23 نوفمبر، 2024 1:00 ص
Search
Close this search box.

عصرنة لغة الخطاب الديني

عصرنة لغة الخطاب الديني

الدين الحالة التي يكون عليها الانسان الكامل حين يُدرك الوجود الحقيقي ، ومن هنا ستكون نسبة التديّن معتمدة على نسبة ذلك الإدراك . ولأن البشر في سيرهم نحو الانسانية يتطورون بقدر المعرفة فهم بحاجة الى دليل وتوجيه ، تفضّل به الخالق اللطيف من خلال النبوّات . 

لذلك كان الدين ضرورة إنسانية ، لا الهية ، لأنّ الخالق الغنيّ المطلق غير محتاج الى خلقه . وهو كذلك شفرة تجمع اواصر الارتباط بين مكونات الوجود ، الذي يعيش فيه الانسان ، فيتكفّل بتنسيق الحركة البشرية والحركة الطبيعية للوصول للاطمئنان والسلام الابدي .

لا يحقق ذلك التنسيق رغبات النفوس المظلمة والعوالم الشيطانية ، لذلك كان الى جانب حركة الدين دائما حركة اخرى ، هي الحركة الظلامية الانانية ، والتي تمظهرت بأشكال مختلفة على مدى الحقب والأماكن .

وما يهمّنا من هاتين الحركتين هو ما يتجلّى اليوم في عصرنا من مواجهة بين الفريقين ، وكيف يعيش ويسلك أفرادها ، وما هي الاليات المعتمدة من قبلهما ، وما هي النتائج المتحققة آنيا ، او المرصودة مستقبلا.

أنّ المؤمنين بإحدى الحركتين عن علم وتحقيق ، سواء كان علما نورانيا انسانيا ، او علما نفعيا شيطانيا ، لا يمكن دفعهما في الاتجاه الاخر بسهولة ، لكن الرهان والجهود تصبّ في تيّار الأغلبية من العامَّة الذين لا خلاق لهم ، والذين هم في مرحلة ممتدة من أسفل سلّم المعرفة الى وسطه . وهنا تكون لغة الخطاب الموجّه اليهم هي الأهم .

اعتمد الدعاة الى الدين لغة فطرية تناسب الفطرة الانسانية النظيفة التي كانت عليها الامم على مدى قرون ، وقد حققت نتائج جيدة ، مع ما قد شابها من عراقيل وملوّثات سلطانية ، حيث كان للحكّام – الكفرة او المتزيين بزيّ الدين – دورا سيئا في تغليب السلوكيات والأفكار الملوّثة ، والتي تحقق منافعاً لهم وتطيل من فترة استعبادهم للبشر .

لكن مع التلوّث النسبي الذي رافق الاستعمار الأوربي للعالم أصبحت النفوس تسير تحت جنح الظلام ، حيث زرعت أوربا – بقيادة بريطانيا – كل الفيروسات التي كانت في جعبتها لتلويث العقل البشري ، لتمنعه من الوصول الى انسانيته ، وبالتالي قد ينفكّ عن منظومتها الاستعبادية . وبالتدريج – ووفقا لقواعد التطوّر – صارت البشرية تنتقل باتجاه بحار من الظلمات والعقد النفسية والامراض الاجتماعية والظواهر الحيوانية البهيمية .

لهذا كله بات واضحا ضرورة تغيير لغة الخطاب الديني ، ونقلها من واقع الكلاسيكية القديمة ، الى لغة العصر التنويري العلمي ، مع التمسّك بالثوابت الدينية والعلامات النورانية والأخلاقية التي تضيئ الطريق نحو القمة الانسانية ، من خلال انتهاج المنهج الرسالي النبوي .

اليوم وبعد مراحل من التغييرات والتلاعبات والقفزات الذهنية والاجتماعية والاقتصادية صار من الممكن – وبسهولة – خداع نسبة كبيرة من بني البشر ، باسم العلم او السياسة او الاقتصاد او الحاجة الغرائزية .

