23 ديسمبر، 2024 5:42 ص

عزة الشابندر..هل يكون الشخصية القادرة على بناء مشروع سياسي عراقي عابر للطائفية؟

عزة الشابندر..هل يكون الشخصية القادرة على بناء مشروع سياسي عراقي عابر للطائفية؟

منذ فترة ليست بالقصيرة، وقد تكونت لدي الرغبة في أن أكتب عن إحد ساسة العراق المهمين، ممن لم تلوثهم (كراسي السطة) بمغرياتها، ولم يقتربوا منها ، الا بالقدر الذي يحفظ له كرامة الرجل، في ان يبقى جريئا صادقا مع النفس، بعد إن خرج السياسي العراقي عزة الشابندر من (شرنقة) حزب الدعوة، وإختار طريق (الاستقلالية السياسية) الخاص به، لما يمتلكه الرجل من نضج سياسي ومعرفي عميق، ساعدته البيئة اللبنانية وقيادتها المقتدرة والمتفتحة وساحتها الرحبة واجواءها النقية ان يبقى خارج دائرة (ملوثات السياسة)، وهو متمكن من نفسه ومن قدرته القيادية على فرض الوجود..!! 
ولم يظهر عزة الشابندر في صالون سياسي او ملتقى إعلامي أو بحثي الا وكان حضور الرجل لافتا بشكل كبير، وطروحاته تجد القبول من النخب والكوادر العراقية المثقفة، وهي تتمنى بين قرارة نفسها لو ان الشابندر ترأس أحد كياناتها السياسية ، بعيدا عن صراعات كل القوى والاحزاب ، وقبل فترة ليست بالقصيرة من الانتخابات المقبلة، عله يكون بمقدوره ان يكون أحد قادة (المشروع السياسي العراقي) الأكثر قبولا، بعد ان اخفق المنادون بهذا المشروع والرافعون لشعاراته منذ أمد ليس بالقصير من التعبير عنه بوضوح، وكان لدى أكثرهم مجرد(سلعة مزايدات) في سوق السياسة والنخاسة ،لم يربح منها العراقيون شيئا، سوى مزيدا من خيبات الأمل، وانهم لو أحسنوا (الاختيار) مرة أخرى وشكلوا (كتلة عابرة للطائفية) يقودها الشابندر لكان لهم أجدى وأكثر نفعا، ويمكن ان يكون (انتقالة نوعية) كبيرة في مسار العمل السياسي العراقي، بإمكانها ان تنتشله من كثير من الامراض العسيرة التي أصيب بها..!! 
ويمكن تأشير أبرز سمات شخصية الشابندر وملامح مشروعه السياسي الذي لم يتبن حتى الان مهمة قيادته لها كـ (ائتلاف) او تحت (تجمع سياسي) يعبر عن آمال وطموحات النخب المثقفة، بل بقي يرددها في حواراته التلفزيونية ، وهي ستكون عونا له، ان خاض غمارها وتحرك بـ (فاعلية) على الجمهوره الناقم على سياسات الاحزاب الطائفية وبرامجها وقياداتها الفاشلة، لكان قد حصد الكثير من (المكاسب السياسية) وهو يستحقها عن جدارة..!! 
وادناه أبرز مؤشراتنا عن السياسي العراقي المستقل عزة الشابندر، وملامح الطريق المستقبلي الذي يأمل الكثيرون ان يسير على هداه، ووفق المحاور التالية: 

