يتندر الأردنيون بأن مملكتهم شحيحة الموارد، فبحرها ميت وميناؤها عقبة!
ومع أن القيادة الأردنية، منذ التأسيس مطلع القرن الماضي، تبذل المستحيل، لتلبية حاجات شعبها، إلا أن الأردن الذي يستضيف القمة العربية في دورتها العادية الثامنة والعشرين، يعد أحد البلدان المعوزة لدعم الاشقاء، قبل الأصدقاء.
وفي ” الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة العربية”!
العبارة الأثيرة للزعماء العرب منذ انعقاد أول قمة عام 1946. وكأن بعض من التئم في قمة البحر الميت، حاضرا وما يزال يتربع سدة الحكم إلى اليوم.
وبالفعل فإن الأردن الذي بذل كل ما بوسعه، لتحقيق أكبر حضور على مستوى الرؤساء والملوك بحاجة إلى أن يلتفت المؤتمرون إلى حجم المخاطر المحيطة ببلد أرادت اتفاقيات سايكس بيكو أن يكون منطقة عازلة بين العرب واليهود حتى قبل قيام إسرائيل التوسعية.
وربما لم تجد السلطات الأردنية موقعا، أكثر أمنا وأمانا، من الساحل القصير للبحر الميت، قبالة “دويلة العصابات الصهيونية” كما علمونا.
لاستضافة أصحاب الجلالة والفخامة الذين ينوء بعضهم بكاهل السنين ويحتاج إلى نسائم بحرية حتى وإن كانت مثقلة بالملح الثقيل.
ولم يتجاوز المتحدثون في الجلسة الافتتاحية للقمة، أنفسهم، ولم يخرج غالبيتهم عن الصياغات الجاهزة، التي دأب مساعدوهم على تدبيجها، منذ أيام زمان وإلى اليوم، مع بعض التغييرات الطفيفة تساوقا مع الأزمنة والأمكنة.
فما تزال الأمة العربية “تواجه تحديا مصيريا”. وما يزال العرب يواجهون “المؤامرات الخارجية” ويشتكون من “التدخلات” وينددون بإسرائيل مع أنهم يتمسكون بالمبادرة العربية الموسومة باسم العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.
وكان المرحوم بشر بها صحفيا أمريكيا معروفا بعلاقته القوية مع إسرائيل وصلاته الواسعة بالإدارة الأمريكية.
ومن مقال، تحولت مبادرة الملك عبد الله إلى خطة ومشروع تسوية، تواصل تل أبيب رفضها، بل إن الشعوب العربية لم تعد تتذكرها، خاصة بعد أن ابتلعت داعش ثلث العراق، وربع سوريا، وتتحكم بالرصاص في ليبيا، وتعبث في سيناء، وتفجر وتفخخ وتقتل في اليمن، وتهدد لبنان، وتسعى لتشكيل خلايا في بلدان المغرب.
وتواصل تشويه سمعة وصورة العرب حيثما تستطيع، وتحرث الطريق أمام اليمين للصعود في أوروبا. وهو يمين كان بوجه عام متعاطفا مع “قضية العرب المركزية”.
وللتذكير فإن المقصود بها، قضية فلسطين!.
واليوم فإن أوروبا، ترتعد من إرهاب داعش، وتختلف حول ملف اللاجئين الزاحفين وحدانا وزرافات من دول “الخريف العربي الدائم”. ولا تدري كيف توقف تدفقهم، فيما يبتلي الأردن بحوالي مليون لاجئ من سوريا، حتى قبل أن يعالج مشاكل آلاف اللاجئين العراقيين سواء ممن لاذ من رمضاء الحصار والقمع والحروب في حقبة تسعينات القرن الماضي، أو من نار الطائفية التي أشعلتها الديمقراطية الأمريكية في بلاد الرافدين، وفرخت لشعبه المبتلى بالويلات، القاعدة وداعش ومشتقاتهما.
وطالب الرئيس الفلسطيني الإنكليز بالاعتذار من شعبه على وعد بلفور باعتباره أساس البلاء وبمناسبة مئوية “الوعد المشؤوم” كما يعرف في كراريس تلاميذ المدارس العربية منذ عشرات السنين، ويقدم الطلبة امتحان التاريخ في مادته وصار محفوظة مثل “بلادي بلادي”.
المفارقة أن أمين عام الجامعة العربية، تقوّل على محمود عباس، ليعلن أبو الغيظ عشية قمة البحر الميت أن القيادة الفلسطينية ستقدم رؤية جديدة للتسوية مع إسرائيل.
تصريح أثار لهيب التكهنات، وسارع المسؤولون الفلسطينيون إلى إطفائه كي لا تذهب بالعرب الظنون.
وتثير تصريحات أمين عام الجامعة العرببة، التساؤلات فيما إذا كانت هذه المؤسسة القديمة والمكلفة ماليا على دراية بمطابخ السياسة في البلدان الأعضاء. وعلى صلة بصنع القرار؟ أم أن موظفيها محللون سياسيون ضمن فيالق المحللين الذين يحتلون وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة مثل نبات الفطر بعد يوم ممطر، رغم الواقع العربي المجدب!
حصلت وسائل إعلام معروفة على نسخة من البيان الختامي لقمة البحر الميت، قبل أن يجتمع القادة بأيام. ولم يبذل كاتبوه جهدا كبيرا في طباعته. فقد، أخذوا ديباجات البيانات الختامية السابقة وأعادوا كتابتها مع تعديلات للضرورة.
وربما تحدث بعض الزعماء بلغة مختلفة بعض الشيء عن الخطابات السابقة. لكن البيان “المسرب” كما يقول العارفون ببواطن الأمور، حتى وإن كانت ظاهرة، ينصحون بالاطلاع على بيانات السنين الخوالي. وعدم انتظار نهاية نشرة الأخبار.