يتم نقل البشر – من اصحاب الديانات – نحو منطقة الفراغ الالحادي ، باستخدام أساليب ومناهج مدروسة بعناية في مراكز الأبحاث الشيطانية ، وعبر الاستعانة بالأذرع والأدوات الكلبية الموجودة ضمن الكتل البشرية المراد تغييرها ، من حكّام ومن انهزاميين ومن نفعيين وغيرهم ، او من خلال القولبة الاقتصادية السلبية او الإيجابية ، بالتزامن مع عرض نماذج تقدّمية زائفة لابهار وصعق الذهنية البسيطة والمتورمة ، فيما تكون الجماعات غير الدينية اقرب الى منطقة الفراغ تلك ، ومن ثم يتم حقن هذه التجمعات الفارغة بالدِّين الشيطاني الجديد ، عن طريق آلة جديدة اسمها ( العلم ) .

أنّ الثورة المعرفية المعاصرة تضمّنت تيّارات متموّلة سيطرت على المؤسسات الكبرى المشرفة على الحضارة الحديثة ، وسعت الى دمج رؤاها وأيدلوجيتها في مسيرة التنظير العالمية الرسمية ، من خلال تأطيرها بأطر شكلية توهم كل فئة من الناس أنّ تلك التنظيرات تناسبها .

فأصبح الصبية الذين كان يعملون في خدمة سحرة القرون الوسطى علماء بدء النهضة الأوربية ، وصار لأسمائهم معنى اخر مختلف كاختلاف النظرة لعملهم الجديد .

وصارت معتقدات ( هيلينا بلافاتسكي ) الباطنية الشيطانية وتنظيرات وتعليمات ( أليس بايلي ) الثيوصوفية الماورائية فلسفة عالمية لإنشاء ثقافة ومجتمع وحكومة واحدة ، في حركة فكرية قادها فيلسوف الامم المتحدة ( روبرت مولر ) .

بالمقابل كانت هناك قيادات دينية غير قادرة على إدارة دفّة الصدمة ، وغير صالحة لتوجيه المنظومة الاجتماعية نحو البر الرئيس ، ومتأخرة بقرن عن لحظة الحدث ، ومتسببة في انكسار المجتمع الإيماني وتراجعه معنويا وماديا ، وهي تعيش الاهمال او اللغة القديمة غير المناسبة للموقف المعاش ، ما كان كافيا في توليد الاحباط اللازم لإنشاء اساسات الإلحاد النفسية ، كردّة فعل مجتمعية او فردية تجاه تلك القيادات ودينها .

انّ تلك القيادات الدينية هي في الحقيقة نتاج الوهم والدعة التي عاشها المجتمع ، والمحصلة الرياضية الحسابية لاختياراته وسلوكياته ، لكن من الصعب لاحقا إفهام الناس ذلك ، او تحميلهم المسؤولية .

عادة تضيع القيادات الربانية المخلصة والواعية والمنتجة والكفوءة وسط تيّارات العاطفة المجتمعية غير العقلانية ، او وسط التراخي واللامبالاة والبحث عن العزلة المشرعنة ، بوجود هجمات فكرية ومادية غريبة واجنبية ، ووجود قيادات سياسية وعسكرية فاسدة ، فتستغل الوجوه القيادية النفعية والكاذبة ذلك ، لتقوم بحملة على الأسس العاطفية للصعود نحو قمة الهرم ، باستخدام الوسائل غير المشروعة والكاذبة ، لكن بأطر اجتماعية وشكلية مقبولة ، وأحيانا تنتج قيادات بصورة غير متعمدة بسبب الصراع بين الجهتين السابقتين ، آتية من منطقة الحياد ، لكنها لا تملك القدرة والكفاءة اللازمة لمواجهة التحديات الكبرى ايضا .

لعليّ بسبب انتمائي لمدرسة التشيّع أكون قادرًا على تشخيص مثل هذه الأزمات في الحوزة والمجتمع الديني الشيعي بصورة أوضح ، وربما لأَنِّي اعتقد ايضا انّ الشيعة هم المسؤولون بالدرجة الأعلى عن قيادة سفينة الفكر الإنساني نحو السلام السماويّ .