1. يكاد يكون السياسي العراقي المستقل عزت الشابندر من اكثر القيادات العراقية الوطنية، التي تشبعت بإحدى سمات الشخصية الواثقة من نفسها وهي (الجرأة) و(الوضوح) و( القدرة القيادية)، في أن بمقدور الشابندر ان أحسن التحرك على الكوادر والنخب المثقفة وهي ساحة رحبة لمشروعه المستقبلي أن يكون (رقما صعبا) في (المعادلة السياسية العراقية) وبخاصة للكوادر والنخب المثقفة ، في أن يكون ملهمها ومعبرا عن تطلعاتها ، بعد ان بقيت تلك الطبقة الواسعة (متأرجحة) المواقف و(متذبذبة) في (الاختيارات) للطريق الأمثل الموصل الى خلاص العراق وهي تعيش حالة (ترقب) و(قلق) على مستقبلها ومستقبل البلد، ومما يساعد في نجاح هذه المهمة إقامة (مشروع سياسي عراقي جديد) هو ما يمتلكه الرجل من (مؤهلات) القدرة القيادية والتحليل المعمق للواقع العراقي بلا تزويغ او تضليل او افتراء، وهو يبدو في كل الحوارات التي تابعتها بتمعن، من أكثر السياسيين العراقيين صدقا مع النفس ومع الهم العراقي، وهو جريء ، لايخاف في الله لومة لائم!! 

2. كنت وما زلت من المتابعين الشغوفين لطروحات الرجل ، كما يتابعه الكثيرون ، منذ ان كان قياديا في القائمة العراقية الوطنية مع رئيس الوزراء الاسبق الدكتور اياد علاوي ، وبعد خروجه من قائمته والانضمام الى إئتلاف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وحتى خروجه من إئتلاف دولة القانون، وقد كانت مواقف الرجل مستقيمة وجريئة على طول الخط في كل القوائم والائتلافات التي انضم اليها او قبل العمل معها ، وهو ليس (متقلب) المزاج السياسي كما يتهمه (البعض) ولكن عندما يرى ان لافائدة من بقائه ضمن (القائمة) التي ينضم اليها سرعان مايغادرها الى أخرى عله يحقق رغبته في مشروع وطني عراقي خالص ، وليست هناك اية (شائبة) أو (متغيرات) سريعة في مواقف الرجل، وكان (الثبات والواقعية وصدق الطروحات)، هي ما يميز شخصية الرجل ويمنحها القدرة على فرض نفسها، في كل القوائم التي عمل فيها او اراد منها ان تكون طريقا لخلاص العراق ، دون ان يلوث الرجل نفسه بـ (مغريات) السلطة او يرنو وراء (كرسي حكم) لايضيف اليه شيئا، وهو من يملأ الكرسي ويكون قادرا على الفعل ، وتحقيق الأمنيات، لو ترك له الخيار أن يعيد ترتيب (البيت السياسي العراقي) ، لكان قد حقق الكثير من الخطوات الايجابية في ان يكون عامل ( توافق وطني عراقي) حقيقي، بإمكانه أن ينتشل البلاد من أزمتها الخانقة بالرغم من ان لايمتلك (ميليشيا) او حزب سياسي ، وهو يعد نفسه فوق كل مسميات القوى والاحزاب والحركات التي عملت منذ عام 2003 وفشلت حتى الان في حكم العراق، والرجل يعترف بفشلها ونكساتها وما أدت اليه، وهو لايخجل من توجيه (الاتهام) لأي من الكتل الكبيرة سواء في لومه للتحالف الوطني او القوى المحسوبة على المكون السني العراقي وحتى الكردي، وهو أكثر من يفهم ، حركة جمهورها ومطالبه وكيف يكون بمقدوره ( تهذيب) سلوك ( الانحراف الغوغائي ) ليس بين السياسيين فقد بل حتى داخل (الجمهور السياسي) الذي تتقاذفه امواج الصراعات والتناحرات ، ولا يخشى من القول بإستمرار ان اقامة التحالف الوطني (الشيعي) هو اول من كرس الطائفية وارسى دعائمها غير الايجابية ،واضطر المكون الاخر لاقامة تكتل طائفي مناظر، إذ لولا التحشيد الطائفي لما وصل الوضع العراقي الى كل تلك التخبطات ، ولولا التحالف الوطني لما اقيم اتحاد القوى ولا حتى التحالف الكردستاني، واذا لم يتم (تجاوز) كل تلك التكتلات الطائفية واقامة مشروع سياسي عابر للطائفية فلن يكون بمقدور كل القوى السياسية العراقية الخروج من المحنة الاليمة التي هم عليها!! 

