23 ديسمبر، 2024 4:31 م

عشرٌ عجاف منذ الخطيئة الكبرى – حربٌ بلا أخطاء

عشرٌ عجاف منذ الخطيئة الكبرى – حربٌ بلا أخطاء

مرّت عشرٌ عجاف منذ بدأت القذائف الأمريكية تتساقط على بغداد المحاصرة وتحركت جحافل الشر بأتجاه حدود العراق الصامد لينتهي الأمر بعد واحدٍ وعشرين يوماً بأحتلال بغداد، وما تبع ذلك من كل عمليات النهب والسلب والقتل والتفجير والتهجير، ومارافق ذلك من خطوات حلِّ الجيش العراقي البطل وتشريد مقاتليه من ضباط وأفراد، وتفكيك لمؤسسات الدولة الحيوية ومصانعها وتشريد كفاءاتها ومجاهديها وقتل من تمكنت منه أيدي العدوان والبغي إما بالسلاح أو بالمرض وقطع الأرزاق. كل ذلك جرى ومايجري كان بتخطيطٍ واعٍ وشرير من دولة الشر الأولى وكيانها الصهيوني المدلل. وتم تنفيذ ذلك بتعاون من دول الجوار “الأسلامية” الشقيقة والصديقة!
  ومنذ سنوات عشر وكثير من الكتّاب والمحللين يتحدثون عن “أخطاء” الأدارة الأمريكية بعد غزو العراق وأحتلاله، ودبجوا المئات من المقالات وأصدروا العشرات من الكتب وهي كلها تدور حول موضوعة “الأخطاء” هذه! فلماذا هذا الجهد المبذول؟ ولماذا محاولة التبرير هذه لواحدة من أكبر جرائم العصر السياسية والأنسانية.
 قليل من الكتاب الغربيين والعرب من يتحدث عن عدم شرعية الغزو والأحتلال وإسقاط النظام الوطني القائم حينها، والذي سيؤدي الى قيام منظومة حكم غير شرعية من الأساس مهما أرتدت لبوس الديمقراطية ومهما طبل لها الغرب “الديمقراطي” والمدافع عن “حقوق الأنسان”! لذا تراهم يدورون حول تعداد “أخطاء” الغزاة وعدم وجود خطة لما بعد الأحتلال… ولكن الذي حصل هو غير ذلك، فأن الأمريكان وبوعي كامل:
• دمروا قوة العراق العسكرية، وهي أكبر قوة عربية في المنطقة والتي كانت الثقل الذي يحفظ توازن القوى في المنطقة بوجه قوتيين غاشمتين تسعيان لأيذاء الأمة العربية والأسلامية، وهما إيران وإسرائيل؛
• حطموا ركائز الدولة العراقية التي كانت في طريقها الى الحداثة وتعمل بمستوى عال من الكفاءة والحرفية، وتحقق طفرات نوعية مهمة آخذين بنظر الأعتبار ظروف البلد القاسية حينها؛
• فككوا كل قواعد الصناعة الوطنية المدنية والعسكرية، وشتتوا كفاءاتها وطاردوا عقولها وأدواتها؛

• أطلقوا التفاعل التسلسلي المطلوب لتحطيم المنظومة التعليمية في العراق  وجعلها مرهونة بعقلية سياسية طائفية متخلفة ستنشأ جيلاً من الجهلة أو “أرباع المتعلمين” في أحسن الأحوال، جيلاً ينظر الى الأمور بعين واحدة هي عين الطائفة والعشيرة والأقليم، ومقصياً الآخر ورأيه ورؤيته؛ عملية تعليمية ترتبط بأحداث الماضي المزور وتدور في فلكها، بعيدة كل البعد عن المعاصرة وعن مستلزمات التطور العلمي المتسارع؛
• أحالوا الخدمات الصحية القائمة حينها الى أثر بعد عين؛
• شجعوا تزوير الشهادات ووضعوا أصحابها في مراكز عليا من مراكز أتخاذ القرار، مما جعل العراق يحتل مراتب متقدمة بين دول العالم المتخلف في الفساد وسوء الدارة والخدمات؛
• شوّهوا صورة القيادة العراقية الوطنية وشيطنوها وروجوا لكمٍ هائل من الأكاذيب حولها؛
• أشاعوا روح الأنتقام بين أبناء الشعب الواحد بحجة المظلومية والمقابر الجماعية وغيرها من الأكاذيب التي برع الأمريكان في اختراعها وترويجها؛
• شجعوا النعرات الإنفصالية والتقسيمية ونجحوا في المساس بوحدة الشعور بالمواطنة الحقة نحو عراق واحد غير قابل للقسمة؛
• زرعوا روح الخوف من الآخرين وذلك بأسرافهم في مكافأة الجواسيس والمخبرين السريين؛
• بددوا ثروات الوطن بوضعهم السراق والفاسدين وفاقدي الضمائر من الخونة والعملاء في مواقع المسؤولية وأطلاق اياديهم للنهب والسرقة والأغتناء بالمال الحرام، وشجعوا استشراء الفساد في كافة مؤسسات الدولة؛ ووفروا الحماية للفاسدين والسراق ومنعوا تطبيق القوانين بحقهم؛
• طوّعوا القانون والدستور وجعلوهما أشبه بالمزحة يتناوب السياسيون الفاسدون على التلويح بهما كلما أقتضت الحاجة، ويتم خرقهما عشرات المرات يومياً أذا كان في ذلك مايؤذي البلد ويضر بمصالحه؛
• نجحوا في تحويل العراق من بلد مؤثر ذا ثقل أقليمي ودولي الى دولة تابعة للحليف الأستراتيجي-إيران-، وفي وضع البلد تحت الوصاية الإيرانية؛
• فتحوا أبواب العراق مشرعة لكل أنواع المخابرات الأجنبية تعبث بأمنه الداخلي وتستبيح آثاره وتراثه وتحطم ركائز أمنه القومي؛
• جعلوا العراق بلداً منكفأً على نفسه لا يقوم من عثرة الا ليقع بحفرة، ولا ينهض من كبوة الا ليعثر بـ (عكرة)؛ وجعلوه مثالاً للفوضى التي تخلق فرص السقوط السريع.