لذلك ارى انّ وجود القيادات الدينية والنخبوية في هذا المجتمع قد تسبب في تفشيّ لغة خطابية أشبه بالميّتة حضاريا ، ولولا وجود القيادات الإرسالية الصالحة على مرّ الازمنة في طول حركة الشيعة لاصبحت هذه المدرسة موازية لحركة باقي المدارس الاسلامية ، التي أماتها الفكر السلطاني والتقليد الأعمى لأخطاء السلف ، مع وجود حالات فردية شاذة ونافعة في شذوذها .

في حدود اطّلاعي على عالم الإلحاد العربي ، وكذلك التيّارات المنحرفة ، والافراد غير المستقيمين ، كان المشترك الأهم بينهم هو الأساس المعرفي والنفسي الخاطئ والقاصر ، ونظرتهم الكلاسيكية الصنمية للدين ، وضعف الوازع الاخلاقي الناشئ عن عدم ارتكاز معرفة الله ومحبّته في نفوسهم ، واقتصار سماعهم على الوعيد والعذاب ، الذي حين يجدون ما يمكنه – شكليا – نفيه يميلون اليه فورا دون وعي ودون تحقيق .

كتبت سابقا عن لغة الحبّ ومعرفة الله ، ودعوت الى نشرها بين الناس لانها الدين الحقيقي ، وهي كفيلة بنقل الدعوة الدينية الى ابعاد مرضية لله ، وقادرة على اكتساب العدد الأكبر من النفوس الطاهرة ، لانها لغة الفطرة ولغة الخلق ، وهي التي تُعبّر عن المولى الحقّ لانه مطلق الفيض والحبّ . واليوم اعود لاتحدّث في لغة الخطاب الدنيوي ، لكن التي ترتبط بالدِّين ذاته ، انها لغة المعرفة ، او لغة العلم ، بما نسميّها المعاصرة .

يعتقد الكثير من شبابنا انّ المنظومة الدينية لم تكن منتجة على الدوام ، وأنها غير قادرة على مسايرة العلم الحديث وأدواته ، كما انها لم تتضمن المفردات العلمية التي تثبت سماويتها ولم تسبق زمن الآلة الحديث بشيء ، وليس لها القدرة على إدارة الدولة الحديثة ، وأنّ النموذج الأكثر وضوحا للدين هو الفكر المتطرف .

انّ هذه الاعتقادات ليست مزاجية فقط ، وإنما هي وليدة عدة أسباب ، فالمشكلة الاولى التي تتهم المنظومة الدينية بعدم الانتاج ناشئة عن الانقطاع الحضاري والمعرفي بين الحاضر والماضي ، بسبب المرحلة الاستعمارية وما رافقها من تجهيل للناس ومن انحسار دور المؤسسة الدينية المعرفي الرابط بين الأجيال . اما المشاكل المتعلقة بقدرة الدين على مسايرة العلم الحديث وخلو مفرداته من دلالات علمية فناشئ عن ضعف المؤسسة الدينية في عرض المضمون العلمي المادي والطبيعي الذي تضمّنه النص الديني ، وهنا لا ادعي او اطلب جعل الدين جامعة للعلوم الطبيعية ، لكن أقول انّ المصادر والنصوص الدينية حفلت بالعديد من الإشارات العلمية ، التي يمكن لعرضها وبيانها ان يوجد ثباتا وثقة بقوة الدين ، كما انه يشكل دافعا وحافزا نحو النهوض العلمي والسعي لمنظومة علمية طبيعية مرتبطة بالمؤسسة الدينية ومتكاملة معها ، وربما يكون لهذا المنهج اثر في توجهات الجمهورية الاسلامية في ايران حديثا ، لكنه على مستوى الانتشار ضعيف جدا بسبب عزلة الجمهورية الاسلامية لأسباب ذاتية وموضوعية . وفيما يتعلق بقدرة الدين على إدارة الدول الحديثة فالفكرة المخالفة لذلك جائت بسبب اعتماد اغلب القيادات الدينية واقعا خطابيا وسلوكيا يعيش ايّام العصور الوسطى والكتب الحجرية ، لولا نهضة الصدرين العظيمين والسيد الخميني ومن شابههم من القادة الافذاذ من بعض أساتذتهم او تلاميذهم .

