19 ديسمبر، 2024 6:24 ص

” الإنسان الذي لم يعد له وطن ، تصبح الكتابة مكانه الوحيد ليعيش ويحيا فيه ” هكذا يرى الفيلسوف الالماني ثيودور أدورنو … أنها مجرد كلمات تأملت فيها وتنفست الصعداء عندها أيقنت أن لا مفر من قلمي الذي أحاول دائماً أن أنأى بنفسي عنه ، لما يجلبه لي من أرهاق وما يسببهُ لي من متاعب نفسية كلها تدور حول محور واحد هو الإبتلاء بعشق الوطن … هذا الداء الذي أبتليت به ، والذي طالما جاهدت روحي المُشبعة بآلآمه على التشبث ولو ببقايا خيط من خرقتهِ الممزقة . أنه نفس الداء الذي يصيب العشاق فهل سمعتم بعاشق خلع عشقه من قلبه لمعشوقه ، فكيف الحال والمعشوق هو الوطن هنا ، تلك البقعة التي أدركت عيناي بساتينها وحقولها ، سهولها وجبالها ، صحراءها وأنهارها وتذوقت رئتاي نسيم هوائها ، ونقشت في ذاكرتي وجوه الصبية وهم يشاطروني اللعب والمرح في ربوعها ، تلك البقعة التي أذاقتني مرارتها ولا زال في قلبي بقية أمل يعتريني في أن أتذوق حلاوتها . خمسون ربيعاً مضت وأنا أبحث عن وطني كحلم جميل رأيته في صباي وأسلمته قلبي دون خوف بل أسلمته كلي على أمل أن أرى حلاوة وجمال ذلك الحلم . فلطالما أحتجت إليك يا وطني كي أستريح بظلك ، لطالما بحثت عنك كي أُلقي عليك مواجعي ، ولطالما أشتقت إليك …. لكني لم أجدك أبداً ، رغم ثبات أقدامي على ترابك ورسوخ كياني بين أحشائك . فيالك من معشوق أبله لا قيمة له إلا عند عاشقك الساذج ، أنت كأعمى الفؤاد الذي لا يملك قلبا ً ذا بصيرة ، فكم ضحكت وسخرت من بكائي ونحيبي وولعي فيك ، وكم أفنى عاشقك المعتوه سنين طوال في عشقك ، لكن روحك تأبى إلا أن تسكن ظلمات المجهول ، اتسائل متى تبكي السماء مطراً كي تزهر روحك وتخرج من ظلماتها ؟؟؟ كي تشعر بمن ذاب عشقاً فيك . لكن لا أمل يرتجى فيك وبقاعك أصبحت ممزقة فهذه البقعة لمصاصي الدماء وهذه للفاسدين وهذه للقتلة المأجورين وهذه للإنتهازيين والمتسلقين وهذه للطائفيين وأخرى للسذج والجهلة وأخرى للرعاع حتى لم تعد فيك بقعة جميلة واحدة ، سوى ذلك المنفذ الجوي الذي ينقلنا منك الى وطن أخر نجد فيه قيمتنا وكرامتنا و راحة نفوسنا ، بل نجد فيه ضالتنا التي أضنينا نفوسنا في البحث عنها فيك ونحقق فيه جزءً من أمانينا التي طالما كانت فيك مجرد سراب . فتباً لعشق بلا أمل … عشق بلا كرامة و بلا عطاء.

أحدث المقالات

أحدث المقالات