أن تطرب لسماع أي لحن أو ايقاع موسيقي أمر لا يحتاج إلا الى ذائقة، ولكن أن تشارك بعزف أيّا كان نوعه، فإنك تحتاج الى الذائقة والثقافة الموسيقية علما وتجربة حتى تستطيع أن تًطرب الاخرين أو أقلها تستميلهم لسماعك، وما يحدث اليوم من تشابك بين كثير من أطراف العملية السياسية بالعراق وانقسام كتلها حتى في البيت الواحد أضعف ثقة المواطن بهذه الكتل وبنفس الوقت عزز المشهد الديمقراطي بتعدد الخيارات بأسلوب التنافس وتعدد البرامج التي تشابهت بمحاورها الرئيسة ولكنها اختلفت بآلياتها أمام الناخب العراقي، وبما أنه قد حظي بتجربة 14 عام لم ير من تلك الاحزاب وبرامجها الشيء الكثير، فهذا مدعاة بأن يبحث عن التسلح بالثقافة والعلم ليحسن اختيار ممثليه، فسمة العزوف والتهكم بحال العمل السياسي بالعراق مازال يوجه كثير من وعي وثقافة المواطن العراقي بهذه المرحلة نتيجة أخطاء الدورات النيابية وحكوماتها السابقة وتراكم النظام السياسي قبل عام 2003، ووسط هذا وذاك نسمع الحانا وايقاعات مختلفة من الكتل والاحزاب وتحالفاتها المشاركة بهذه الانتخابات علها تدفع الناس للطرب على معزوفة برامجها الانتخابية، فلدينا بهذه الدورة الانتخابية 329 مقعد، تسعة منها كوتا الاقليات والباقي 320 مقعد أرى بانها ستتوزع على سبع كتل رئيسة وأحزاب وتحالفات صغيرة العدد والحضور بالشارع العراقي قد تسجل فيها بعض النجاحات للأحزاب المدنية والليبرالية والديمقراطية والمتفرقة التي تسعى للحصول على مؤطى قدم مرة اخرى في مجلس النواب مع قساوة قانون الانتخاب ونظام سانت ليغو (1.7) عليهم، فبين الرهان على ما قدمه تحالف النصر والدكتور العبادي بالتمسك بمشروع العراق والحفاظ عليه بعيدا عن المحاور وجذب الاخرين لتقديم الدعم والبقاء بطرف الحياد، واعلان الحرب على الفساد وارجاع النازحين سيحظى بكثير من دعم الشارع وإن اشكل عليه المتحزبون المنافسون، وعلى نفس سلم المعزوفة وان اختلفت بعض ايقاعاتها ستكون حظوظ تحالف الفتح بمسار تعزيز النصر بحربه على الارهاب والفساد وكذا رغبتهم بالبقاء بالمعارضة ان لم يحظو بما يؤهلهم للدخول الى السلطة التنفيذية واللذان يمكن لهما ان يحصدا بين 50-70 مقعد كحد أقصى، ومنافسهم صاحب الكتلة الاضمن لقاعدته الشعبية وهم التيار الصدري وتحالف سائرون والذي يمكن أن يحافظ على حضوره البرلماني بنفس العدد من المقاعد أو أكثر بقليل والتي ستنحصر بين 30 و 40 مقعد أو أكثر بقليل حتى مع تحالفه مع تيارات مدنية، ومن ثم دولة القانون والذي يجتهد للحفاظ على حظوظه الانتخابية عالية بعيدا عن حلقة الصراع والتنافس بين باقي الكتل والذي لا يتجاوز عدد مقاعده بأحسن الاحوال بين 50- 60 مقعد أو أقل، ومن بعده يأتي تيار الحكمة وكذا تحالف الوطنية والذي قد لا تتجاوز عدد مقاعدهما 20- 30 مقعد، ويليه تحالف اسامة النجيفي ومن معه، بقراءة واقع وسطهم الانتخابي الذي يؤشر بأن حظوظهم قليلة وسط التشظي بالكتل والتحالفات السنية التي خسرت كثير من حضورها الشعبي بعد نكسة داعش الارهابي والتناحر فيما بينها وهي ستكون بحدود 10-20 مقعد، وستحدو الكتل والاحزاب الكردية نتيجة الصراع الحزبي والرغبة بالاحتفاظ بالسلطة والتأييد الشعبي المنحسر ضمن قواعد انتشارهم الى تعدد توجهات وخيارات الناخب الكردي والتي أظهرت قوائم واسماء منافسة جديدة مثل برهم صالح وتحالفه العدالة والديمقراطية، وشاسوار عبد الواحد مؤسس حركة الجيل الجديد اضافة الى اسماء الاحزاب الخمسة الرئيسة وبكل الحسابات لن تتجاوز 10-20 مقعد بأحسن الاحوال لأن المواطن الكردي فقد ايمانه بتلك الاحزاب، ولهذا سيقوم بمعاقبتها في هذه الانتخابات، إن سلمنا بشفافية ونزاهة تصويت الناخب العراقي أي لا يكون تحت تأثير سلطة المال والجاه والحكومات المحلية وغيرها، وهذا الشكل من النتائج سينعكس كله على تشكيل الحكومة فيما بعد والتي قد تأخذ وقتا طويل لتشكيل تحالف الكتلة الاكبر داخل قبة البرلمان، وبعدها التقارب بين التحالفات والكتل لاختيار مرشح رئاسة الجمهورية والذي بدأ البعض من تلك الاحزاب يسرب بأنه غير راغب بهذا المنصب ويطمح لاستبداله، ومن ثم توافق باقي التحالفات عن مرشح الكتلة الأكبر لمنصب رئاسة الوزراء، والتي بدأت من وقت ليس بالقصير حواراتها ومحاولة فهم رغبات منافسيها حتى لا تأخذ وقتا اطول مما هو متوقع لها مثل ما حدث عام 2010، فهل ستتمكن التحالفات من تجاوز تحديات واخطاء العملية السياسية بالعراق؟ والتي سيكون اللاعب الرئيس بها وحاسم ضربة الجزاء في ساحة مصالحه هو المواطن العراقي، ومدى قدرته على فهم برامج تلك الاحزاب والتحالفات حتى لا يبخس حقه وحق الشعب بدورة انتخابية قادمة تلبي حاجاته وحقوقه.