فأنا حين اقرأ نصوصا روائية لأحد الأئمة المعصومين عليهم السلام تتحدث بلغة العلم الطبيعي مثل : ( أنشأ الخلق إنشاء وابتدأه ابتداء، بلا روية أجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها. أحال الأشياء لأوقاتها ولاءم بين مختلفاتها، وغرز غرائزها وألزمها أشباحها، عالما ( بها ) قبل ابتدائها ، ومحيطا بحدودها وانتهائها ، عارفا بقرائنها وأحنائها ، ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء ، وشق الأرجاء ، وسكائك الهواء فأجرى، فيها ماء متلاطما تياره، متراكما زخاره ، حمله على متن الريح العاصفة والزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلطها على شده، وقرنها على حده: الهواء من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق. ثم أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها وأدام مربها وأعصف مجريها، وأبعد منشأها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار وإثارة موج البحار فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله على آخره، وساجيه على مائره حتى عب عبابه ورمى بالزبد ركامه، فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق فسوى منه سبع سماوات جعل سفلاهن موجا مكفوفا، وعلياهن سقفا محفوظا وسمكا مرفوعا بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينتظمها، ثم زينها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب فأجرى فيها سراجا مستطيرا، وقمرا منيرا ، في فلك دائر ، وسقف سائر ، ورقيم مائر. ثم فتق ما بين السماوات العلى، فملأهن أطوارا من ملائكته) ، و ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَطَّابِ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ هِشَامٍ الْخَفَّافِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «كَيْفَ بَصَرُكَ بِالنُّجُومِ؟». قَالَ: قُلْتُ: مَا خَلَّفْتُ بِالْعِرَاقِ أَبْصَرَ بِالنُّجُومِ مِنِّي. فَقَالَ: «كَيْفَ دَوَرَانُ الْفَلَكِ عِنْدَكُمْ؟». قَالَ: فَأَخَذْتُ قَلَنْسُوَتِي عَنْ رَأْسِي فَأَدَرْتُهَا. قَالَ: فَقَالَ: «إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلى مَا تَقُولُ ، فَمَا بَالُ بَنَاتِ النَّعْشِ وَالْجَدْيِ وَالْفَرْقَدَيْنِ لَايُرَوْنَ يَدُورُونَ يَوْماً مِنَ الدَّهْرِ فِي الْقِبْلَةِ؟». قَالَ: قُلْتُ: هذَا وَاللَّهِ شَيْءٌ لَا أَعْرِفُهُ، وَلَا سَمِعْتُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْحِسَابِ يَذْكُرُهُ. فَقَالَ لِي: «كَمِ السُّكَيْنَةُ مِنَ الزُّهَرَةِ جُزْءاً فِي ضَوْئِهَا؟». قَالَ: قُلْتُ: هذَا- وَاللَّهِ- نَجْمٌ، مَا سَمِعْتُ بِهِ وَلَا سَمِعْتُ أَحَداً مِنَ النَّاسِ يَذْكُرُهُ. فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، فَأَسْقَطْتُمْ نَجْماً بِأَسْرِهِ، فَعَلى مَا تَحْسُبُونَ؟». ثُمَّ قَالَ: «فَكَمِ الزُّهَرَةُ مِنَ الْقَمَرِ جُزْءاً فِي ضَوْئِهِ؟» قَالَ: قُلْتُ : هذَا شَيْءٌ لَايَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ : «فَكَمِ الْقَمَرُ جُزْءاً مِنَ الشَّمْسِ فِي ضَوْئِهَا؟». قَالَ: قُلْتُ: مَا أَعْرِفُ هذَا. قَالَ: «صَدَقْتَ»، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ الْعَسْكَرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، فِي هذَا حَاسِبٌ، وَفِي هذَا حَاسِبٌ، فَيَحْسُبُ هذَا لِصَاحِبِهِ بِالظَّفَرِ، وَيَحْسُبُ هذَا لِصَاحِبِهِ بِالظَّفَرِ، ثُمَّ يَلْتَقِيَانِ، فَيَهْزِمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَأَيْنَ كَانَتِ النّحوس . قَالَ: فَقُلْتُ: لَاوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ ذلِكَ، قَالَ: فَقَالَ: «صَدَقْتَ؛ إِنَّ أَصْلَ الْحِسَابِ حَقٌّ، وَلكِنْ لَايَعْلَمُ ذلِكَ إِلَّا مَنْ عَلِمَ مَوَالِيدَ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ ) ، ومن قبلهما الآيات القرانية : (( خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم * هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين )) و (( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون * وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون * وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون * وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون * وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون )) ، حين اقرأ هذه النصوص وغيرها ادرك جيدا انّ قائلها لم يريد من ذلك التسلية او العبث – وحاشاهم – ، وإنما انّ لها هدفا وغاية هما ذات الهدف والغاية من مقالي هذا ، وذلك هو المعرفة والاطّلاع عَلى آيات ونفع البشرية بالعلم وتثبيت المؤمن واقناع الملحد بلطيف صنع الله وسبق الدين في الإشارة اليه قبل معرفة الناس .

