16 سبتمبر، 2024 10:23 م
Search
Close this search box.

عشيرة البو نمر بين بوش واوباما

عشيرة البو نمر بين بوش واوباما

عام 2006 كانت الادارة الأمريكية تفكر جديا في الانسحاب من الانبار بسبب الخسائر الكبيرة التي تلقتها على ارض الانبار من كافة الفصائل المقاومة للاحتلال . في حينها كتبت صحيفة النيويورك تايمز بان هناك خيار اخير لقوات التحالف للصمود في الانبار وهو تحشيد وتجنيد قبائل البو نمر التي تسكن الضفة الشرقية لنهر الفرات من قضاء هيت وبعض القبائل الاخرى في محافظة الانبار لقتال المجاميع المسلحة وتشكيل ما عرف فيما بعد بالصحوات. وبالفعل بدأت حملة كبرى لضم اكبر عدد ممكن من شباب تلك القبائل ومنحت لهم الرواتب المجزية والرتب الدمجية والعتاد والسلاح الكافي لقتال فصائل المجاميع المسلحة التي كانت تقاتل الاحتلال الامريكي في هيت والرمادي. وبسبب قربهم من فصائل المقاومة ودرايتهم بمناطقهم وبسبب طموحهم في الاستحواذ على المناصب الحكومية المدنية والعسكرية في قضاء هيت استطاعوا بمساعدة قوات التحالف المتواجدة هناك خلال اشهر معدودة من تفكيك مجمل تلك الفصائل وقتل من قتل وزج من زج في سجن بوكا وغيرها . كان لهذا الانتصار الكبير الذي حققته العشائر في الانبار وعلى رأسها البو نمر الاثر الكبير على استقرار الاوضاع بنسبة كبيرة في محافظة الانبار خاصة والعراق عامة .

وعلى اثر هذا الانتصار جاء الرئيس الامريكي السابق بوش الى الانبار والتقى القادة الحكوميين والقبليين في قاعدة عين الاسد التي تقع ضمن حدود قضاء هيت وعبر عن سروره وشكره لزعماء القبائل بنصر حققتنه قواته بمساعدتهم , ذلك النصر الذي كان بوش يتوقعه ان يحصل في عام 2003 عندما صعد البارجة الامريكية وأعلن بان قواته انجزت المهمة لكن المهمة لم تنجز بوقتها .عشيرة البو نمر كانت من ضمن من انقذ الادارة الامريكية من الخروج من مستنقع العراق بأقل الخسائر وبنصر مؤقت يعيد للإدارة الامريكية ماء وجهها .

ظهرت في تلك الفترة العديد من الزعامات القبلية والعسكرية والمدنية واستطاعت تلك الزعامات ان تستحوذ على معظم المناصب الامنية والمدنية في قضاء هيت.حيث استمر منصب قائم مقام هيت بيد حكمت الكعود الى عام 2009 واستمر منصب مدير شرطة القضاء وبقية المناصب الامنية بأيدهم ايضا الى حد هذه اللحظة تقريبا , هذا الوضع ولد حالة كبيرة من السخط وعدم الرضا لدى المواطنين المحلين في مدينة هيت كون المدينة يقطنها اهالي هيت الذين يعتبرون انفسهم متمدنين وغير قبليين فكيف يستحوذ البو نمر على مجمل المناصب في المدينة , شعر الامريكان بذلك الوقت بأنهم اسرفوا كثيرا بمكافئة قبيلة البو نمر , وحاول في وقتها فريق الاعمار الامريكي معالجة الوضع بهدوء و استطاع ان يستبدل المناصب المدنية التي كان تشغلها شخصيات من قبيلة البو نمر بشخصيات من اهالي هيت حيث تم اخراج حكمت جبير الكعود من منصب القائم مقام بسبب شبهات فساد واستبدل بالمهندس سعيد غزال الذي قتل فيما بعد على ايدي الجماعات المتطرفة , واستبدلوا ايضا منصب مدير البلدية الذي كان يشغله احد الشخصيات النمراوية بشخصية تعود الى مدينة هيت .

في بداية عام 2008 شهدت محافظة الانبار هدوءً كبيراً جدا واستطاعت القوات الحكومية ان تفرض القانون بنسبة كبيرة وبدأت معها حملة اعمار واسعة في كافة ارجاء المحافظة بسبب التدفق الكبير للأموال ضمن موازنة تنمية الاقاليم والموازنة الاستثمارية . كانت تلك الفترة تحمل الكثير من الامال والطموحات المشروعة لدى المواطن الانباري التي كان من الممكن لها ان تتحقق لولا السياسات الخاطئة وعودة نشاط المجاميع المسلحة من جديد .

.خلال تلك الفترة ايضا وبعدها استطاع تنظيم القاعدة ان يخوض حرب استنزاف في قضاء هيت قتل خلالها معظم القادة الامنيين والمدنيين , حيث قتل مجموعه كبيرة من ضباط الشرطة الحقيقيين وأصحاب الرتب الدمج من بينهم عقيد محمد فيصل الكعود مدير شرطة هيت وعقيد رحيم العمر والعشرات من الضباط والمراتب التي يعود معظمهم لعشيرة البو نمر بالإضافة الى المسئولين المدنيين مثل مدير ناحية كبيسة وقائم مقام هيت . هذا يعني ان قبيلة البو نمر تحملت الوزر الاكبر من حرب الاستنزاف التي خاضتها القاعدة في قضاء هيت .

