18 ديسمبر، 2024 8:59 م

عشق الديار يجتاحنِي

عشق الديار يجتاحنِي

يسألني وَلَدِي مُحَمَّد أيُّ حُبٍ هذا الذي يَجتاحُك فإنا بِتْنَا نَخشَى عليك الهَوس والجُنُون مِنْ عِشقِك للدِيارِ وأهلها أما آن لهذا الهُيام أن يَهرَم أو أن يَشيخَ مَع تَقادِم العُمُرِ وتَتَابِعِ الأعَوامِ والسِنِين فَتَخبو نِيرانَ جَذوته ؟
إيــــــــــــــــــــــــهٍ يا وَلدي تَعال وأصغي السَمع لِما سأقولُ ثُم تَأَمَّل وتَدَبَر ومِنْ بَعدِها أحكُم :
إلتَقَى يُوسُف الصِدِّيق بَعدَ أن أصبحَ عَزيزُ مِصرَ “عليه السلام” بالسَيدةِ “زُلَيخَا” وقد تَرَكتِ السِنينُ آثارها فإنحَنَى ظَهرُها وإعوج ذاك القَوام الخَيزُران ووجَدَتِ الأخاديِدُ طرِيقها وشَوَهت ذلِك الوجهُ الصَبُوح البَهي ؛ سألها النَبي كَيف أمَسَيتِ يا زُلَيخا : فقالت :
– أما الجَسَدُ فكما تَرى لا كَما تَستَذْكِر … وأمّا القَلب فَهُوَ هَوَ كما عَهِدْتِهُ …
دَعنِي أنقلك يا وَلَدِي من مصر لآخذك ضَواحِي النجَف إلى المِشخَابِ قَريباً مِنْ مَرقَد جَدك أميرُ المؤمنين علي “عليه السلام” وأحكي لك قَسوةِ أعرافنا التي حَرَمت السَيدة ” حِكْمِة الجَبرِية” ممن أحبها وأحبَّت ” مُحَمَّد آل جَبَّار ” وفرقتهما الأيام لِتصَادِفه ذات يومٍ في مَحلِ عَملِه “دُكّان” عرفته لكنه لم يَنتِبه لها فقد غَيَّر الزِمان ملامحها فَبادَرت السَيدة حَكِيمَة بإنتِشال كاغَدْ (وُريقَةٍ صغيرة) كَتَبَت عَليها بيد ترتجف متأثرةً بخفاق قَلبها بُضعُ كلمات قالتْ فيها :
إهْنَا يَمِنْ جِنْه وجِنِتْ “كُنّا نحنُ وَكنت أنت” … جِيْنَه اوكفْنَه إبابك “في بابك”
وِلفْ الجَهَلْ ما يِنّسِى “حَبِيبُ الصِبا لا يُنسى” … إشمالَكْ نِسِيتْ أحبابك “ما الذي أصابك”
طالعت نواظِر مُحَمَّد آل جَبَّار الأبيات التي كُتِبَت بِدمع العيون ودَم القلب وآهاتهِ أدرَك على الفور أنها حَكيمة … فأنَشد رَداً على كلِماتِها بهذه الأبيات الخالِدة لتكون لوحةَ شِعْرِيةٍ حِوارية تُجسد قصة حُبٍ خالدة وقد تتابَع الشعراء في ردُودِهم على هذه الملحمة بِسِلسِلة مِن الأبياتِ الخالدِة إنتقينا النُزر اليسير منها خَشية الإطالة :
حَالَنْ دُوَالِيبْ الدَهَر … ما بيِنَكْ وما بِينِي
مُوشْ “ليس” إبدواليب الدَهَر … مدُولَشَة “مُتشَبثة” إبدولابك
كُلما أرد أفُك “أفتَح” باب العتب … بلجن “عسى” يفيد عتابي
تأخذني رجفة هيبتك … وأتلجلج “أرتَبِك وأتلَعثَم” من عتابك
شيفِيدْنِي بَعد العَتب … رَاحَن ضَيَاع أيامي
ومن أذكُر أيام المضَنْ … تِرْجِفْ تكوم إعظامي
لو ما نحولي من المرض … وترضرض البـــعظامي
جنت أركض إبتالي الظعن “مؤخِرة الرَكبْ” … وأنهض وأشد إحزامي
آ.. من توادعنه وسره “مَشى باكِراً” … حَادِيْ الظَعَن جدامي
مِنْ حِيث رُوحي فَرْفُرَتْ … مِنِّي وسَرَتْ برجَابَك
بالسِير حاديِكم عَجِل … وآنا ثِجِيلَة إجدامي “أقدامي”
حادي الظعن ساك الظعن … لا هَابِني ولا هَابك
هكذا نحنُ يا بُني فمشاعرنا كما الجَمرُ تحتَ الرَماد كُلما لفحتها نسمةُ شوقٍ إتَقد لظاها وإستعر إوارها لتنطَبقَ علينا هذه الأبيات :
وَجَدتُ الحُبَّ نِيراناً تَلَّظى … قُلوبُ العَاشَقِينَ لها وَقُود
ولو أنها إذا إحْتِرَقَتْ تفانَت … لكِنَّها إذا إحتَرَقَتْ تَزِيِدُ
كَعِشْقِ أهلِ النارِ كُلما نَضُجَت جلودٌ … أُعِيدَتْ للشَقاءِ لهُم جُلُودُ
إعلَمْ يا بُنَيَّ إنَّنا نَزدِريِ حُبَ أيامِكم الذِي يَبدأ بإعجابِ ويَتَرَسخُ بِــــ(تاك) إشارةٍ وتَعليق وينْتِهي بِحضرٍ على منظومةِ التواصل الإجتماعي والسوشيال ميديا … هَلُمَّ بنا يا وَلَدِي الحَبِيب ضَع يَدَك بيَدي وتعال معي آخذك إلى عَيَنْ زَالة لتِستِمِع إلى خَفَقَاتُ قَلبَ أبيك إرتفاعاً وهُبوطاً في تَناغُمِها مع تَضارِيس الأمكنة وهي تُعانِقُ عَبق الذِكرَيات … ولكن قَبْل ذلك دَعنِي أحدِثُك كيفَ تَمَّ بِناء عَين زَالة …