تواردت الاخبار بعد ظهر يوم الاربعاء 31 / 5 / 2017 من مدينة اربيل حول وفاة عزيز محمد السكرتير الاسبق للحزب الشيوعي العراقي، للفترة 1964 ــ 1993، عن عمر يناهز 93 عاما، وكعادة العراقيين بدأ تداول وانتقال الخبر بينهم عبر طرق التواصل المختلفة مع هالة من المديح والاطراء للراحل جعلت منه اقرب ما يكون الى الالهة والقديسين والانبياء، من خلال ذاكرة عراقية معطوبة ومشوهة بقصد او دون قصد، وبالتالي انهال علينا الطبالين والمزمرين والمداحين والمتملقين بعشرات التقارير والمقالات عن التاريخ النضالي والانجازات الوطنية والحزبية الفذة للراحل, واكمالا للصورة ادرج هنا بعض المحطات من حياته، وما خفي كان اعظم، ليطلع الجيل الصاعد من الشيوعيين واليساريين وغيرهم على الحقيقة وفقط الحقيقة، والتي يتجاهلها البعض لغرض في نفس يعقوب ولتحريف الوقائع تماشيا مع المصالح الشخصية وسوء النفس البشرية وازدواجية الشخصية العراقية .
عزيز محمد ابن ابيه
ولد عزيز محمد عام 1924 في احدى قرى كردستان من امه مهاجرة ( او هاربة ) من ذويها من تركيا لتستقر في اقليم كردستان العراق وتعمل هنا وهناك لتجد ما يسد رمقها وانجبت وليدها الوحيد عزيز من شخص يدعى محمد لتهجره بعد فترة ( او يهجرها ) بحجة زواجه من اخرى، في ظروف غير واضحة المعالم، وقد اشار عزيز الى ذلك ولأول مرة، الى انه يعتبر نفسه ابن امه وذلك خلال المقابلة التي اجراها معه الباحث الدكتور سيف عدنان القيسي، ورغم التنقيح والتعديل والتهذيب التي تعرضت له تلك المقابلة على يد اثنان من اعضاء اللجنة المركزية السابقين الذين تبناهم عزيز واصبحوا جنود مطعين له ، طاعة عمياء، بعد نشرها في مواقع النت المختلفة، ليعاد طبعها في كراس، ولتبقى شطحة عزيز في كونه ابن امه على حالها رغم حذاقة المنقحين وليفهم اعلان عزيز هذا وبدون وعي منه، انه ابن ابيه. واستمر عزيز في التنقل من منطقة اخرى وحسب ظروف عمل والدته، وهي تخدم في المساكن .
عزيز والنشاط السياسي
في مرحلة الشباب عمل عزيز محمد في كل او غالبية التنظيمات السياسية التي كانت في الاقليم ليستقر به المطاف في الحزب الشيوعي العراقي عام 1945. على اثر اعتقال الشهيد الخالد فهد ورفيقيه حازم وصارم وعدد كبير من رفاق وكوادر الحزب والضربات الموجعة التي وجهت للحزب من الاجهزة الامنية في العهد الملكي 1947، طلب المسؤول الاول في الحزب في حينها مالك سيف من تنظيمات منطقة الاقليم ارسال رفيق غير معروف مع عائلته للسكن في بيت المطبعة الحزبي لغرض التمويه والتغطية، فوقع الاختيار على عزيز محمد ووالدته، فقدموا الى بغداد واسكنوا في دار الطباعة بدون اي مهام حزبية واضحة فقط للتغطية على البيت كونه مسكون من عائلة كردية، حتى حركتهم كانت محدودة او ممنوعة لغرض الصيانة، اختير لعزيز اسما حزبيا هو عبد الله، وكان البعض يطلق عليه اسم ابن الكردية كون امه لا تجيد اللغة العربية ، عمل عزيز في تلك الفترة على مساعدة الطباع في بعض الامور البسيطة وانتقلت العائلة الى بيت حزبي اخر لأغراض حزبية .
