23 ديسمبر، 2024 2:58 م

عشق الفلسفة في العراق المعاصر – الدكتور صالح مهدي الهاشم انموذجاً

عشق الفلسفة في العراق المعاصر – الدكتور صالح مهدي الهاشم انموذجاً

يعتبر الدكتور صالح مهدي الهاشم (ت2007م)، من أبرز المحبين الشغوفين بالفلسفة إلى درجة العشق والولهان فيها، على الرغم من أنه لم يكن من خريجي قسمها سواء في العراق أم خارجه. وهو ما عرفته منه عن قرب ومن خلال علاقة شخصية معه استمرت لأكثر من عشرين عاماً، لم تقطعها قطيعة سوى موته بسبب مرض عضال ألم به.
إذ كانت الكتابة في الفلسفة وتاريخها يشكل حباً وهاجساً كبيراً لديه، بل ويشكل قلقاً ملازماً في شخصه، إذ يعتبرها المنفذ الوحيد الذي يستطيع أن يعبر من خلالها عن أفكاره وهواجسه وتطلعاته الفكرية والعقيدية، إذا ما علمنا أن هذا الشغف والحب بالفلسفة قد لازمه منذ بداية حياته العلمية عندما كان طالباً لأصول الدين في ستينيات القرن المنصرم، وقد غرس هذا الحب في داخله وقوى من عوده عندما كان طالباً جامعياً، أبرز أساتذة الفلسفة في العراق المعاصر، وهم الأستاذ الفيلسوف الدكتور حسام الآلوسي، والمرحوم الأستاذ الدكتور كامل مصطفى الشيبي، ت2006م.
وقد تكلل النشاط الفلسفي للدكتور صالح مهدي الهاشم من خلال جملة مؤلفات وأبحاث ومقالات وحضور مؤتمرات فلسفية عراقية وعربية، كان آخرها المؤتمر الدولي الذي عقد في لبنان عن الفيلسوف الألماني عمانؤيل كانت (ت1804م).
إن بحثنا هذا سيؤشر المنجز الفلسفي للدكتور صالح مهدي الهاشم من خلال مؤلفاته ومنهجه الفلسفي الذي اختطه لدراسة تاريخ الفلسفة ولاسيما الإسلامية منها. وذلك من أجل إبراز الدور الفلسفي الذي لعبه في العراق المعاصر من خلال مؤلفاته التي تركها لنا، وهي: كتاب مدرسة بغداد الفلسفية، وكتاب الفكر الفلسفي في بغداد (دراسة في الأصول والأتباع)، وكتاب المشهد الفلسفي في القرن السابع الهجري (دراسة في فكر العلامة ابن المطهر الحلي ورجال عصره)، وكتاب فلسفة التاريخ دراسة مستقبلية، وآخرها كتاب الدخول من الباب الآخر، الذي ضم مجموع أبحاثة ودراساته التي كتبها على مدى ربع قرن، فضلاً عن تحقيقاته لكتاب العلامة الحلي الموسوم بالأسرار الخفية في العلوم العقلية، والذي صدر أحد أجزائه بالتشارك مع الأستاذ الدكتور حسام الآلوسي. وكان يطمح لإصدار بقية أجزائه في قابل الأيام إلا أن المنية وافته فبقي المشروع بانتظار تحقيقه من قبل أحد المختصين بالفلسفة.
المبحث الأول: سيرته ومؤلفاته وسجاياه: ولد الدكتور صالح مهدي الهاشم السعدي المعروف بـ(أبي مفيد) في محافظة واسط، قضاء النعمانية، عام 1933. وقد أكمل تعليمه الأولي في مدارسها، ثم انتقل إلى بغداد ليتم تحصيله العلمي العالي في كلية أصول الدين،ليتخرج فيها عام 1969م. وكان من أساتذته الذين تلقى العلم على أيديهم في هذه الكلية، الفيلسوف العلامة الدكتور حسام الآلوسي، والفيلسوف المرحوم الدكتور كامل مصطفى الشيبي (ت2006م). والباحث التراثي الكبير الدكتور حسين علي محفوظ، والمؤرخ الدكتور عبدالله فياض، إذ كان لحضور هؤلاء الأساتذة الكبار  في الفلسفة والتاريخ ومناهج البحث العلمي، أثره البالغ في شخص الدكتور صالح الهاشم، وتوجيهه نحو حب الفلسفة والوله فيها إلى درجة العشق والتوهان بموضوعاتها ومنهجها ومنطقها ونصوصها.
وما بين هذا التاريخ (1969م) وتاريخ حصوله على درجة الماجستير من معهد التاريخ العربي والتراث العلمي للدراسات العليا التابع لجامعة الدول العربية عام (2002م)، عن رسالته الموسومة بواكير الفكر الفلسفي في بغداد ، بإشراف العلامة الدكتور حسين علي محفوظ، كرس  الدكتور صالح مهدي الهاشم حياته لطلب العلم والكتابة في المجلات العلمية والفكرية العراقية زمانه، فضلاً عن حضوره الفاعل في الندوات والمؤتمرات العلمية والفلسفية التي تعقد في العراق أم خارجه، لاسيما تلك الندوات التي كانت تعقد من قبل مركز إحياء التراث العلمي العربي بجامعة بغداد، أو مؤتمرات الفلسفة التي كانت تعقد ببيت الحكمة في بغداد، ناهيك عن مشاركاته المتميزة في المؤتمرات التي كانت تعقدها الجمعية الفلسفية العربية بعمان/ الأردن، والإتحاد الفلسفي العربي الذي مقره بيروت.