3. ان الرجل (وطني عراقي) حد النخاع، وهو لديه (قبول) من اطراف كثيرة ،وهو لايؤمن بأية (أجندة) أقليمية او دولية أو فرض ارادات خارجية، بل يمقتها ويصب لعناته عليها لانها كانت السبب في خرابه ، وهو يريد ان يكون ولاء السياسي العراقي وقراره المستقل في بلده أولا وأخيرا، واذا توافقت (الرغبات الاقليمية) مع (الرغبات الوطنية) عندها لن يكون هناك قلق على العراق وعلى قدرتهم من ان يكونوا فاعلين ومؤثرين وتحترمهم الدول والكيانات، وتضع لهم الف (إعتبار) إن احسنوا إدارة بلدهم ، وتخلصوا من هيمنة التسلط الاقليمي والدولي عليهم، ومن ان يكونوا (ادوات) للغير منفذين لاراداتهم ، واذا توفرت شخصيات وطنية تقبل ان تسير بالعراقيين وفق الهم الوطني البعيد عن تاثيرات الخارج فقل ان العراق سار في أول الركب المتجه الى تصحيح مساراته ، وهو بإمكانه ان يقوى عضده ، ان سمح لقادة مؤثرين ووطنيين صادقين لاشائبة على اخلاصهم للوطن ولقيادة البلاد في ان ينتشلوا العراق من وضعه المزري الذي هو عليه!! 

4. ان الرجل لايريد ان يكون ( القائد الأوحد ) ولا (السلطان) أو ( الحاكم بأمر الله) بل يعمل وفق الممكنات في السياسة، ويؤكد على ان ( التوافق العراقي) بين المكونات لن يأخذ طريقه ما لم يتم الاعتراف بحق الآخر في العيش، وان لايكون هناك أي (تمييز) بين عراقي وآخر على المذهب والجنس والطائفة والانتماء، بل بقدر ما يمكن ان يقدمه لبلده من آفاق معرفية وعقلية وعملية للانتقال به الى الحالة الأفضل، وهو مايسعى الشابندر الى شرحه في أكثر من مناسبة، وحسنا فعلت ( قناة الشرقية ) وربما قنوات اخرى بدرجات أقل بأن أجرت حوارات موسعة معه في مقابلات تلفزيونية أو ضمن نشرات اخبارها، فالرجل مليء بالافكار والمواقف العملية الواقعية الشفافة السمحة الرحبة، ولديه من القبول لافكاره ما يمكن ان يكون ساحة للجمهور الواعي والمثقف ان يلتف حوله، ان عمل على تكوين ( إطار سياسي) جديد وتحرك بشكل فاعل على الطبقة المثقفة الواسعة، وحرك فيها كوامن الحس الوطني العابر للطائفية وغازل طموحاتها وآمالها في ان يكون بمقدور العراقيين عبور المرحلة المقبلة بسلام ان انضموا الى محور (مشروع وطني عراقي عابر للطائفية) بالتنسيق حتى مع كتل سياسية عراقية كبيرة من كل الطوائف والاعراق، ويشكلوا (منظومة عمل) تعيد صياغة المشروع الوطني العراقي وفق أسس سليمة وبلا حشر للعامل الطائفي بين أروقته، بل تكريس الدافع الوطني العراقي ليكون له السبق في القدرة على التغلب على العامل الطائفي وهو ما سيلقى رواجا كبيرا، ان توفرت الارادة للسير بهذا المشروع الوطني العراقي الجديد، وملأ الاعلام الوطني ساحته وتناغم معه، وروج لطروحاته، ليكون ( الرد الامثل ) و(الحل الواقعي) للخروج من شرنقة التخندق الطائفي وركنها خارج التاريخ، كونها المرحلة الاكثر سوادا وحلكة وظلاما في تأريخ العراق على الاطلاق!! 