عزيز في قبضة الادلة الجنائية
على اثر تعاون عبد الوهاب عبد الرزاق احد العناصر القيادية في الحزب من الاجهزة الامنية كبست عدد من البيوت الحزبية ومنها بيت المطبعة الذي يسكنه عزيز ووالدته، حكم على عزيز بالسجن لمدة 15 سنة واودع في نكرة السلمان وسجن بغداد العام. بعد تسلم بهاء الدين نوري ( باسم ) قيادة الحزب عمل على اصدار برنامج جديد للحزب، لم يرق البرنامج الجديد لبعض العناصر الشيوعية ولا سيما المخضرمة منها واليهود بالذات والذين لم يتمكنوا ان يكونوا في الواجهة لعدة اسباب، دفعت تلك العناصر بعزيز محمد الى كتابة رسالة الى قيادة الحزب تنتقد تصرفات ومواقف بهاء، عرفت فيما بعد باسم رسالة ( م ) الحرف الاول من الاسم الحزبي لعزيز محمد ( مخلص )، وقع الاختيار على عزيز محمد لأرسال تلك الرسالة باسمه كونه شيوعي غير معروف ومغمور وبالتالي يمكن لتلك العناصر الخبيرة من التملص من النتائج ان كانت في غير صالحها، عند تسلم الرسالة من قبل بهاء اتخذ قرار بطرد كاتب الرسالة ومؤيديه ونعتهم بمختلف النعوت، تلك الرسالة ورد فعل بهاء منها كانت اللبنات الأولى لانشقاق راية الشغيلة عام 1953، حيث التحق الكثير من الشيوعيين وبعض المنظمات الحزبية ولا سيما منظمة مدينة النجف بالانشقاق وخصوصا بعد هروب الشهيد جمال الحيدري واختفاءه بالنجف ليقود تنظيم راية الشغيلة، وقد حاول عزيز محمد لاحقا من التملص من الرسالة وما حصل بعدها، حيث يتهرب من الحديث عن الموضوع لأنه لم يكن يتصور ان الامور ستتطور بهذا المنحى، وانتبه الى توريط الرفاق له في موضوع الرسالة ولكن بعد حين .
عزيز في اللجنة المركزية والمكتب السياسي
بعد ثورة 14 تموز 1958 اطلق سراح عزيز محمد من السجن حاله حال الشيوعيين الاخرين بعد ان قضى 10 سنوات في السجن ولعلك تلك هي المأثرة النضالية الوحيدة لعزيز محمد في حياته الحزبية وكما سنرى، في اول اجتماع للجنة المركزية للحزب الحق عزيز محمد عضوا باللجنة المركزية وضمن اتفاق وحدة الحزب في عام 1956 وحل تنظيم راية الشغيلة، حيث هنالك بند سري في الاتفاق ينص على توزيع المراكز القيادة بنسب معينة بين الاطراف المتوحدة، واصلا كانت هنالك رغبة لدى القيادة ولا سيما الشهيد سلام عادل لتوسيع اللجنة المركزية مع توسع المد الجماهيري للحزب وتضخم المنظمات الحزبية، بعدها الحق عزيز محمد بالمكتب السياسي، كل هذا وعمره الحزبي لا يتعدى 13 سنة سنتين في كردستان وسنة في بغداد في الوكر الحزبي بدون اي مهام فعلية و10 سنوات في السجن، وبالتالي فهو بلا خبرة او ممارسة فعلية وعملية في قيادة التنظيمات او الجماهير لذلك كان الفشل الفظيع في اول اختبار على ارض الواقع ( احداث كركوك في تموز 1959 ) والتي الحقت اضرارا كبيرا بالحزب وساهمت في ان ينقلب الزعيم عبد الكريم قاسم راسا على عقب في موقفه وعلاقته مع الحزب ويميل الى تقريب ومولاة العناصر القومية والرجعية، والذي فتح الباب على مصراعيه نحو 8 شباط الاسود .
عزيز مسؤول عن احداث كركوك تموز 1959
في احداث كركوك تموز 1959 المعروفة والمشهورة، كان عزيز محمد مسؤول كردستان ومقره في كركوك والشهيد نافع يونس مسؤول تنظيمات مدينة كركوك، وبسبب قلة او انعدام خبرة عزيز محمد وكما ذكرنا في اعلاه، حيث لم يعمل في قيادة اي تنظيمات فعلية وموسعة ولم يساهم في قيادة اي مظاهرة او مسيرة في العهد الملكي، لذلك فشل في تهدئة سعير الاحتقان الطائفي ( الكردي ـ التركماني ) والذي كان واضحا للعيان وفي تصاعد مستمر ولا سيما قبل تموز 1959، وقد حذر مكرم الطالباني من هذا التسعير ونتائجه في رسائل الى قيادة الحزب ولكن دون جدوى ( كما يرد في مذكرات مكرم المخطوطة ) وبالتالي فشل عزيز في قيادة المسيرة الشعبية في كركوك بمناسبة الذكرى الأولى لاندلاع ثورة 14 تموز او تساهل مع العناصر الشيوعية الكردية ذات الميول الطائفية ولا سيما ضد التركمان وبالتالي تفجرت الاوضاع وحصل ما حصل في كركوك وتحمل الحزب نتائجه الكارثية والتي تركت اثارها ليومنا هذا، وتهرب عزيز محمد من الموقف بحجة ان الامور خرجت من ايدينا، ولم يحاسب على ذلك بسبب تسارع الاحداث والتداخل بين احداث كركوك والموصل وتأزم الموقف مع الزعيم عبد الكريم قاسم .