كتب الدكتور صالح مهدي الهاشم أول ما كتب بحثه عن مناهج البحث العلمي عند فقهاء الفقه الجعفري، في مجلة رسالة الإسلام، العدد5+6، السنة 5، 1972،. ثم تلا  ذلك بمقدمة لكتاب الأسرار الخفية في العلوم العقلية للعلامة المحقق الحلي، طبعها في بيروت عام 1974، وسوف نشير لكتاب الحلي لاحقاً، عند تناولنا لتحقيقاته للنصوص الفلسفية.
وكانت أولى مشاركات الدكتور صالح الهاشم وحضوره الفلسفي بين أقرانه، هي محاضرته التي ألقاها في الندوة السنوية الأولى للجمعية الباراسيكولوجية العراقية، عام 1999م، بعنوان: الحضارة – الثقافة – المدنية، مثلث معارف الإنسان. ونشر في السنة نفسها بحثه الموسوم: الحلقة المنسية من تاريخ الفلسفة الإسلامية، في مجلة المورد التراثية البغدادية، العدد 1، المجلد 27، السنة 1999.  وكانت أولى مشاركات الدكتور صالح مهدي الهاشم في المؤتمرات هي المؤتمر الفلسفي العربي الأول الذي عقد ببيت الحكمة ببغداد عام 2000، ببحث عنوانه مدرسة بغداد الفلسفية دراسة تحليلية لتأسيساتها الأولى وبنائها المعاصر. وهو البحث الذي سيطور فيما بعد إلى كتاب متخصص عن مدرسة بغداد الفلسفية، وسنشير له لاحقاً. ليتلو هذه المشاركة بمشاركة علمية فلسفية أخرى، في المؤتمر الفلسفي العربي الثاني لبيت الحكمة ببغداد عام 2001، ببحث عنوانه لماذا فلسفة التاريخ، قراءة مستقبلية؟. ليكون هذا البحث فيما بعد كتاباً صدر في بغداد عام 2002م،  تحت عنوان فلسفة التاريخ (دراسة مستقبلية)، وقد طبعه بجهد شخصي. كما وألحق كتابه هذا بملحق عن الخطاب النقدي العربي وإشكالية الديمقراطية. وهو بحث القي في مؤتمر الجمعية الفلسفية العربية ، بعمان/ الأردن، عام 2000.
وكانت باكورة أعماله الإبداعية الفلسفية على شكل كتب متخصصة،، كتابه عن مدرسة بغداد الفلسفية، دراسة تحليلية لتأسيساتها الأولى حتى عصر الكندي، وتعد دراسته هذه رائدة في مجال تناولها لمدرسة بغداد الفلسفية بكل أقسامها ومدارسها وشخصياتها.
وقد شغل الفيلسوف الغزالي مساحة كبيرة من اهتمام الدكتور صالح الهاشم، وبتأثير مباشر من أستاذه وشيخه الفيلسوف حسام محي الدين الآلوسي (ت2013م)، فقدم فيه بحثاً معمقاً عن هذا الفيلسوف بعنوان: شك الفيلسوف الغزالي (كيف عالجه الدارسون العرب في العصر الحديث) قدمه للمشاركة في المؤتمر الفلسفي العربي الثالث، في بيت الحكمة ببغداد عام 2002.
وشارك الدكتور صالح الهاشم كذلك في المؤتمر العلمي السنوي الثالث والعشرون لتاريخ العلوم عند العرب، الذي عقده معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب، عام 2002، ببحث عنوانه: أصول الطب النفسي عند العرب.
وفي هذا العام 2002، نال المرحوم صالح الهاشم درجة الماجستير في التراث العلمي العربي، من معهد التاريخ العربي التابع لجامعة الدول العربية. ليتفرغ بعد هذا التاريخ بشكل كلي لإنجاز أطروحته للدكتوراه ومن معهد التاريخ العربي نفسه لينالها في صيف 2004، وكانت بإشرافنا وبمشاركة  المرحوم الأستاذ الدكتور حسين علي محفوظ، وقد وسمها بعنوان المشهد الفلسفي في القرن السابع الهجري، دراسة في فكر العلامة ابن المطهر الحلي ورجال عصره .
لينطلق بعد نيله الدكتوراه بصحبتي للمشاركة في المؤتمر الفلسفي الذي عقد ببيروت بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لوفاة أنطون سعادة عام 2004، ببحث وسمه بالأمة بين كبوتين، توحد في الأسباب وتباين في النتائج.  ليتلو في السنة نفسها (شتاء 2004م) ببحث عن مفهوم العقل العملي (مقاربة بين ابن المطهر الحلي وعمانؤيل كانت)، وذلك للمشاركة في الذكرى المئوية الثانية لوفاة الفيلسوف الألماني عمانؤيل لكانت، والذي أقامته الجامعة اللبنانية الفرع الخامس، طرابلس، وبالتعاون مع الإتحاد الفلسفي العربي.
كما شارك الدكتور صالح الهاشم في عام 2005 في المؤتمر الفلسفي للجمعية الفلسفية المصرية، ببحث عنوانه إصلاح علم الكلام أولاً، (مشروع حسن حنفي نموذجاً).
