحمولة ولا الإنترنيت ، ستتخلّص الكُرة الأرضية من عبء بشري لا يعرف الإنتاج ، بل الإستهلاك فقط لأنهم يتكاثرون كالفايروسات ! .

ومع تحفظي على هذا الجدال المتطرّف والمُجحِف ، إلا إني أجد فيه الكثير من الواقعية ، ذلك بأن المشكلة في حُكّامنا ، ولبست في شعوبنا المغلوبة على أمرها ، والتي أثبتت إنها بدورها لا تعرف ماذا تريد ! .

حقيقة ،أتوقف دائما عند (نبوءة) شاعرنا الكبير مظفر النواب وهو يقول منذ نصف قرن (سنُصبح نحن يهود الناريخ ، ونعوي في الصحراء بلا مأوى) ، وقال أيضا (لن يبقى عربي واحد ، إذا بقيت حالتنا هذي الحالة بين الحكومات الكَتَبة) ، كان مظفر في وقته يبدو وكأنه عصفور يغرّد خارج السرب ، فقد كان عصر المد القومي وأيام الخير والمواطنة الحقيقية والمقاومة .. الخ ، وأنتهى بنا المطاف ونحن نتلقى إستخفاف وإهانات وصفعات كل دول العالم وعلى رأسها أمريكا طبعا ، نسلك طرقا دون سؤال كالخراف ، طُرقا إختارها لنا مَن لا يريد بنا خيرا ، طُرُقا تؤدي دون علمنا إلى حيث المسالخ ، طُرُقا تحمل يافطة (الربيع العربي) وقبله مفتاح هذا الربيع المسمى (تحرير العراق) ، كل ذلك بسبب قُصر نظرنا وضعف ذاكرتنا وتيه بوصلتنا ، هربا من دكتاتوريات حُكّامنا ، فذُبِحَ مِنّا مَن ذُبِحْ ، ثم يطالبونا بأجرة الجزار وثمن السكاكين ، ونحن لفرط غبائنا وحماقتنا ، ندفع بطيب خاطر إنطلاقا من خصلة السخاء العربي المعروف ! .

لا أعتقد إن العرب على مر التاريخ ، قد مرّوا بفترة أكثر ظلمة وبشاعة وضياعا وإنحطاطا ، من فترتنا الحالية ، وقد إستبدلنا عدونا المعتدي علينا دائما بعدو آخر ، عدونا الذي لم يصبه خدش مما كل ما عانيناه من جريرة صنائعه وحبكات منظماته السّرّية ، وتآمره علينا بلا هوادة ، خصوصا في حرب المياه لأكبر وأهم أنهار العرب ، دجلة والفرات والنيل ، لطالما إضطهد عدوّنا هذا الفلسطينيين ، فتحولوا إلى الجهاد بعمليات إنتحارية ، لا ضد الصهاينة ، لكن لفرم لحوم شبابنا ، ننفّس عن عقدة هزائمنا المزمنة ، بنصر لا يتجاوز العالم الإفتراضي ، والمتمثل بألعاب الفيديو ! .

عادت إلينا قضية القدس بعد طول نسيان وجفاء ، وقرار أمريكا إعتبارها عاصمة لإسرائيل فخرست السعودية وأخواتها ، بل حافظت على لهجة الغزل المبتذل مع أمريكا ، وأبرمت قطر صفقات سلاح بمليارات الدولارات لشراء طائرات (تايفون) من بريطانيا ، و(رافال) من فرنسا ، ولا زال السؤال يطرق ذهني بإلحاح ، ضد مَن سيوجّه هذا السلاح ؟ بل كيف ستتسع له أرض قطر ؟! ، عادت إلينا قضية القدس ، والخليج يغدق المليارات لذبح أبناء جلدتهم في اليمن والعراق وسوريا ، وبدافع طائفي ومذهبي وليس لشيء آخر ، والعرب الباقون يقفون كالمتفرج ، منهم شيطان أخرس ، ومنهم من ينتظر رشوة السكوت على الضيم والجريمة ، هكذا قُبرت القومية العربية ، وصارت نسيا منسيا .

لكني أستجمع قواي ، وألعق جراحي التي ألحقها بي أولاد العم ، فرغم كل شيء ، لا زال قانون شاعرنا مظفر (بوصلة لا تشير إلى القُدس مشبوهة) ساريا في نظري ، رغم تحسسنا لطريقنا في الظلام الدامس .

أحدث المقالات

أحدث المقالات