23 ديسمبر، 2024 4:51 ص

عشْ هَكَذَا فِي عُلُوٍّ أيّها العَلَمُ ؟!

عشْ هَكَذَا فِي عُلُوٍّ أيّها العَلَمُ ؟!

 

القسم الأول

أجمع العديد من الصحابة الكرام (رض) ، على أن راية رسول الله محمد (ص) كانت سوداء وإسمها العقاب ، ومكتوب عليها ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ، وهذه الراية هي التي كان المسلمون يرفعونها ، وكان لواؤه (ص) أبيض ، وهو العلم الذي يوضع على مقر قيادة المسلمين أو مقر الخليفة ، الذي في الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش ، وقد يحمله أمير الجيش ، وقد يدفع به لمقدم العسكر تأكيدا لقوة التواجد في ساحة المنازلة ، ومكتوب عليه ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ، وقد بقيت هذه الراية رمزا للمسلمين وعلمهم المرفوع منذ زمن الرسول محمد ( ص) حتى نهاية الدولة العثمانية عام 1342هـ – 1924م . وسميت تلك الراية بالعقاب ، نسبة لما يتصف به العقاب من القوة والإباء المعروف به من عزة النفس والأنفة والكبرياء ، ولتكون الدولة ذات سيادة عزيزة منيعة مهيبة بين الدول والأمم والأمبراطوريات السابقة . راية العُقَاب هي راية مربعة الشكل مصنوعة من الصوف الأسود ، كما تعددت ألوان الألوية وإنتشر إستخدامها في أوساط الأحزاب والتنظيمات الإسلامية حديثا ، مثلما هو قائم الآن عرفا وتقليدا شائعا بقوة السلاح أو بقوة التأثير السياسي وتوجهاته الفكرية المختلفة في المجتمع ، ومثلما هو إستخدام العشائر للبيرق رمزا للتعبير عن أغراضها ، المتميز بكبر حجمه وتعدد ألوانه وصوره . ومثلما هي الراية المستخدمة في تشكيلات الجيش ، ذات الألوان المختلفة والحجم الصغير ، رمزا لها وللدلالة على مكان تواجد قطعاتها من الأفواج أو السرايا أو الفصائل ، أو الكتائب والبطاريات والرفوف والأسراب في ساحات الحرب والسلام .

لقد تم إستحداث علم المملكة العراقية بموجب قانون العلم الوطني العراقي رقم (36) في11/7/1928 ، ثم صدر نظام إستعمال العلم العراقي رقم (29) في 4/10/1930 ، وبعده قانون شعار الدولة العراقية رقم (25) في 3/3/1931 ، ومن ثم قانون علم الجمهورية العراقية رقم (102) في 24/6/1959 ، الذي حدد تعريف ألوان العلم بموجب المادة (2) منه على وفق ما ترمز إليه ، وكما يأتي :-

أ- اللون الأسود : لكل من راية الرسول العربي الأعظم ، وراية العرب في صدر الإسلام ، وراية العرب في العراق .

ب- اللون الأخضر : راية العلويين .

ج- اللون الأبيض : راية العرب في الشام .

د- اللون الأحمر : راية العرب في الأندلس ، ولثورة 14 تموز 1958 .

ه- اللون الأصفر : راية صلاح الدين الأيوبي .