وكان الشغل الشاغل للدكتور صالح الهاشم، هو العلامة الحلي (ابن المطهر الشهير بالمحقق الحلي ت 726هـ/1326م)، إذ صرف  الهاشم على هذا الفيلسوف من جهده وماله الكثير، في سبيل إخراج نصوصه الفلسفية، ولاسيما كتابه الأسرار الخفية في العلوم العقلية، إذ احتفى بهذا المفكر كثيراً منذ ستينيات القرن المنصرم وإلى يوم فارق فيه الحياة وهو منكب على تحقيق نصوص كتاب الحلي الأسرار الخفية، فضلاً عن الكتابة والتأليف عنه، وكما أشرنا من قبل، أنه قد تخصص بدراسة هذه الشخصية بأطروحة دكتوراه، ثم حقق وطبع الجزء الثاني من كتاب الحلي الأسرار الخفية والخاص بالعلم الطبيعي، وبالتشارك مع المرحوم الفيلسوف حسام الآلوسي. ليتفرغ بعدها لتحقيق الأجزاء الأخرى من الكتاب الخاصة بالمنطقيات والإلهيات. ولكن المنية أدركته فلم يتم المشروع كما أراد أو أُريد له.
واستمراراً مع نشاطه المعرفي في الكتابة عن العلامة الحلي شارك الدكتور صالح مهدي الهاشم ببحث معمق عن فلسفة هذا الفيلسوف، تحت عنوان: العلامة الحلي في ذكراه المئوية السابعة (دراسة في علم الكلام والمنطق والفلسفة والعرفان) وكان ذلك في المؤتمر القطري الثالث للفلسفة، الذي عقده قسم الفلسفة بالجامعة المستنصرية عام 2005، . وكان يرغب أن يعقد مؤتمر عراقي وعربي وإسلامي عن هذا الفيلسوف، وقد فاتح عدة جهات في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومؤسسات ثقافية أخرى، فضلاً عن بيوتات علمية بغدادية، ولكن مسعاه خاب ولم يثمر إلى يوم وفاته. إذ كان كثيراً ما يحدثني عن العلامة الحلي حتى أني ظننت أن هذا الفيلسوف قد تلبس في نفس وعقل وجسم المرحوم الدكتور صالح الهاشم.
ومن إنجازات الدكتور الهاشم الفلسفية ومشاركاته الفكرية والثقافية غير ما أشرنا إليه، جملة موضوعات كتبت في مجلات وجرائد عراقية وعربية، وحديثه عن شخصيات فلسفية عراقية من أمثال المرحوم الفيلسوف الآلوسي والمرحوم الفيلسوف والمتصوف كامل مصطفى الشيبي، والمرحوم المؤرخ العراقي الدكتور محمد سعيد رضا وغيرهم كثير، فضلاً عن حضوره المميز في البيوتات العلمية البغدادية التي كان يعقد فيها حوارات وندوات فكرية وفلسفية وثقافية . وقد ختم منجزه المعرفي قبيل وفاته  بتحقيقه لكتاب (الكندي يصنع السيوف للعرب)، وهو دراسة معمقة لنص الفيلسوف الكندي عن صناعة السيوف، مع تحقيق للنص.
إن هذا المنجز المعرفي والفلسفي والتراثي للدكتور الهاشم نال اهتمام العديد من الكتاب والموسوعيين العراقيين، إذ كتب عن مؤلفاته وأشار إليها سواء في المجلات العلمية والثقافية العراقية، فضلاً عن الموسوعات، كل من كوركيس عواد في (معجم المطبوعات العراقية)، ومفيد آل ياسين، في (معجم مؤلفات الكاظمية)، وحميد المطبعي في (أعلام العراق في القرن العشرين)، ومؤيد عبد القادر في (مرايا هؤلاء في هؤلاء)، والمرحوم حسين علي محفوظ في (معجم الأعلام)، وصباح نوري المرزوك في (معجم المؤلفين والكتاب العراقيين، ج4)، وعباس علي في موسوعته (أفذاذ في الذاكرة)، وكاتب هذه السطور حسن مجيد العبيدي في بحثه عن مدرسة بغداد الفلسفية، (مجلة الموقف الثقافي، العدد 37، 2002م).
كما وقرضه الفيلسوف حسام محي الدين الآلوسي في مقدمته لكتاب مدرسة بغداد الفلسفية، وفعل مثل ذلك الدكتور حسين علي محفوظ وحسن مجيد العبيدي في الكتاب ذاته.
ونظراً لسعة نشاطاته المعرفية فقد انضم الدكتور صالح مهدي الهاشم إلى عضوية عدة اتحادات وجمعيات فلسفية عراقية وعربية، منها: جمعية العراق الفلسفية، الجمعية الفلسفية العربية، عمان/ الأردن، الاتحاد الفلسفي العربي/ بيروت، الجمعية الفلسفية المصرية، اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، اتحاد المؤرخين العرب.