وربما شهدنا مؤخرا طرحا معرفيا بآليات جديدة ، تبنته المدرسة الصدرية ، من خلال المرجع محمد اليعقوبي ، الذي تميّز بلغة خطاب معاصرة ، وارتبطت بحركته مجموعة التحركات الدينية الأكاديمية والمعرفية ، ولعلّ طرحه الأخير في البحث الخارج المعنون ( المشاركة في السلطة لإقامة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ) كان خطابا جديدا داخل الحوزة العلمية ومنهجها الكلاسيكي غالبا .

كذلك طروحات الشيخ عباس الزيدي التحقيقية في التاريخ والجماعات ، كبحثه ( آدم ليس اول البشر ) وغيره من النظرات الواعية ، كانت معطاءة ولطيفة ومحفزة .

وكان هناك طروحات العلامة الكبير في المدرسة الاخرى الدكتور عدنان ابراهيم ، فهو من الشخصيات العملاقة في هذا المجال ، ويمكن القول انه موسوعي دقيق ومحقق كبير . 

وهذه الأمثلة على نحو الاختصار والتحفيز ، فهناك ايضا الباحث القدير السيد سامي البدري ، وقد نقل عدة باحثين كيف انه متمكن في لغته البحثية وجريئ في طرحه . والعديد من الشخصيات البحثية في الجمهورية الاسلامية وفي أوربا .

لكن كل هذه الأسماء والطروحات لازالت تعاني من غلبة الطرح الكلاسيكي وسيطرته الإعلامية ، كما عانت التغييب المستمر والمتعمد ، وهي تعمل باستمرار على شق طريق المعرفة عبر ازاحة عراقيل الجمود الفكري عنه .

اما المدارس الاسلامية الاخرى غير الشيعية فهي تعاني مشاكل معقدة ومركبة ، تمثلت في ضعف الطرح الديني وافتقاد العقل الجدلي المستقبل ، لقرب قواعدها من البداوة الحضارية تاريخيا ، وهو ما تختلف فيه قواعد المدرسة الشيعية التي ترتكز غالبا في البؤر الحضارية كالعراق وإيران والشام .

لذلك لم تكن امام قواعد تلك المدارس من طرق حتمية سوى التطرّف الصحراوي او الإلحاد الببغائي . وما لم تغيّر المدارس السنية من مجمل طرحها وتعيد التحقيق في تاريخها ومصادرها فليس امام ابنائها وقواعدها سوى التشيّع او التطرّف او الإلحاد ، كنتيجة حتمية لتناقضات التاريخ والنص والخطاب .

اما عند العود الى الجانب الشيعي فيجب التنبيه انّ لغة الخطاب المنبري الملّائي المعتمدة في الغالب ، لا سيما في الكثرة المنفجرة حديثا من القنوات الفضائية المفرطة في الوهم ، سوف تقود الى تصحّر الفكر الشيعي الشاب وانغلاق منافذه ، وربما هذا هو المطلوب من وجود كل هذه القنوات المجهولة التمويل .

ويجب سريعا على الحوزة الدينية ادراك مسؤوليتها وحفظ الدين واهله بتهذيب عمل هذه القنوات وتهدئة غلوائها وعاطفتها اللاواقعية والعمل على الوسطية وادراك أسس الواقع الجديد ولغته وحاجاته ، وتذكّر انّ الدين اكبر من مجرد قصيدة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات