17 نوفمبر، 2024 4:18 م
Search
Close this search box.

عزل ترامب .. الارتدادات العكسية للنزعات العدوانية

عزل ترامب .. الارتدادات العكسية للنزعات العدوانية

قد تكون واقعية ومعقولة جدا، الرؤية التي تقول ان اجراءات عزل الرئيس الاميركي دونالد ترامب من منصبه لاتخرج عن مجمل حقائق ومعطيات السياسات والمواقف التي تبناها وعمل عليها منذ دخوله البيت الابيض قبل حوالي ثلاثة اعوام، ولاتخرج عن سياق سلوكياته الاخلاقية والسياسية المنحرفة والشاذة.

وهذا لايتنافى مع حقيقة ان الجهود الحثيثة والمحمومة للمعسكر الديمقراطي الاميركي ضد ترامب، هي في الواقع جزء من الصراع والتنافس الداخلي، الذي غالبا ما يتصاعد ويحتدم مع اقتراب كل معركة انتخابية رئاسية او برلمانية، وكذلك لايتقاطع مع حقيقة ان اجراءات الديمقراطيين وجهودهم ليس بالضرورة ان تفضي الى عزل ترامب فعلا، لان هناك معطيات وارقام وحقائق تؤكد ان المعادلات ليست كلها في غير صالح الرئيس الفوضوي المثير للجدل.

واذا ابتعدنا عن الفضائح والنزعات والسلوكيات الشخصية والقرارات والمواقف الارتجالية المتسرعة لترامب على الصعيد الداخلي، لاسيما فيما يتعلق بفريق ادارته، واقتربنا من الانعكاسات والاثار السلبية لمجمل سياساته مواقفه وتوجهاته من ملفات وقضايا اقليمية ودولية حساسة وخطيرة، من قبيل الملف النووي الايراني، والعلاقات الاقتصادية مع الصين، ومجمل الخلافات والاختلافات مع روسيا، والتذبذب في الرؤية حيال التعاطي مع كوريا الشمالية، والدعم اللامحدود للكيان الصهيوني وغيرها، والتدخلات المرفوضة والمستهجنة في العراق، يبرز واضحا وجليا، جانبا من خلفيات الموقف المتشدد ضده من قبل خصومه الديمقراطيين.

ورغم انه لايختلف اثنان على ان النسق والاطار العام لسياسات واشنطن يشتمل على ثوابت لا تتبدل ولا تتغير، سواء كان زمام الامور بيد الجمهوريين او الديمقراطيين، الا ان هامش الاختلاف في تحديد الاولويات وفي منهجية اختيار الوسائل والادوات، ربما يساهم في عقلنة او شيطنة تلك السياسات، وفي دور واشنطن بتهدئة واحتواء بعض الازمات او تصعيدها وتوسيع مدياتها.

ولعل ما حصل في عهد ترامب، هو اللجوء الى الادوات والوسائل العنفية، والاندفاع المحموم نحو فتح كل الجبهات القريبة والبعيدة، حتى بدا ان الولايات المتحدة الاميركية تسعى الى اشعال نيران حرب عالمية تحرق من خلالها الاخضر واليابس معا، وهذا بالضبط ما نبه اليه وحذر منه ساسة ومفكرين اميركان قبل غيرهم، ولعل ذلك التوجه هو الذي دفع بعدد غير قليل من كبار المسؤولين في ادارة ترامب الى ترك مناصبهم تعبيرا عن رفضهم واستيائهم من التصرفات والقرارات والمواقف المتهورة للرئيس.

والى جانب ملفات وقضايا خلافية عديدة، مثّل الملف العراقي في بعض تفاصيله وجزئياته، نقطة خلافية معقدة وشائكة وعويصة بين ترامب والمتشددين من اعضاء فريق ادارته من جانب، والاخرين من ديمقراطيين وجمهوريين، من جانب اخر، وهو ما انعكس بشكل كبير وواضح على الداخل العراقي، لاسيما في ظل اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية المطالبة بالاصلاحات، والتي عملت واشنطن واطراف اقليمية ودولية اخرى على تأجيج العنف والفوضى من خلالها لاقحام العراق في دوامة جديدة من العنف والفوضى والاضطراب بعد ان فشلت في ذلك عبر ورقة تنظيم داعش، وغيرها من الاوراق.

ولعدة اسباب، من بينها الصراعات الداخلية الاميركية، وطبيعة مسارات الحراك الجماهيري السلمي، والدور المحوري للمرجعية الدينية في توجيهه بالاتجاه الصحيح، وانكشاف بعض الحقائق والوقائع الخطيرة، دفع صناع القرار والمخططين في واشنطن الى اعادة النظر في جملة من الامور في اليات التعاطي مع الشأن الداخلي العراقي، او بعبارة اخرى البحث عن وسائل وادوات اخرى في اطار الحرب الناعمة، كأن تكون شن حملات ممنهجة ومنظمة لتشويه صورة المرجعية الدينية، وتصعيد الخلافات والتقاطعات بين القوى السياسية الرئيسية، وتبديد اي فرص للتفاهم فيما بينها، والعمل على تسقيط وتشويه اي اسم يطرح لرئاسة الحكومة.

وهنا فأن واشنطن سعت الى توظيف واستغلال الامم المتحدة من خلال بعثتها في العراق، لتمرير وفرض اجنداتها واراداتها، وقد يكون الحراك الذي قامت به المبعوثة الاممية جينين بلاسخارت، وطبيعة دور البعثة في اختيار الاعضاء الجدد لمفوضية الانتخابات، وصياغة قانون الانتخابات الجديد، والتعديلات الدستورية التي يراد اجرائها، ناهيك عن ملف الانتخابات المبكرة، وما يمكن ان يفرضه او يوفره من تأثير للبعثة الاممية للمنظمة الدولية، وكل ذلك ليس بعيدا عن واشنطن وسفارتها في بغداد.

الى جانب ذلك، هناك مخاوف جدية لدى جهات رسمية وغير رسمية عراقية، من قيام الولايات المتحدة الاميركية بأعادة تحريك دورة العنف والارهاب في الشارع العراقي، ليتاح لها المزيد من الحضور والهيمنة والنفوذ، وخصوصا في ظل حالة الارتباك والاضطراب الكبيرة.

ولعل الرسالة التي وجهها مؤخرا اربعة من الاعضاء الجمهوريين في الكونجرس الاميركي لوزير الخارجية مايك بومبيو، تكشف جانبا من النوايا والتوجهات الاميركية حيال العراق.

فهؤلاء الاربعة يقولون في رسالتهم لبومبيو، “نعتقد أنه بإمكاننا العمل بشكل أفضل مع قادة عراقيين يمثلون المصالح الفضلى للشعب العراقي والذين لن يسفكوا دماء المتظاهرين العراقيين ، ولن يكونوا فاسدين ، وسيكونون صوتًا لعراق مستقل وذو سيادة وخالي من النفوذ الأجنبي”.

ويقولون ايضا، “نثني على الإدارة لفرضها مؤخراً عقوبات على الأفراد الفاسدين وأولئك الذين يدعمون قمع المتظاهرين والعنف ضدهم. سيكون لهذه الإجراءات تأثير واضح والشعب العراقي يشعر بالارتياح إزاء التحركات الرامية إلى مساءلة منتهكي حقوق الإنسان عن جرائمهم. نأمل أن تنفذ هذه العقوبات بشكل كامل وأن نتأكد أن تتخذ الدول الشريكة الأخرى تدابير مماثلة”.

وذلك التحريض، والحث على التدخل السافر، والتعاطف مع المتظاهرين دون الاشارة الى الجماعات المخربة والمنفلتة التي احدثت اضرارا بالغة بالممتلكات العامة والخاصة، ومن يقف ورائها ويدعمها ويساندها فيما تفعله من جرائم، كل ذلك ينطوي على المنهج العدواني الاستعلائي الاميركي في التعامل مع الاخرين، والذي حاول ترامب تعميقه وترسيخه الى حد كبير، لينتهي به الى خيارات حرجة ومقلقة حتى وان لم تسفر عن عزله وتنحيته واقصائه، لانها سوف تقطع عليه الطريق نحو الفوز بولاية رئاسية ثانية.

أحدث المقالات