23 ديسمبر، 2024 2:56 م

عسكرة المجتمع والسلطة والدولة ” السلطة الرابعة “

عسكرة المجتمع والسلطة والدولة ” السلطة الرابعة “

{عسكرة المجتع} هو تحول المجتمع إلى معسكرات (كانتونات) مسلحة ومدربة مهيئة نفسياً وعقائدياً للقتال في أي لحظة ؛ ويمكن أن يكون المجتمع كله في معسكر واحد كما هو الحال في المجتمع الإسرائيلي فبسبب ضعف إسرائيل السكاني وجودها في محيط عربي معادي ومجتمع فلسطيني رافض لهذا الكيان الذي إستلبهم حقوقهم و وطنهم جعل الدولة والمجتمع الإسرائيلي مهيئين عسكرياً في كل وقت وأصبح الإسرائيليون في كل فئاتهم الإجتماعية (صغاراً وكباراً نساءً ورجالاً في الحقول والمصانع بإختلاف ثقافاتهم ومعتقداتهم السياسية وفي كل مكان) يحتفظون بالسلاح وأحياناً يحملونه على أكتافهم وهم على قناعة تامة بأنهم يدافعون عن عقيدتهم بل عن وجودهم حنى أصبح المجتمع الإسرائيلي جزء من الجيش الإسرائيلي بل أنهم و خلال ساعات يمكنهم التحشد والأنظمام الى الجيش النظامي كل في وحدته العسكرية وصنفه المخصص له وبهذا فهم مجتمعاً عسكرياً .
ولكن أخطر أنواع عسكرة المجتمع عندما يكون داخل المجتمع الواحد معسكرات وجيوش متعددة العقائد والانتماءات يتجاوزون سلطة الدولة وسلطة القانون ويحتكمون إلى عقائدهم وأحزابهم وأفكارهم التي يعتقدون أنها فوق الدولة وأسمى من القانون ويعتقدون بأن السلطة العقائدية أو (الثورية) أكثر شرعية من السلطة القانونية بل قد يصلون إلى أن بقائهم أكثر شرعية من بقاء خصومهم بل إن خصومهم لا يستحقون البقاء أصلاً !
ويسوغون (البغي) على خصومهم ومن يختلفون معهم فكرياً أو عقائدياً ويركنون إلى السلاح وإلى القوة في حسم كل خلاف ويبررون كل شيء من أجل شرعيتهم وعدم شرعية من سواهم وأحقيتهم على باطل من سواهم وغالباً ما تكون هناك عقد تاريخية مختلف عيها تثيرهم وتحشدهم في عداء وهمي مصطنع ؛ وهذا (البغي) الدموي يكون مصحوباً في أغلب الأحيان بتحشيد عاطفي حماسي يولد بالقطع (عقلاً جمعياً) موجهاً وغير واعي يسهل قيادته بأي إتجاه يراد له وهو في المقابل يولد عقلاً جمعياً  مضاداً كناتج من نواتج الدفاع الفطري المعاكس يحمل نفس الصفات ونفس التوجهات السلبية التي يتمتع بها الطرف الأول ولعله يزيد عليه بتبريرات جديدة كونه يحمل صفات الدفاع عن الذات ولا إخيار سوى المواجهة المسلحة وبهذا تتولد الطائفية الإجتماعية المتطرفة .
وعليه لا يمكن تصور مجتمع ديمقراطي ونظام ديمقراطي حقيقي يتعايش مع مجتمع يركن إلى قوى عسكرية بلباس مدني (مليشيات عسكرية) ولا يمكن للديمقراطية أن تعيش في مجتمع متعسكر ومسلح في مليشيات وفصائل وجيوش وفيالق … والديمقراطية تنزع السلاح في كل خلاف سياسي او فكري او عقائدي او ثقافي وتنزع السلاح بصورة عامة من المجتمع المدني وتمنحه بدلا عنه ورقة إنتخابية وصندوقاً إنتخابياً وحرية في الإختيار والتعبير بلا خوف …
وليس عسكرة المجتمع خضوع المجتمع بكافة قرارات الدولة ومؤسساتها، والمجتمع المدني وقراراته لإدارة الأجهزة الأمنية بل ذلك يعني {عسكرة السلطة} . وهذا لا يعني أن يكون  ( القادة العسكريون ) هم الذين يقودون الدولة بشكل مباشر ولكن الدولة التي يؤثر فيها العسكريون على إتخاذ القرار ويعطى لهم نفوذاً فوق القانون وصلاحيات مطلقة وغير مقيدة يمكن أن تؤثر على (التوازن السياسي) وبالتالي على إتخاذ القرارات السياسية . و بدلاً من أن يكون (الجيش والقوة الأمنية) قوى محايدة غير منتمية سياسياً أو متحيزاً عقائدياً يتحول إلى جيش عقائدي مسيس و يكون العسكر أحد أدوات صناعة القرار السياسي أو أسلحته المؤثرة في (الصراع السياسي) ويمارس دوراً خفياً في تشكيل الخارطة السياسية فأننا يمكن في مثل هذه الحالة أن نطلق على مثل هذا النظام  (عسكرة السلطة)!.  وتنمو السلطات العسكرية في ظل الأوضاع الإستثنائية التي تخدم بقاء السلطات الإستثنائية الواسعة ويمد في صلاحياتها ؛ ومن ما يحصن قرارات وصلاحيات السلطات العسكرية  طبيعة (النظرية الأمنية) المعتمدة من قبل الدولة وحينما تعتمد بشكل كلي على العسكر في فرض الأمن الإجتماعي ولا تجعله وظيفة إجتماعية يشارك المجتمع في فرض الأمن والإقتناع به وللعسكر دوره المهم في ذلك إضافة إلى كل مكونات الدولة الأخرى . ومن خلال هذا لواجب الذي كلفت به المؤسسة العسكرية و أعطيت حصانات وصلاحيات غير دستورية تحت مبررت كثيرة منها (خطورة الإرهاب وقوته التي يهدد المجتمع والأوضاع الطارئة والإنقلابات المحتملة والأخطار والتهديدات الخارجية . . . الخ) إضافة إلى ذريعة خصوصية العمل الأمني وسريته المطلقة وعدم إمكانية مراقبته ومحاسبته