أما ما يمتاز به الدكتور صالح الهاشم من سجايا خلقية فلا أظن أن القلم الذي أكتب فيه عنه سيوفي حقه عند ذكر سجاياه وخصاله، فهو الكريم النفس والطباع والسجايا، المتواضع المحب للعلم وأهله، الذي يبحث عن الحقيقة ويسافر إليها أياً كان مكانها، ولا يستحي أن يأخذ العلم ممن هو أصغر منه، أو أكبر، حتى أن تواضعه وهو يستقبلك ويحييك يكاد أن يخجلك لشدة ما في هذا الرجل من تواضع العلماء والأدباء المفكرين الذين خبروا الحياة وما فيها ودرسوا العلوم والفلسفات واكتشفوا أن الإنسان خلق من ضعف فلم التكبر والأنفة على الناس، وكان شعاره وهو يستقبلك بالقول: أهلاً سيدي الكريم. وكان بيته مفتوحاً لكل الزائرين من عِلْية القوم العلمي والفلسفي العراقي والعربي. وكان في ذلك كله يحب أن ينادوه أصحابه وخلانه بأبي مفيد، ولا يحب أن ينادونه بالدكتور أو الأستاذ. إنه كبير النفس بكل ما تعني الكلمة، وكنز كبير من المعلومات التراثية الفلسفية والعلمية والفكرية والتاريخية وسعة في المعلومات عن شخصيات الفلسفة الإسلامية، حتى لتظن وأنت تجلس معه، كأنه جاءك من العصر الإسلامي الوسيط، وأنه قد فارق للتو ابن سينا أو ابن رشد أو العلامة الحلي أو غيرهم من الفلاسفة المسلمين. وهو في كل هذا لا يكل ولا يتعب من النقاش والحوار الفلسفي المعمق، مع أي شخص أو في أي ندوة أو مؤتمر فلسفي. لا يسمع مجايليه ونقاده غير كلمة (أحسنت، وبارك الله فيك). لا ينفعل ولا يتبرم من أي نقد أو لوم يوجه لأبحاثه ومقالاته. بل يستقبلها بروح السماحة العلمية العالية. إنه مدرسة في الأخلاق جمعت إلى جانب التفلسف الأخلاق الحميدة التي نادى بها القرآن الكريم، والرسول ألأعظم، إنه زاهد من زهاد الحياة على الرغم من سعة العيش لديه.

المبحث الثاني: الآراء الفلسفية للدكتور صالح مهدي الهاشم: يمكن تلمس الآراء الفلسفية والأحكام العلمية التي توصل إليها الدكتور المتفلسف صالح مهدي الهاشم، في جملة النتاج الفلسفي والفكري الذي  تركه لنا وعرضنا له في المبحث الأول من هذا البحث. وعليه سنقسم هذا المبحث على جملة نقاط نتحدث في كل واحدةٍ منها عن رأي فلسفي أو حكم علمي في مشكلات الفلسفة المطروحة زماننا وكيف تعامل معها الدكتور الهاشم.
أولا: رأيه في الحضارة والمدنية والثقافة: يذهب الدكتور الهاشم في معرض كلامه عن الحضارة والمدنية والثقافة، على أنها مثلث معارف الإنسان، مبتدءاً القول أن المعاجم اللغوية العربية من كتاب الخليل بن أحمد الفراهيدي حتى كتاب لسان العرب لابن منظور وغيرهما لم تفرق بين لفظي الحضارة والمدنية أو التمدن والتمدين، ومثل ذلك هو عند الفلاسفة العرب المسلمين من الكندي صعوداً إلى ابن رشد وابن المطهر الحلي، بل تعني عنهم جميعاً من اللغويين والفلاسفة معنى المستقرين في المدن والحاضرين فيها، بخلاف الهمجي والهمجية .
ويعتقد الدكتور صالح الهاشم، أن قطبي أو طرفي معادلة المعارف البشرية هما الحضارة والمدنية، وتقع بينهما الثقافة. فالمدنية تتعلق بالسلوك والتصرف في المدن، وقد يكون المدني أو المتمدن هو المثقف الواعي لذاته وذات الآخرين، إلا أن المتحضر هو الواعي لقيم التصرف والتفكير وأساليبهما التي تفرض رؤية معينة للحياة، وعليه كما يرى الهاشم، أن الإنسان يبقى متمدناً من دون أن يكون مثقفاً، وقد يكون متمدناً ومثقفاً من دون أن يكون متحضراً. ويضرب لنا أمثلة من الحضارة الأوربية والأميركية بقوله: هم متمدنون ومثقفون لكنهم غير متحضرين، همج برابرة في سلوكهم تجاه الإنسان والحياة للشعوب الأخرى ولاسيما العربية والإسلامية. هذا من جهة، ومن أخرى ليس هناك مساواة للحضارة بالمدنية، أو للحضارة بالثقافة، بل الحضارة تضم في جنباتها المدنية والثقافة، فالحضارة هي رأس المثلث الذي قاعدتاه المدنية والثقافة. فكل حضارة مدنية وكل حضارة ثقافة، وليس العكس. ويعتقد الدكتور صالح الهاشم، أن الحضارة عمل جماعي تصنعه نخبة من الأفراد، ومع هذا لا تُنسب الحضارة إلى أي منهم، وإنما ينسب إلى الفرد هو المدنية، والثقافة، فيقال: فلان مدني أو متمدن، وذاك مثقف ونحوه. في حين الحضارة بناء إنساني لا صفة للإنسان، وهي حلقات متواصلة واختبارات مثمرة وزيادات إرادية وغير إرادية، بحيث كل شعب من شعوب الأرض كتب صفحة من صفحات سجلها الطويل، ولهذا فالحضارات تحدها حدود ولا تفصلها فواصل، تتحاور وتتداخل لا تصرع ولا تنصرع كما يريد الأشرار.
ليخلص الدكتور صالح الهاشم، إلى رأي مفاده: أن الحضارة تراكم تراثي كمي وكيفي، ونظام شمولي للقيم والمعارف والخبرات، يخدمها دين ومعتقد بمفاهيمها وتعبر عن أفكارها لغة.