5. ونجاح هذا المشروع بحاجة الى دعم عربي ، ليس عبر تنفيذ (أجندة) بل خلاصا لدولهم مما يحاك ضدهم من محاولات تآمر، وهم أي الدول العربية وحتى الاقليمية خسرت كثيرا، وأضرت بمصالحها هي ايضا وأضرت بالعراق كثيرا ، لأنها اما حاولت ضم العراق (عنوة) تحت سلطتها أو عدته (ساحتها الخلفية) أو (تبرأت) الاخرى منه وبخاصة الدول العربية التي لاتزال مواقفها متناقضة وغير ودية تجاه العراق والعراقيين ،وكان أمر العراق لايهمها ولا ما حل به من مصائب وفتن ومؤامرات ، وكلا الاتجاهين خطير، وعلى من يريد انتشال العراق من تلك الفاجعة التي ألمت به ان يساعده على النهوض على قدميه بعد إن اضحى (عليلا) و( مشلول الاردة) و(مفلس ماديا) ، بالرغم من ضخامة ثرواته الطبيعىة والبشرية لكي يودع تلك المرحلة العصيبة الى غير رجعة!! 

6. ان الشابندر هو السياسي العراقي الاكثر علاقات مع قادة المكون (السني) ولديه مع الكثير من قياداته علاقات وثيقة، ويحظى باحترام لدى الكثيرين منهم، وهو بالمقابل لديه (مؤشرات ايجابية) عن كثيرين منهم يمكن ان يكونوا (عونا) و(سندا) له لانجاح مهمته، وبخاصة ان لديه مع الكثير من قيادات التحالف الوطني علاقات جيدة، وهم يثقون به، واذا ما تفاعل بإيجابية مع القطبين(الشيعي والسني) وحتى (الكردي) فقد يكون قد وضع اللبنات الأولى لمشروع وطني عابر للطائفية، حتى وان ادخل قوى سياسية من كلا الطرفين في أطر من (التحالفات) او (الائتلافات العابرة للطائفية) وجمع (المتناقضات) ووحد بين اطرها وشذبها من تنظيراتها السابقة ، لكي يكون (التعايش المشترك) هو السمة الغالبة، وهو ما يأمله الكثير من العراقيين في أن يسير على هذا المنوال، ويمضي بمشروعه هذا، ولن تخيب النخب المثقفة ان احسن تحركه عليها في أن يتحقق أمله وسعيه الوطني في لململة شتات العراقيين وتوحيد رؤاهم بما يعيد العراق الى سابق عافيته ويعود له دوره الوطني المؤثر على الساحتين الاقليمية والدولية، وان تمنحه الطبقات المثقفة وبخاصة النخب الصحفية والاعلامية وكذلك الادباء والفنانين وكل الجهات المهتمة بأمر الثقافة تمنحه ثقتها في ان يكون معينها في هذا المشروع العراقي الكبير بعون الله!! 
هذه ملاحظات مهمة أردنا ان نضعها امام السياسي العراقي الوطني عزة الشابندر وأمام الآخرين من القادة السياسيين العراقيين المهتمين بإتجاه إيجاد (انتقالة) لبلدهم نحو الافضل ممن يرغبون بالالتحاق بهذا الركب الوطني للتسريع بـ (نظام سياسي) خارج الولاءات المذهبية والطائفية، وبإمكان السياسي العراقي عزة الشابندر ومن يرغب بالسير معه ان يتحركوا منذ الان لمليء (الفراغ السياسي) ولديهم من الأرضية الواسعة من النخب والكفاءات المثقفة وقيادات سياسية أخرى علاقات طيبة معها ان يمضوا بمشروعهم هذا، في الانتخابات المقبلة ، عله يكون بمقدورهم فعلا ان يكونوا (الرقم الصعب) في (المعادلة السياسية العراقية المقبلة) وفي انتشال العراق من ضفة الاصطراع والاحتراب الى ضفة أخرى أكثر تسامحا وقبولا من الآخر واكثر تفاؤلا وايمانا بقدرة العراقيين على تجاوز تاريخهم المليء بالادران ومعالم الحقد والضغائن والمطلوب غسل القلوب والافئدة، وتنظيفها من تلك الادران الخبيثة التي علقت بها، وزرع شجرة عراقية وارفة الظلال، يتفيء العراقيون تحت ظلالها، والله من وراء القصد!!