كما أن (تغول) السلطات العسكرية وتطور وإتساع مهامها وتضخم صلاحياتها وتعدد سلطاتها والمبالغة في إعطائها دوراً إستثنائياً يجعلها في مرحلة متقدمة تنازع (السلطات الثلاث) صلاحياتها بل وقد تتجاوز على السلطات الثلاث وتتربع عليها وتبداء السلطات الثلاث تحسب حسابها وقد تخشى بطشها ؛ وتدريجياً تتكون للسلطات الأمنية غطاء فوق القانون دون أن يجروء أحداً على محاسبتهم أو وضع حدود قانونية للممارساتهم المتعسفة .
وفي عسكرة السلطة تمتزج المصالح الخاصة (الشخصية) للعسكر مع مصلحة السلطة والنظام الحاكم فالعسكر يصلون إلى اعتقاد أن بقاء السلطة مرتهن ببقائهم وإن السلطة باقية ما داموا هم أقوياء ولا خيار للسلطة عنهم بل إن بقاء أي منهم مرتهن بالآخر وبقدر ما يضعف هذا التفكير سلطة الدولة  يقوي سلطة العسكر ويجعلها تتغول على (قوة) السلطات الحكومية وسلطة القانون فهم يمثلون السلطة التنفيذية كما يمثلون السلطة القضائية وكلما قوت سلطة العسكر وتغولت كلما ضعفت وتقزمت السلطات الآخرى ! 
ويصل الأمر الى أبعد مداياه حين يستولي القادة العسكريون على كل مفاصل الدولة ويحكموها بصورة مباشرة عندها نتحول إلى ( عسكرة الدولة ) .
و ( عسكرة الدولة ) وهي مرحلة متقدمة من  (عسكرة السلطة) تتعارض بالضرورة مع ( عسكرة المجتمع ) كون عسكرة المجتمع تخلق مراكز قوة متعارضة مع سلطات الدولة العسكرية ؛ وحتى لو إستغلت تلك المليشيات والفصائل المسلحة في مرحلة ما من قبل السلطة العسكرية أو كان لها علاقة متينة مع السلطة المدنية تمكنها من فرض وجودها على الأرض وتحتمي بها فإنها في مراحل لاحقة تتعارض مع السلطات العسكرية في الدولة وسيكون هناك تصادم وصراع حيث أن السلطة العسكرية لا تتقبل منافساً أمنياً لها ولا منافساً سياسياً لها.
و (الدولة العسكرية) لا تتقبل أي مشاركة لها في السلطة إلا بما ترتضيه هي . اما (عسكرة الدولة) فقد تعني في مراحلها المتقدمة إيجاد ( سلطة رابعة ) الى جانب السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ودائماً تتمتع هذه السلطة ( بحصانات ) كثيرة  غامضة وأجهزة سرية وعلنية وأطراف سرطانية غير شرعية ( يمكن أن تكون في لحظة ما حال إنكشافها أول الأهداف بالقطع والسلخ من قبل العسكرتارية نفسها ) . وللسلطة الرابعة أيضاً صلاحيات مطاطة واسعة وفي أغلب الاحيان تتعمد تلك السلطة إيجاد مبررات لتوسيع سلطاتها وتغولها على السلطات الاخرى ودون إستثناء .
ومن طبيعة عمل ” السلطة العسكرية ” أنها تتخذ إجراءات إحترازية لا يمكن ضبطها بقانون أو على الأقل من الصعوبة ضبطها وهذا يعطيها ميزة لا يمكن أن تتوفر لأي من السلطات الثلاث الاخرى .
وفي الأخير تستطيع السلطات العسكرية بحكم إتساع صلاحياتها أن تشرعن وجودها وتضمنه في الدستور فوق كل السلطات حتى في بعض المجتمعات الديمقراطية كما كان وضع العسكر في تركيا وحتى وقت قليل ( لغاية عام 2011م) فقد منح العسكر في تركيا لإنفسهم مكانة أعلى من كل السلطات الثلاث الأخرى ولهم  صلاحيات الإعتراض على أي تشريع يمكن أن يصدره البرلمان التركي وهم غير خاضعين للمسآئلة البرلمانية أو القضائية إلا بحدود ضيقة جداً ؛ ورغم إن كل ذلك يتعارض مع روح الديمقراطية ونصوصها وأهدافها إلا إنها وقعت في تركيا الديمقراطية ولم يتخلصون من تغول العسكر إلا قبل مدة قصيرة
 وأخيراً تبقى (العدالة) هي التي تحقق الآمان والسلام الإجتماعي وليس الهراوة أو العصى الغليظة أو العنف أو الإذلال .
 والشعب الذي تتحقق له العدالة والعيش الكريم يعرف كيف يحصن نفسه ويحصن الدولة والسلطة وينظف المجتمع من كل ما يهدد عيشه وكرامته وحريته ولن تستطيع القوة أن تصنع الآمن بل هو هبة فطرية من الله لابد لنا أن نرعاها وما العدالة إلا جوهر للديمقراطية ومفتاح للسلام .
[email protected]