أما المدنية فهي التعبير المادي عن الإنجاز الحضاري في مكان محدد وزمان معدود كما يرى الدكتور الهاشم، بمعنى أن التقدم التكنولوجي والصناعي والزراعي والاكتشافات والمخترعات من سمات المدنية. إن استعملتها لصالح الإنسان كانت حضارة، وإن استعملتها لصالح أطماع النظام السياسي والاجتماعي الحاكم لتلك المدنية كانت همجية. عليه، التقدم المدني والتقني وجه من وجوه المدنية، وليس بالضرورة الحضارة ما لم تتوفر في المدنية متطلبات الحضارة .
أما الثقافة، فهي العلوم والمعارف والفنون، التي يتطلب الحذق بها، مستنداً في تعريفه هذا إلى المعجم الوسيط ، فضلاً عن تحديد منظمة اليونسكو للثقافة لمعنى هذا الاصطلاح. بقوله: هي جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعاً بعينه، أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات.  ولم يكتف الدكتور صالح الهاشم بهذا التحديد لمعنى الثقافة، بل وربطه بما أشارت إليه المعاجم اللغوية العربية القديمة، بقولها: الثقافة، من ثقف الشيء، أي أقام معوجه وسواه، وثقف الإنسان أدبه وهذبه وعلمه، وأما الثقيف فهو الإنسان الذي صار حاذقاً.
ثانياً: رأيه في فلسفة التاريخ: يعتقد المتفلسف الدكتور صالح الهاشم، بدءاً أن التاريخ علم وفن وذاكرة وتفلسف، وعلى وفق ذلك، ليس بالإمكان أن ندعوه مؤرخاً ذلك الذي لا يكون على مستوى مطلوب من الوعي الشامل بمنطق العلاقة بين الواقعة التاريخية وزمانها ومكانها وطبيعة حدوثها، وبين نتائج فاعليتها وفيما يلحق في تعليلها، وفيما يقال في تفسيرها، وفي عين ماهيتها، على وفق منهج معتمد.. أي معرفة العلاقة الجدلية في الواقعة التاريخية بين ظاهر التاريخ وباطنه، كي تتجنب الأمة كيد أعدائها وتمضي على وفق رسالتها في رسم المستقبل. وفي ذلك يشترط الدكتور صالح الهاشم على المؤرخ أن لا يكون الجامع للوقائع والأحداث، أو المنسق للروايات والأنباء فحسب، بل أن المؤرخ هو الذي يعي علم التاريخ وفنه وذاكرته وفلسفته. وهذا ما أراده الفيلسوف ابن خلدون في مقدمته، بل وكان السبب الرئيسي في وضع المقدمة وتصنيفها، مما يستلزم القيام بعملية مهمة هي من صميم واجبات المؤرخ، وهي جر الفلسفة إلى التاريخ واستعارة بعضاً من أدواتها ومفاهيمها، فما كانت دراسة ظاهر التاريخ وباطنه وظيفتين، ولا هي من اختصاص شخصين.  ليؤكد فيما بعد، أن فلسفة التاريخ كعلم من الدروس التي اهتم بها الغرب وعرف فاعليتها في الدراسات الحديثة، ونحن أحوج اليوم إلى هكذا اهتمام بفلسفة التاريخ، من أجل وعي الحاضر وبداية لازمة للانطلاق إلى المستقبل، حيث الحوار مع الحضارات العالمية السائدة على وفق أسس الحداثة والطرح الحداثوي.
فضلاً عن ذلك، يعتقد الدكتور صالح الهاشم، أن في التاريخ حقولاً لا تغطيها جزئيات الوقائع التاريخية حتى الآن، ولم تكن تغطيها في الماضي، حقول لم يدخلها علم التاريخ، وربما لن يستطيع الدخول إليها، ونعني بها مفاهيم عدة منها: الوعي التاريخي، الثقافة التاريخية، المفهوم التاريخي، الضرورة أو الحتمية التاريخية، الجوهر التاريخي، لعنة التاريخ، وإن كانت هذه المفاهيم وأمثالها كثير ما كانت من اختصاص المؤرخ، وما اندرجت يوماً ما تحت مضامين علم التاريخ، بل هي من صميم الواجبات التي تكفلتها فلسفة التاريخ، بمعنى أن هذه المفاهيم لم تنل الاهتمام في مدارسنا وجامعاتنا في حين أن هذه المفاهيم وعلى الخصوص منذ عام 1990م، وقف عندها منظرو النظام العالمي الجديد وبنوا عليها أطروحتهم. 
وبعد هذه المقدمة عن فلسفة التاريخ، يستعرض الدكتور صالح الهاشم، تحديد معنى الفلسفة وحدودها، بالرجوع إلى تعريفات الفلاسفة العرب المسلمين من أمثال الكندي في رسالته في حدود الأشياء ورسومها،  والخوارزمي الكاتب في كتابه مفاتيح العلوم، وإخوان الصفا في رسائلهم، ليقرر فيما بعد أن الفيلسوف هو ذلك الرجل الباحث في فروع الفلسفة والعالِم بها.
ثم يقرر من باب آخر، وبطريق التساؤل هل أن الفلسفة علم؟ وهل للتاريخ فلسفة؟. مستعرضاً بذلك آراء الفلاسفة التي تقول أن الفلسفة علم شمولي، وان الفيلسوف هو ذلك الرجل الذي يبحث في كل العلوم على وفق منهج فلسفي شمولي منطقي علمي. مؤكداً أن الفلسفة بما هي كذلك، فهي لن تكون بديلاً عن العلم الجزئي بمعناه التجريبي ، بل أن العلاقة بين الفلسفة والعلم علاقة تكامل ووفاق، وليس من الضروري أن تكون الفلسفة بديلاً عن طروحات العلم، ولا يمكن أن يحدث العكس، أي أن العلم يكون بديلاً عن طروحات الفلسفة . 