ولعل من الشائع عرفا أن تلك الألوان قد أستمدت من أحد أبيات قصيدة للشاعر صفي الدين الحلي ( بيــض صنائعنا سود وقـائعـنا *** خضر مرابعنا حمر مواضينا ) ، وإن لم يكن اللون الأصفر من بينها ، وعليه نصت المادة (1) من قانون العلم الوطني رقم (28) في 30/4/1963 ، على أن ( يتكون العلم الوطني العراقي من ثلاثة ألوان ، الأسود والأبيض والأحمر ، وبه ثلاثة نجوم كل منها ذات خمس شعب ولونها أخضر ) ، وليس ذلك بجديد فيما يخص ألوان مكوناته منذ إستحداثه سنة 1928 . كما نص ملحق الأسباب الموجبة لإصدار قانون العلم المذكور آنفا ، على إنه و ( بعد أن تم إعلان ميثاق الوحدة الإتحادية بين مصر وسوريا والعراق ، فقد إقتضى تبديل علم الجمهورية العراقية بالعلم الوطني ، الذي يعبر عن الأهداف العربية النبيلة التي جاءت الثورة المباركة لتحقيقها ) ، وعليه صدر البيان المتضمن حصول موافقة مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 19/4/1963 ، على إعتبار العلم المقر أوصافه في بيان الدولة الإتحادية ، هو علم الدولة الرسمي ويرفع على كافة الدوائر الرسمية وشبه الرسمية إعتبارا من 19/4/1963 ، وإقترن ذلك بمصادقة المجلس الوطني لقيادة الثورة ، بعدها صدر قانون شعار الجمهورية العراقية رقم (85) في 2/6/1965 ، الذي نصت الأسباب الموجبة لإصداره على أن ( يعتبر الشعار رمزا لكل الأمة ، يعكس ماضيها التليد ويمثل حاضرها الذي تعيش فيه ، ولهذا ينبغي أن يتجاوب شكله وأوصافه مع تأريخ هذه الأمة ، ويكون في نفس الوقت صدى لأمانيها السامية ، فاختير الشعار الجديد بموجب القانون المرفق ، بحيث ينسجم مع تلك الأهداف العزيزة الكريمة ، ويمثل هذا الشعار في نسر زخرفي مأخوذ عن نسر صلاح الدين ، وكتب عليه إسم الجمهورية العراقية بخط كوفي ، ونقش فوقه درع يمثل علم جمهورية العراق) .

وهكذا بدأ طغيان وغلبة التوجهات السياسية لأنظمة الحكم على مواصفات العلم غير الثابتة ، فكان لكل سلطة علم ورجال ، تيمنا بالقول المأثور ، لكل زمان دولة ورجال ؟!. حتى إختلطت علينا مفاهيم المقصود من التغيير ، إلى الحد الذي لم يسعها إلا أن تعلن عن خيبة الأمة في حكامها ، المختلفين في إمكانية تثبيت رمز أوطانهم الموحد لهم من الناحية السياسية ، التي كان فيها مقتلهم وقتالهم فيما بينهم ، ناهيك عن تفرقهم وذهاب ريحهم وضعغهم أمام عدوهم ، وضياع فرص تطور وتقدم وإزدهار أوطانهم وشعوبهم ؟!. وكأني بسلطات اليوم والتأريخ يعيد نفسه بالأسوء من أيامه ، حيران ولا أدري أيها الطارئون الفاسدون الفاشلون ، بأي القول يرميكم به المرحوم الشاعر معروف الرصافي ، وقد قال في أسيادكم ؟!:

أنا بالحكومة والسياسة أعرف … أأُلام في تفنيدها وأعنَّف

سأقول فيها ما أقول ولم أخف … من أن يقولوا شاعر متطرِّف

هذي حكومتنا وكل شُموخها … كَذِب وكل صنيعها متكلَّف

غُشَّت مظاهرها ومُوِّه وجهها … فجميع ما فيها بهارج زُيَّف

وجهان فيها باطن متستِّر … للأجنبيّ وظاهر متكشِّف

والباطن المستور فيه تحكّم … والظاهر المكشوف فيه تصلُّف

عَلَم ودستور ومجلس أمة … كل عن المعنى الصحيح محرف

أسماء ليس لنا سوى ألفاظها … أما معانيها فليست تعرف

مَن يقرأ الدستور يعلمْ أنه … وَفقاً لصكّ الانتداب مصنَّف

من ينظرِ العَلم المرفوف يلقَه … في عزّ غير بني البلاد يرفرف

من يأتِ مجلسنا يصدّق أنه … لمُراد غير الناخبين مؤلَّف

من يأتِ مُطّرَد الوزارة يُلفِها … بقيود أهل الاستشارة ترسف

أفهكذا تبقى الحكومة عندنا … كلماً تموَّه للورى وتُزخرَف

كثرت دوائرها وقلّ فَعالها … كالطبل يكبُر وهو خال أجوف

كم ساءنا منها ومن وزرائها … عمل بمنفعة المواطن مُجحِف