عزيز مع كتلة الاربعة
في فترة نشاط كتلة الاربعة المناهضة للشهيد سلام عادل برزت انتهازية ووسطية عزيز محمد بشكل صارخ حيث كان يضع رجل هنا والاخرى هناك، ومع اوج نشاط الكتلة كان عزيز محمد مساندا لها ولا سيما في موضوع حل التنظيم الحزبي العسكري وجعلوا منه عرابا لهكذا مقترح، ولكن مع احكام الطوق على الكتلة من قبل الشهيد سلام عادل ومناصريه حاول عزيز المناورة والافلات منها، ولرغبة الشهيد سلام عادل في عدم توسيع العقوبات الحزبية تم الاكتفاء بالنقد الذاتي الذي قدمه عزيز محمد عن دوره في كتلة الاربعة، ولعل اعترافه بسذاجته امام سلام عادل هدأ من روع الاخير .
عزيز وانقلاب 8 شباط الاسود
خلال احداث انقلاب 8 شباط الاسود 1963 تمكن عزيز محمد من الافلات من قبضة الانقلابيين نحو كردستان والارتماء في احضان الملا مصطفى البرزاني رغم مساندة البرزاني للانقلاب ان لم يكن له دور مباشر فيه، حاله حال عشرات القادة والكوادر الكرد، في حين تم تصفية وتسقيط خيرة القادة والكوادر في بغداد والوسط والجنوب، وعلى رأسهم الابطال سلام عادل وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وغيرهم من الشهداء الابرار، تلك الحالة رجحت موقف القادة والكوادر الكرد في الفترات اللاحقة من مسيرة الحزب ودفعت نحو تكريد القيادة وتصاعد المد الشوفيني، كما سنلاحظ لاحقا. في الخارج نشط عدد من القادة وعلى رأسهم الفقيد عبد السلام الناصري ( أنور مصطفى ) العضو المرشح للمكتب السياسي قبل الانقلاب المشؤوم، نشطوا في فضح الانقلابيين واساليبهم الاجرامية القذرة مع الشيوعيين، وكذلك في العمل على لملمة بقايا الرفاق في الخارج ومحاولة الاتصال بمن تبقى من رفاق او تنظيمات الداخل الشبحية. في تلك الظروف ارتفع نجم الناصري واصبح المتحدث شبه الرسمي باسم الحزب، وتمثيل الحزب امام الاحزاب الشيوعية في الدول الاشتراكية، وبدأ الحديث يدور عن كون الناصري السكرتير القادم للحزب. بعد الصراع بين الانقلابيين فيما بينهم، البعث والقوميين والعسكر، استقرت الامور لعبد السلام عارف في 18 تشرين الثاني 1963، حيث تكمن من استغلال الخلافات ولاسيما بين القيادات البعثية المتناحرة، ادت تلك الظروف الى بعض الانفراج بالنسبة للشيوعين وخفوت الحملة المسعورة ضدهم وان كان بشكل نسبي، مما ساعد على خروج بعض القادة في الداخل الى الخارج والالتحاق برفاقهم وفي موسكو وبراغ وبدأ التحضير لاجتماع لبقايا قيادة الحزب، أعضاء اللجنة المركزية وبعض الكوادر المتقدمة في الخارج لتحديد سياسة الحزب القادمة ضمن الظروف الداخلية للعراق والمنطقة وكذلك اختيار سكرتير جديد للحزب واضافة وجوه جديدة للجنة المركزية عوضا عن الذين استشهدوا او غيبوا او سقطوا. وصل عزيز محمد الى موسكو، في اول سفرة له الى خارج العراق، مبهورا بما شاهد من تطور وتقدم ورقي وهو الذين قضى اكثر ايام حياته في كردستان الوعرة وجبالها الجرداء وقساوة الحياة فيها، وكان عزيز يعاني من مرض وبائي مصابا به في العراق، حيث تم علاجه في ارقى المستشفيات والمراكز الصحية .
بغداد – يتبع