لينتقل من هذه المقدمة إلى البحث في أن التاريخ هل هو علم أم ماذا؟. ليقول: أن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية ، وإذا كان التاريخ فناً بهذه المعنى، فهو علم بالضرورة. ليرد فيما بعد على من أنكر أن التاريخ علماً، بقوله: أنها طروحات ليس من الصعب ردها، وعلى الخصوص بعد أن أضحت مناهج هذا العلم تهدف فيما تهدف جمع أكبر عدد ممكن من الوقائع التاريخية المعللة، وسبر حقائقها وآنياتها وعللها المحققة، بقدر طاقة المؤرخ وسعة إدراكه للوصول إلى أحكام مقننة، لاتخاذها قواعد معللة للتاريخ تماماً كما هو عالم الفيزياء في مختبره. ولأن التاريخ هو ذاكرة الأمم والشعوب فهو مزيج من العلم والفن. أما من يعتقد أن التاريخ ليس علماً فيقول: نجد أن التاريخ  ليس علماً لأنه يتعامل مع الاستثنائي في حين يتعامل العلم مع العمومي، وأن التاريخ ليس فيه قدرة على التنبؤ، وأن ذاتي بالضرورة، لأن الإنسان يقوم بملاحظته نفسه، وانه نقيض العلم لأنه يتطرق إلى قضايا الدين والأخلاق. فضلاً عن أن أحداث التاريخ ليست ميسورة ولا محققة باعتبارها أحداث الماضي، كما أن استخدام التجربة ووسائل المختبر غير ممكنة في الدراسات التاريخية، وأن كل واقعة تاريخية قائمة بذاتها وهو مما يمنع الوصول إلى التعميم ويعيق اعتماد قوانين علمية .
لكن هذه الاعتراضات كما يقول الدكتور صالح الهاشم قد وجدت من يرد عليها ويفندها، وهنا يستعين هو نفسه بما أورده المؤرخ وفيلسوف التاريخ ادوارد كار في كتابه ما التاريخ؟. بقوله: إن عالم التاريخ مثله مثل عالم الفيزياء، كلاهما يستند إلى الملاحظة، ليصل فيما بعد إلى بناء قوانين كلية تتعلق بالتنبؤ بالظواهر والأحداث التاريخية. فضلاً عن أن المؤرخ حاله حال عالم الآثار، فكلاهما يستند إلى الوثائق لبناء معرفته العلمية. وهكذا دواليك.
وهنا يفرق الدكتور صالح الهاشم بين مصطل علم التاريخ ومصطلح فلسفة التاريخ من حيث الوظيفة المناطة بكل واحدٍ منهما، فيقول: أن علم التاريخ علم محدد موضوعاً وهدفاً بتلك الخصوصية التي عرفت عنه، وهو في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأُول، كما عرفه ابن خلدون، مما يعني أن علم التاريخ معني بأشياء مخصوصة ومتكفل بدراسة وقائع محددة، فهو بمثابة تراكم حضاري لشعوب هذا الكوكب، وسجل ثقافي لفعالياتها، في حين نجد فلسفة التاريخ غير ذلك، فهي رؤية شاملة واسعة، تمتد إلى حقول الإنسان الذي كرس علم التاريخ صحائفه لدراسة فعاليات بطله ومعرفة إنيات مجتمعه، وسبر أغوارهما في صنع التاريخ، وكذلك ماهية الطبيعة التي عاشها في أجواء الحدث وذاكرة التأريخ وسجل دقائقها وجزئياتها وتفاصيلها، ففلسفة التاريخ معنية بباطن التاريخ كما يشير إلى ذلك ابن خلدون. فضلاً عن أن فلسفة التاريخ معنية بدراسة موضوع الإنسان والزمان ومساءلة أحوالهما المفصلة للجزئيات ، وهذا يعني تفسير وتعليل وقائع التاريخ من خلال الوصف المتقن من أجل ربط الماضي بالحاضر لرسم المستقبل .
ولهذا فإن فلسفة التاريخ معنية بالإجابة عن لماذا وقعت هذه الواقعة، ولماذا كان هذا الحدث وبتفاصيله تلك، والإجابة عنها والحسم فيها. كما أنه مطلوب منها (أي فلسفة التاريخ) أن تعطي لحوادث الدول عللاً وأسباباً، لتصبح الحكمة فاعلة عريقة. وهنا يوضح الدكتور صالح الهاشم ما هو مطلوب من فيلسوف التاريخ بقوله: الحكم على ماهيات الواقعة التاريخية وتقويم موضوعها، وليس فقط الاكتفاء بالملاحظة والفرضية والتحقيق، التي هي أركان المنهج العلمي. كما أن الحدث كله بشواهده ومؤشراته وجزئياته إنما يكون أمام فيلسوف التاريخ، كي يقوم بتعليله وتفسيره والتأمل في مصير الحدث التاريخي .