كانت تلك المرحلة المشار اليها تؤسس لأفكار قبلية متزمتة تتمثل بزج شباب قبيلة البو نمر والعشائر الاخرى في سلك القوات الامنية والتركيز على انهم هم من حمى الديار وطرد المسلحين , وان الدولة مهما كبرت وتعاظمت لا يمكن لها ان تنهض بدونهم , لقد كان الشباب القبلي ضحية افكار مرحلة طائشة كان فيها العرف القبلي سائدا بدرجة كبيرة وغياب كبير لدور مؤسسات الدولة . تم ايهام الكثير منهم انها معركة فاصلة بينهم وبين المجموعات المتطرفة وتحملت هذه العشيرة وزرا كبيرا من القتال ضد المجاميع المتطرفة ,لذلك كانت تلك العشيرة التي تميزت بالجود والشجاعة تعتبر نفسها في مناسبات كثيرة خلال العشرة سنوات الماضية ملزمة في الانخراط في مواجهة الارهاب في تلك المناطق وتحمل بقية مكونات المجتمع مسؤولية تقاعسهم وسكوتهم ضد ما يجري من ماسي ومظالم تحدث على يد الجماعات المسلحة .وعلى

الرغم من الخسائر الكبيرة التي تلقتها هذه القبيلة إلا انها كانت سعيدة وراضية عن ما تقوم به وتبني ارثاُ لبناته البطولة والشجاعة والتضحية ويكرس مقولة على ان البو نمر (اخوة وضحة) هم حقاُ (رواك الجزيرة) . وفي الوقت نفسه ظلت الحكومات المحلية والاتحادية تراهن على قدرات القبيلة وتهمل بناء المؤسسات بشكل علمي اكاديمي .

وعندما بدأت الحرب الحالية يوم 28/12/2013 والتي سبقها اعتصام وتظاهرات على الخط السريع في الرمادي استمرت اكثر من عام كانت عشيرة البو نمر بعيدة عن المشهد تقريبا لعدم قناعتها بالاعتصام والتظاهر وكان تمثيلها خجولاً . لكن بعد انهيار الجيش والشرطة وجدت عشيرة البو نمر نفسها مرة ثانية امام تحدي كبير وآخذت على عاتقها طوال فترة عام 2014 تامين قضاء هيت من تنظيم الدولة الاسلامية ونجحت في ذلك الى حد بعيد ومنعت امتداد سيطرة المجاميع المسلحة على بقية ارجاء محافظة الانبار, بالإضافة الى ذلك قامت بتزويد القوات الحكومية في الرمادي بالمقاتلين العشائريين الذين كان لهم دور كبير في المحافظة قفي منع سقوط مدينة الرمادي كلها بيد تنظيم الدولة الاسلامية .

هذا الظهور القوي المتنامي لعشيرة البو نمر وضعها مرة ثانية على راس خيارات الطوارئ التي سوف تلجأ اليها الحكومة العراقية وفيما بعد ادارة الرئيس الامريكي اوباما ,و بدا مشروع الصحوات يدغدغ مرة ثانية عقول قادة الادارة الامريكية وصحافتها , التي بدأت تذكر الادارة الامريكية والعراقية بالنجاح الذي تحقق عام 2006 . وبسبب سوء فهم عشيرة البو نمر للموقف وعدم تقييمها للموقف بصورة دقيقة اندفعت الى الامام واعتبرت المعركة مع الدولة الاسلامية معركتها في الدرجة الاولى مقتنصتاً فرصة اخذ الثارات المتراكمة على مدى السنوات العشر الماضية ,وأيضا ً بسبب الخوف من الانتقام الذي سوف تقوم به الدولة الاسلامية في حال سيطرتها على مناطق البو نمر, .بالإضافة الى اقتناعها بحتمية كسب المعركة لان الداعم الاساسي لها سوف يكون الولايات المتحدة الامريكية واعتقادها بأنها سوف تكسب المعركة لأنها سبق ان نجحت بدحر المجاميع المسلحة بالتعاون مع الامريكان خلال العقد الماضي . وحاولت هي والحكومة استنساخ تجربة اعوام العقد الماضي وجاءت بالمقاتلين الاقوياء على مختلف مستوياتهم وزجت بهم في مراكز شرطة هيت وكبيسة والفرات وغيرها من المناطق ومنحت الرتب من جديد للمقاتلين اعتقاداُ منها انهم سوف يكررون تجربة 2006 لكنها اغفلت ان عدو اليوم ليس عدو الامس وتجاهلت ان اللاعب الكبير غير موجود للتدخل مباشرتاً وإنقاذها اذا ما واجهتها مشاكل , ونتيجتاُ لكل هذه الاسباب سقطت عشيرة البو نمر وقدمت للدولة الاسلامية على طبق من ذهب . عشمتها الحكومة بإعلامها الزائف الكاذب وتركتها فريسة لاسود جائعة تنتظر اي شيء لتنقض عليه .

ان ما حدث خلال اعوام 2006 و2007 لا يمكن تكراره في هذه المعركة لان المشهد مختلف جدا عن الماضي القريب , الحكومة العراقية يجب ان تكون واعية وتفهم الدرس ان كانت تريد ان تفهم ,لا تورطوا القبائل والأقليات بحروب شرسة عجزتم انتم ان تصمدوا بها ,كفانا مجازر وانتكاسات . ما مطلوب بناء مؤسسات امنية حقيقيية قادرة على استيعاب كل مكونات المجتمع العراقي ومدربة تدريبا علميا واحترافيا ومؤمنة بعقيدة عسكرية لا غير .

أحدث المقالات