القتل تلك الشهوة المريضة المنتشرة منذ 2003 وليومنا هذا، شهوة استخدمت مئات الآلاف من العراقيين ونشرت اللون الأحمر في شوارع وذاكرة بغداد وأهلها، نالت أنيابها جميع العراقيين أطفالًا ونساءً ورجالًا، بل حتى الشوارع والأرصفة والبنايات، فبات حديثهم وحياتهم وشغلهم الشاغل كله يدور عن ذلك اللون.
صاروا يتمنون أن يمرهم الموت بسبب مرض أو حادث طبيعي، فيعزون بعضهم بطريقة مختلفة لم تطرأ على قوم، فهم يوصون من فقد أحد أعزائه أن يحمد الله لأنه فقده بصورة طبيعية لا بسبب الشهوة الحمراء، ما زاد طينة الشعب بلة أن مرضى تلك الشهوة الغبراء تسيدوا البلد وأخذوا يديرون الدفة كما يشاؤون فسعوا أولئك المرضى لإسقاط العراق بصورة منظمة، فبدؤوا بمن أخذ البلد سنين طوال في بنائهم وأعدادهم من علماء وأساتذة جامعات وأطباء والكفاءات الأخرى حتى وصلوا إلى عامة الناس ممن يمارسون حريتهم في الحياة، فالملابس وتسريح الشعر واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي قُيدت كلها بقوانينهم العفنة وبدأوا يتفننون باختيار اهدافهم فكل من يعارض توجهاتهم أو يختلف مع النمط الذي رسموه لأنفسهم يتلقى رصاص حقدهم.
حوادث تستمر يوميًا في كل أنحاء العراق أمام مرأى ومسمع الجميع على يد القتلة وتمر بلا حساب وأقصى رادع لتلك الجرائم ذلك الإعلان الثابت لكل حادثة في كل زمان ومكان وهو (تشكيل لجنة للتحقيق في الموضوع) والأغرب أنهم أنفسهم يمثلون دور الحامي فهم الخصمُ والحكمُ واستخدموا القانون لإزهاق الأرواح وإبادة الناس.
شِراع عشاق الخراب للاستمرار على وضعهم هو الفتنة فهي قوت بقائهم وعمود قوتهم، فإشغال المجتمع بالنزاعات والتقسيمات هو الوسيلة الأنجع لكسب سكوتهم وإلهائهم عن رداءة الحال، لم تبق وسيلة سيئة إلا واستخدمها هؤلاء، فالمذهبية والقبلية والدفاع عن المقدسات والحقد العربي ضد الشعب العراقي كلها مسوغات سعى القادة إلى غرسها وتوثيقها في المجتمع فوضعوه في عزلة عن كل ما يحيطه واستمروا في تلك الأدلجة حتى بات العراقيون منشغلين بأمور لا تسمن ولا تغني من جوع، بل وأخذوا يدافعون عنها ويستقتلون لأجلها ويرتضون فقدان كل مقومات حياتهم في سبيل استمرارها.
هنا يحق لنا أن نسأل، لماذا يرتضي الشعب هذا التغييب؟ ماذا قدم هؤلاء المرضى المدعين التدين للبلد غير الخراب؟ ما هو المسوغ لإبقائهم على سدة الحكم وقد أدخلوا البلاد في متاهة ظلماء؟ هل كل العراقيين يعيشون التغييب العقلي؟ أبداً فهذه البصرة ضربت مثالًا رائعًا للوعي الجماهيري فثارت على من سرقها وقتلها منذ خمسة عشر عامًا، فضربت ثورة البصرة كل القتلة والسارقين والفاسدين، أهالي البصرة لم يستهدفوا المباني الحكومية بل استهدفوا مباني الفساد وأماكن النهب، وطالت أيديهم مكاتب القتل وأحزاب الإرهاب فاختاروا بعناية وإدراك الرايات التي أسقوطها لأنهم يعرفون من يضرهم فكانوا شعلة لخسارة رهان إرهابيي الأحزاب الإسلامية لأنهم لم يتوقعوا يومًا أن ينتفض ضدهم من تخيلوا أنهم نجحوا في تغييبه فكانت ضربة في مقتل.
يحتاج العراقيون لمثل هكذا ثورات عارمة في كل أجزائه تزيل اللون الأحمر من شوارعهم وأفكارهم وتجرف مرضى الدم، من يثور بهكذا أسلوب واعٍ قادر على تنصيب أشخاص أكقاء وحكومة وطنية تحمل هموهم وتسعى لإنهاء مشاكلهم وتبث الروح الوطنية التي كممها القتلة بفتنهم وسلاحهم ومالهم السحت.
لم يعد أمام المجتمع إلا الضرب بيد من حديد لإزاحة كل أصحاب الولاءات الخارجية فلا خلاص إلا بهذه الوسيلة، أما السكوت والرضوخ والرفض بالكلام لن يحقق شيئًا من التغيير أبدا لأن من يديرون السلطة فقدوا حياءهم ووصلوا مرحلة عظيمة من انعدام الوجدان حتى باتوا يظهرون على شاشات الفضائيات يتهمون بعضهم بعضًا بالفساد ويتفاخرون به، وخصوصًا الأحزاب الإسلامية منهم، هذا هو السبيل الوحيد للخلاص فقد جرب الشعب طرقًا عديدة لم تجدِ نفعًا، فإما اختيار الحياة بهذه الطريقة أو البقاء على ما هو عليه.