وهنا يضع الدكتور صالح الهاشم بعد كل الذي تقدم، تساؤلاً مفاده، هل فلسفة التاريخ، هي فلسفة أم تاريخ؟,. ليعلق بالقول: هل حقاً أن ظهور مصطلح فلسفة التاريخ يعتبر إفرازا ًواقعياً لما شهده منهج البحث العلمي في عصر النهضة الأوربية على وجه الخصوص، ومن خلال الاستقراء البيكوني والمنهج الرياضي الديكارتي بشكل أخص؟. أم هو تراكم حضاري ومدد ثقافي واجتماع عمراني لشعوب العالم عبر تاريخها. لينتصر في النهاية إلى أن فلسفة التاريخ ليس مصطلحاً أوربياً بقدر ما هو إسهام من قبل الفلاسفة السابقين على الأوربيين وما أضافه الفلاسفة العرب المسلمين إلى أيام أبن خلدون من قراءات فلسفية للتاريخ. ذلك أن أبن خلدون بنى دراسة التاريخ على ركنين أساسين هما الركن الظاهر وهو الذاكرة التاريخية أو الفن العزيز المذهب، والركن الباطن وهو ماهية التاريخ وجوهره أي الحكمة (=الفلسفة).
ولكن هل نستطيع أن نطلق على كل مؤرخ أنه فيلسوف تاريخ، أم ماذا؟. وهنا يجيب الدكتور صالح الهاشم بالقول: ليس كل مؤرخ بقادر أن يكون فيلسوفاً للتأريخ، إلا أن يتفقه بظاهر التاريخ وباطنه ويتعمق في الدراسة التاريخية، يحلل الوقائع والأحداث على وفق منهج عقلي يعتمد مقولات التأريخ. مما يستلزم أن لا نقصر عمل الفيلسوف على البحث الميتافيزيقي فقط، بقدر من أن نجعله يمتد إلى دراسة التاريخ للكشف عن علله وأسبابه وقوانينه المحركة.
إن هذا الفهم لفلسفة التاريخ كما يرى الدكتور صالح الهاشم، دفع في التطبيق العملي  إلى ظهور موضوعات جديدة، هي في صميم الفلسفة، تصدى لها هذه المرة أشخاص لهم مراكزهم السياسية المرموقة إلى جانب تخصصاتهم العلمية في فلسفة التاريخ، والهدف من ذلك كما يبدو والقول للدكتور الهاشم، تفسير التاريخ المعاصر على وفق مفاهيم النظام العالمي الجديد، أنشأها أصحابها في ضوء ما أفرزته نظريات شبنجلر في التفسير الحيوي للتاريخ ونظريات توينبي في التحدي والاستجابة، ومن هؤلاء الذين يدافعون عن النظام العالمي الجديد كل من فوكاياما في أفكاره حول نهاية التاريخ، وهنتغتون في صراع الحضارات وبل كلنتون في الأفاعي السامة بعد موت القطب السوفيتي .
وبعد كل هذا الذي تقدم يقترح الدكتور صاح الهاشم، أن تعمم تدريس مادة فلسفة التاريخ في المدارس والجامعات العراقية والعربية، نظراً لأهميتها في توجيه الأجيال نحو حقائق التاريخ وكيفية قراءته قراءة فلسفية معمقة قائمة التحليل والنقد والتعليل والسببية وغير ذلك.
ثالثاً: رأيه في تسمية الفلسفة الإسلامية ومدارسها: إن موضوع تسمية المنتج الفلسفي الذي ظهر في ظل الخلافة العربية الإسلامية، أيام الدولة العباسية وما قبلها، من علم كلام وفلسفة وزهد وتصوف وأصول فقه وتفسير وحديث وغير ذلك، هل هو فلسفة إسلامية أم عربية أم عربية إسلامية، أمر قد شغل بال الباحثين العرب المعاصرين كثيراً، وكل منهم قد أدى بدلوه في هذا المضمار، فوجدنا عدة فرقاء في ذلك، منهم من يسمي هذا المنتج تحت اسم الفلسفة العربية، ومنهم من يقول الفلسفة الإسلامية، والطرف الثالث يقول بالفلسفة العربية الإسلامية، وكل فريق له حججه التي يدافع فيها عن منهجه ومقولاته التي يؤمن بها بصدد التسمية التي ارتضاها لنفسه.
عليه فإن الدكتور المتفلسف صالح الهاشم، لم يبتعد كثيراً عن هذه الحوارات الجدلية بصدد التسمية للمنتج الفلسفي العربي الإسلامي، معتقداً إن إطلاق لفظ الفلسفة العربية الإسلامية على المنتج الفلسفي المتمثل بنصوص الفلاسفة من أمثال الكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد، فضلاً عن علماء الكلام والأصوليين والمتصوفة، إنما هو أقرب إلى الصواب من قولنا فلسفة عربية لوحدها أو فلسفة إسلامية، لأن أي حديث عن فلسفة إسلامية دون ربطها بالعرب، أو الحديث عن أي فلسفة عربية دون ربطها بالإسلام، عمل لا يصيب كبد الحقيقة أبداً ويبقى بعيداً عن التعبير عنهما معاً .
ويعتبر الدكتور صالح الهاشم أن الفلسفة العربية الإسلامية هي عمل مفكرين ينتمون إلى دين سماوي هو الإسلام، ولكن لا يعني هذا أن هذه الفلسفة ومرجعيتها القرآن الكريم قد انغلقت على أهل الديانات السماوية الأخرى، ومسخت المعتقدات والأفكار غير الإسلامية، ودعت أهلها إلى التخلي عن دياناتهم والابتعاد عن معتقداتهم .  بل العكس أن هذه الفلسفة لا تهضم حق الفكر الآخر، ولا تتنكر لفكر رجال من الديانات الأخرى، بل أن هذا المنتج الفكري والفلسفي لغير المسلمين يعتبر عنصر أصيل من مكونات الفلسفة العربية الإسلامية. وركن متين من أركانها المعروفة، وأساس رصين في وحدتها الحضارية الممتدة عبر الزمن. إذ نجد في القرآن الكريم كتاب المسلمين المقدس عشرات الآيات التي تنضم العلاقات الاجتماعية والفكرية بين المنضوين تحت خيمة الحضارة العربية الإسلامية.
