23 ديسمبر، 2024 5:32 م

عصرنا الأظلم؟!!

عصرنا الأظلم؟!!

ربما كذبت علينا كتب التأريخ وإفترت الكثير من التصورات والإدعاءات , وأوهمت الأجيال بأن العرب قد مرّوا بعصور ظلامية سابقة لعصرهم الدامي في القرن الحادي والعشرين؟!!

نعم كذبت , فالعرب لم يعيشوا عصرا ظلاميا سقيما غاشما وقاسيا منذ إنطلاق دولتهم في المدينة المنورة , إلا قبل بضعة عقود بدأت بإطفاء الأنوار وحجب الأبصار , حتى تم تتويجها في العقد الأخير بدواعي الظلام الدامس والحندسة الفتاكة بالوجود العربي بأكمله.

فالعرب في مسيرتهم لم يؤسسوا غير مواضع السطوع والتوهج الإنساني , بالمقارنة الزمنية بغيرهم من شعوب الأرض عبر مراحل مسيرتهم الحضارية.

وقد عاش العرب قبل دينهم حياتهم المتوافقة مع إيقاع عصرهم آنذاك , وأسموه ظلما وعدوانا بعصر الجاهلية , وهو الذي أنتج أرقى وأحكم وأتقن إبداع فني عرفته الإنسانية في ذلك الوقت , ولازالت قصائد شعرائه تتردد على الألسن إلى يومنا هذا!!

ومضى العرب يوقدون الشعلة الحضارية في أصقاع الدنيا وينتشرون فيها كالضياء الساطع , وتألقوا في فترات زمنية , أثرت في مسيرة البشرية ونقلت العقل الى مستويات جديدة من التفكير والإدراك والبحث , ووصل العطاء الفكري والعلمي والأدبي ذروته في بغداد وبلاد الأندلس , التي شعشعت أنوار علومها ومعارفها في غرب الأرض , فأخرجت أهلها من عصور الظلام والإستبداد الكنائسي المعروف بمحاكمه التفتيشية الجائرة.

وكأن العرب اليوم يتبادلون الأدوار مع الأمم التي قاست الجور والإنسحاق بسلطة القائلين بالدين والحاكمين بأمر ما يعتقدونه ويحسبونه الحق المطلق والجبروت الفتاك الأوحد.

العرب اليوم وكأنهم يعيشون عصور محاكم التفتيش التي عانت منها أوربا ودفعت بسببها ثمنا غاليا , وتقوقعت في جحور الرؤى السقيمة , حيث سُفكت الدماء وتأججت النفوس الأمارة بالسوء , وصارت المتاجرة بالدين المهنة المربحة , وتم الترويج لصكوك الغفران وغيرها من التجارات الغاشمة بإسم الدين.

فالذي يتحقق في المجتمعات العربية يشير بوضوح إلى السلوك الظلامي الطارد للأنوار , والذي يعتقل الدين في زنزانة السوء والبغضاء ويمنع عنه هواء الرسالة السماوية الإنسانية الوحدانية ذات القيم الجامعة والتفاعلات الصالحة , الداعية للإعتصام بحبل المودة والألفة والإيمان بالرحمن الرحيم وسلوك الطريق الذي لا عوج فيه ولا إنحراف.

فما عادت بلاد العرب أوطاني , ولا الدين منارا ورحمة ومنطلقا للتفاعلات الإنسانية الطيبة , وإنما هو الوسيلة السهلة الجديدة للعدوان على المخلوقات والموجودات , وتسويغ المآثم والخطايا وإنتهاك الحرمات.

فالوطن يتشظى , والمواطن يتلظى , والبشائع تسود , والفساد يقود , والأنوار غابت , والظلمات دامت , والعرب يخرجون من ذاتهم وهويتهم وعصرهم أفواجا أفواجا , فيتيهون في دنيا الله التي

ضاقت عليهم وما رحبت , فينسحقون ويتلاشون كالشموع التي تحترق في بوادي النسيان والخسران الأبيد!!

فهل عاد العرب إلى الظلمات التي خرجوا منها؟!!