كل هذا كان نجاحاً للأمريكان فعلوه عن وعي وتخطيط ليخرجوا العراق من دائرة الصراع العربي-الصهيوني، وليكون قطراً هامشياً يدور في فلك السياسة الأمريكية حيناً وضمن تأثير الجاذبية الإيرانية حيناً آخر.

فهل فشل الأمريكيون في مجال ما؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أم إن النجاح لم يفارقهم في كل ما سعوا إليه؟

” ويمكرونَ ويمكرُ الله واللهُ خيرُ الماكرين”

إن المتابع للشأن العراقي يستطيع وبسهولة أن يشخص مواطن الفشل الذريع في المخططات الأمريكية، ذلك أن الأميركان خابوا خيبة كبيرة:

 في تقدير القدرة العراقية الذاتية حق قدرها؛
 وفي توقع ردة الفعل العراقية الوطنية ضد غزوهم وتعسفهم؛
 وفي أحتواء العقل العراقي الخلاّق الذي أبتكر وسائل مقاومة أرهقت دوائر مخابراتهم وعناصر أمنهم وقواتهم العسكرية؛
 وفي تقدير الشجاعة العراقية الفائقة التي اذاقت قواتهم الويل والثبور، وقلبت كل حساباتهم العسكرية وجعلتهم يهربون من ساحات النزال بأسرع الوسائل وبأقصر الطرق؛
 وفي معرفة أسرار قوة وتماسك القيادة الميدانية للمقاومة العراقية والتي كانت إمتداداً لقوة وايمان وتماسك القيادة العراقية التي أودعها المحتل معتقلاته؛
 كما فشلت في النيل من شجاعة الرئيس العراقي  صدّام حسين رحمه الله والذي وقف وقفته المشهورة أمام حبل المشنقة ليصنع للأبطال مثالاً وللآجيال القادمة رمزاً ونموذجاً؛
 وفي تقدير عمق رسوخ الروح الوطنية المقاتلة والتفافها حول عراق واحد موحد حر سليم معافى.
نعم فشل الأمريكان في كل هذا، وكان نتيجته الهروب الشائن لقوات الغزو بعدما كانوا يخططون ويبنون القواعد للبقاء عقوداً طويلة، وتركوا خلفهم بلداً محطماً مهمشاً يقف على حافة الهاوية، تدير شؤونه مجموعة غير متجانسة من بشر همهم جني المال الحرام والسعي وراء أشباع رغبة الأنتقام. تركت قوات الغزو الأمريكية العراق وفيه “عملية سياسية” محورها التقاتل على الكراسي، وتقوم على سياسة التلويح والتهديد بملفات الفساد المالي والأداري، عراق لاأمن فيه ولا خدمات، ورمته بوعي كامل وتخطيط مسبق في أحضان ملالي إيران.

 وهاهي العشر العجاف مرّت والعراق بين جزر النجاحات الأمريكية ومد المقاومة العراقية وبكل أنواعها. وهنا يبرز التساؤل المشروع: وماذا بعد؟ وهل أن علينا أن ننتظر سنوات عشر أخرى؟؟؟
ولنا أن نجيب أن الأمور ينظر الى مقدماتها وتقاس بنتائجها، وما سقي بدم المقاومين وجهدهم وعرقهم وثبات أقدامهم لابد أن ينبت ثمراً جنياً طال الوقت أم قصر… وبشّر المؤمنين…