ويحدد الدكتور صالح الهاشم مزايا الخطاب الفلسفي العربي الإسلامي، أنه خطاب غير منغلق حضارياً ولا فكرياً، منطق يؤمن بالحوار الحضاري مع الآخر، ذلك لأن اللغة العربية التي هي الأداة الفكرية التي استعملها العرب من كل الديانات جمعتهم وحدة اللغة والوطن والأصل والعادات والتاريخ والحياة الاقتصادية والثقافية إلى جانب المسلمين من غير العرب في سبيل فكر وفلسفة وأدب من أغزر الآداب في العالم. مما يعني أن الفلسفة العربية الإسلامية هي جزء متمم للعقلانية العربية الإسلامية بعامة.
إن هذه المنهجية التي حددها الدكتور صالح الهاشم لنفسه، قد دفعته لقراءة تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية على وفق طريقة التواصل لا الانقطاع بين تاريخها، ذلك أن تاريخ الفلسفة عنده هو تاريخ أفكار متواصلة متصلة لا انقطاع فيها.
إن هذا الدفاع عن تواصلية الفلسفة العربية الإسلامية في إنتاج نصها الفلسفي عند الدكتور صالح الهاشم، إنما أراد بها أن يرد على المستشرقين ومن شايعهم من المتفلسفة العرب المعاصرين الذين كتبوا تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية، وأظهروه على أنه تاريخ أفكار متناثرة في جزر لا رابط بينها ولا حوار ولا تواصل، ولا جدل في الأفكار ولا تأثر ولا تأثير. وأظن أن الدكتور صالح الهاشم قد أجاد في التعبير عن اثبات أن تاريخ الفلسفة الإسلامية هو تاريخ متواصل لا انقطاع فيه، وأن الفلسفة العربية الإسلامية التي تأسس تاريخها مع الكندي ومدرسة بغداد الفلسفية أيام المنصور العباسي لم تمت أو تنقطع بموت ابن رشد، بل استمرت تنتج نصاً فلسفياً كبيراً إلى يومنا هذا، بدليل ظهور فلاسفة كبار بعد ابن رشد (ت595هـ/1198م) من أمثال ابن عربي (638هـ/1240م)، صاحب وحدة الوجود ونصير الدين الطوسي (ت672هـ/1274م) وابن خلدون (ت808هـ/1406م) فيلسوف التاريخ والعمران البشري صدر الدين الشيرازي (ت 1050ه/1640م) ومحمد مهدي النراقي (ت 1209هـ/1794م) وغيرهم كثير. كما ورد على من يرى أن تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية هو تاريخ انقطاع لا تواصل.
ويعتبر  الدكتور صالح الهاشم، أن كل النتاج العقلي العربي الإسلامي، هو فلسفة وهو ما نجده في نتاج علماء الكلام والأصوليين والمتصوفة فضلاً عن الفلاسفة الخلص من أمثال الفارابي وابن رشد وغيرهم، والمفسرين وعلماء اللغة وغيرهم، حتى وإن لم يكن مؤسساً على المنطق الأرسطي ونظرية الفيض الأفلوطينية ومدينة أفلاطون الفاضلة ونظرية المثل عنده، إنها أطروحة فيها من الجرأة والوثوق ما تحتاج منا نحن الدارسين لتاريخ الفلسفة الإسلامية العناية التامة والدراية بأصول المناهج لتقويم هذا التاريخ الفلسفي لفلاسفتنا.
خاتمة:
بعد هذه الجولة في الآراء الفلسفية للدكتور المرحوم صالح مهدي الهاشم، تبين لنا أنه قد نحت جملة أفكار وأحكام ومفاهيم في جسم الفلسفة العراقية المعاصرة ناهيك عن العربية، من أمثال: الفلسفة العربية الإسلامية ومنهج قراءتها، وقراءة التاريخ من منظور فلسفي، والربط بين مثلث الحضارة والمدنية والثقافة على وفق منظور معاصر.
وما هذه الدراسة إلا محاولة أولى ودعوة للدارسين والباحثين من شبابنا المتفلسف،  للدخول في تفصيلات نتاج الفلاسفة العراقيين المعاصرين، من الذين أنتجوا نصاً فلسفياً محكماً وما زال البحث العلمي بعيداً عن الكشف عن آرائهم الفلسفية التي ضمونها في مؤلفاته وكتبهم، من أمثال المرحوم حسام الآلوسي ، والمرحوم كامل مصطفى الشيبي ، والمرحوم ياسين خليل ، والمرحوم جعفر آل ياسين، والمرحوم عرفان عبد الحميد فتاح، والمرحوم مدني صالح، والدكتور محمد رمضان عبدالله، والدكتور علي حسين الجابري. وغيرهم كثير.
وأرجوا أن لا يفهم من دعوتي هذه على أنها دعوة للانغلاق على المنتج الفلسفي العربي والإسلامي، أو التعالي عليه، بل هي دعوة لإبراز دور فلاسفتنا العراقيين المعاصرين في الوسط الفلسفي العربي والإسلامي والعالمي.