لا أعرف بالضبط ما الفرق بين الّصّ وبين السارق وبين الحرامي من حيث نوع ما يقترف , فالّص بعموم تفسيره “من تقاربت كتفاه أو منكباه وأيضاً من تقاربت أضراسه” , وسرق من “السارق” أي “بالغ النعومة” لذا كانت تطلق تسمية سرق على قطعة حرير , فإذا ما رافق “سرط” وهو “من يحب يأخذ ولا يُعطي” ومن سرطَ “سَرْطَمٌ” أي بلع كلّ شيء , بحسب “لسان العرب” , وهنا ممكن نحصل على صورة ابتلاع شيء مجسّد رغم آلام البلع وهي تؤذي العينين لذلك يقال “يبان السارق من عينيه” , أمّا “حراميّة” تعني بظاهرها اللغوي من أتى الحرام .. خرجت علينا فضائيّة البغداديّة بنغمة جديدة مرفقة بتظاهرة جزئيّة يهتف أحدهم ويردّد من ورائه من هم معه: “هيييييه هيييييه البعض منهم حراميّة” ! .. البعض ! .. وكأنّ البغداديّة غشيمة لا تعرف عن أوضاع العراق في السرقات الشاملة والتفنّن بها ولذلك لم يسرق البلد أو “يُسرْطِمَه” بحسب مفهوم فضائيّة البغداديّة الجديد بتشخيصها عمليّات النهب بأنواعه سوى “بعض” ضاعت بينهم ألف تريليون دينار طيلة 12 سنة من وصولهم للسلطة أقصد وصوله “للسرطمه”! .. هي الرشوة وحدها عزيزتي البغداديّة فنّ من فنون السرقة أو أصلها تطوّرت عندنا كثيراً بفضل “راس السمجة” عميقة الجذور لذلك فهي أخطر عمليّات النهب واللصوصيّة والسرقة , فإن لم تكن كذلك فهي “درسها الأوّل” , والرشوة “رشّ” أموال بمقدار “صمّ يدّ” أي بطريقة “الواهليّة” وهي طريقة رشّ مستترة , في العراق منتشرة بشكل لا يُوصف بدءاً من “حدقجي” أو “جايجي” أو فرّاش “الدائرة” ولغاية مديرها وفي كلّ جزء من أجزاء مؤسّسات الدولة بكافّة تخصّصاتها .. فالسرقة والنهب فنون أيضاً وتفوّق , فصحيح الغرب اشتهر بالسرقات لكنّها “سرقات فنّيّة” تخطّط لها عقول “متحدّية” لا عشوائيّة يديرها جايجيّة أو كشوانيّة أو بيّاعي نذور , ساعدت لأن تصل بصناعات الأقفال الرقميّة الالكترونيّة لفتح الخزائن الكبيرة أو الصغيرة أدخلت السرقة من ضمن مفاهيم المنظومات الجدليّة الفكريّة: “أيّهما ابتكر أوّلاً القفل أم المفتاح”!
فمع كلّ سرقة هي بمثابة مجموعة فنون أدائيّة يُخطّط لها بإحكام يسبقه عمليّات استطلاع واستكشاف دقيقة للغاية تحسب حساب حتّى عدد النمل في محيط الهدف المقصود سرقته برفقة خبير خِزَن تستعين به أكبر شركات صنع الأقفال والمفاتيح في العالم وليس فقط خبراء خطط غزو البنوك .. الغرب يتفاخر بتلك العمليّة “المتبادلة” لأنّها جرائم منظّمة برأيه تحوي الكثير من الابتكار تساعد في النهاية تطوير البلد تقنيّاً وفنّيّاً بشكل أو بآخر , لذا فالعقليّة الغربيّة استثمرت العقل المنحرف باللصوصيّة مثلما استثمرت آليّة وكيميائيّة الأفعال البايولوجيّة للحيوانات وللحشرات , يشيد بها عبر أفلامه رغم أن النهاية دائماً ما تكون لصالح “الدولة” وما تأسيس شركة “بلاك ووتر” دليل بسيط على استثمار الدولة الرأسماليّة لسرّاق ومجرمون , وجيل السبعينات لا زال منهم متأثّراً بالفلم السبعيني المبهر “سرقة قطار لندن” , أمّا في العراق الجديد عراق التحرير عراق القادة الجايجيّون و”الهيونطيّون” و”الخُضَريّون” الّذين تعاملوا في حفظ الأمن ب”شرط السجّين” والمتسكّعون المرعوبون الّذين “يتمتمون” يضنّون أنفسهم يتعبّدون , فإن سرقاتهم عندنا سرقات غير مباشرة “وغير مشرّفة” وتنمّ عن ضحالة ضمير وعقل من يقوم بها تتمّ عبر مشاريع وهميّة لا تساهم في تطوّر تكنولوجي أو تقني أو إضافة “فكريّة” لمخطّط عبقري ضامه الزمن يرافقه كسّار “كيلونات” بالدريلّ , ولخلل بنيوي عقلي بيئي صحراوي لا زال يسكن داخل كلّ سارق من هؤلاء سكنة المدن وعقولهم “غزاة” , لذلك هم لا يتركون خلفهم آثار للجريمة بسبب غزوتهم أقصد سرقتهم مثلما لم يكن يتركها عند سطوه على القوافل يوم كان يسكن الصحراء حين تطمر الرمال حوافر الخيل , وإن تركها اليوم تُحرق فتحرق معها التكنولوجيا والقافل والمقفول معاً , وسرقة البنوك بشكل مباشر كالّذي تمّ في “الزويّة” أو غيرها فعمليّة “غزو” لا علاقة لها بمهارة لأحد من هؤلاء الرعاع الهمج في فتح أقفال الخزائن بل عبر طرق داعشيّة بحتة وأخرى يُطلق عليها “فضائيّة” .. ااسف عزيزتي “البغداديّة” شملتكم بضمن اللصوص بعنوان مقالي هذا , أعتقد أنّني أصبت الوصف شرط إن اعتبرنا حصرك نهب الألف تريليون دينار ب”بعض” , لأنّ هذا يعتبر من ضمن جرائم التستّر على الجناة , وبنفس الوقت هذا التوصيف هو “تبعيض” مثبّط للعزم في كشف بقيّة سرّاق بالآلاف …