يقول المثل الدارج في الجيش : أن اكتاف المخابرون بنادقهم ، وهم يقصدون المخابر بندقيته جهاز المخابرة الذي يحمله على اكتافه وفيه يؤمن الاتصال بين موقع البطرية والمرصد او بين مقر السرية ومقر الفوج .
عندما كنت جندي احتياط حيث اخذونا الى كتيبة مخابرة الفرقة الثانية مشاة في معسكر خالد منطقة حطين في ضواحي مدينة كركوك ،وهناك ادخلونا دورة سلكية ولاسلكية وتخرجنا منها نواب عرفاء ليقسمونا بين الوية الفرقة وكتائبها المدفعية ، وتنسبت في مقر الفوج الثالث اللواء 36 والمتجحفل في ايام حرب برزان في منطقة رانية ، وهناك سكن اكتافي الجهاز اللاسلكي الروسي ( 105 ).
وطول ستة اشهر من خدمة الاحتياط مسكت الجهاز المتكون من هيكل الاوبنايت الاسود اكثر مما امسك البندقية حيث كان علي أن اؤمن الاتصال اليومي بين ربيئتنا ومقر السرية في مصطلحات وارقام ورموز ومن يتكلم بالمفتوح يعاقب ويكون استمكانه سهلا لهذا ينصحوننا بتطبيق امن المخابرة من خلال فرض الصمت اللاسلكي.
انتهت خدمة الاحتياط وعدت معلما الى مدرستي في واحدة من قرى الاهوار ونسيت تلك الاجهزة التي تؤلم الاكتاف ومناداتها وشفراتها وانغمست ثانية بجغرافية حياتي الجديدة ، ولم اتذكر تلك المهنة التي تربطك بأثير الكلام عبر الموجات المتوسطة إلا عندما سمعت أن احد تلاميذي وقد تطوع مخابرا في الجيش واصبح عريفا وأنه يتهيآ اليوم للسفر الى بلغراد .
تعجبت ، عندما سمعت بعواد سوف يذهب الى بلغراد ، وضحكت وقلت :انا الذي يدرس الجغرافية لم يرى في سفره وعشقه لأبن بطوطة سوى شلال كلي علي بك وشقلاوة .
صادفته في مضيف شغاتي وقلت له :عواد الى بغراد ستسجل سبقا تاريخا ان يبطئ واحد من أبناء الأهوار ارض الجنرال تيتو.
ضحك وقال :نعم استاذ الدولة استوردت جهازا لاسلكيا يوغسلافيا اسمه بي ار سي وارسلونا دورة عليه.
قلت :كنت مخابرا ايام الجندية وكان الجهاز الروسي يؤلم اكتافنا فوزنه ثلاثة عشر كيلو غرام مع نضائده .
قال : استاذ هذا الجهاز وزنه اربعة كيلو غرام فقط .
قلت : ادعوا لربك ان البي ار سي سيريكَ اوربا . فيما نحن نسمع عن اوربا فقط عن طريق بي بي سي.
بعد ثلاث ايام ، اتى المدير ليقول لي انهم يطلبوني في امن الجبايش .
خفت وذعرت وتساءلت ماذا يريدون مني في امن القضاء . ولكن احد المعلمين قد هون علي وقال :لا شيء مهم ما داموا هم من ارسلوا اليك ، ولكن إذا كان الامر خطيرا تأتيك مشاحيفهم الى هنا واخذوك مكتوفا.
عندما ذهبت وجدت عريف المخابرة عواد ذاهبا بذات المشحوف ، وسألته ها عواد انشاء الله الى بلغراد.
قال : يا بلغراد استاذ يردونني في امن القضاء .
وقتها عرفت ان الامر ربما يعود الى نقاشي معه قبل ايام.
وصلنا سوية ، وادخلونا سوية الى غرفة المدير الذي كان امامه ورقتان ،وكنت اعرفه فهو كان معي طالبا في المتوسطة وطالما سهرنا معا في نادي الموظفين الجبايش .
قال : هذا تقرير مكتوب عليكما وعنوانه يوحي بما كنتما تتناقشان فيه .
قلت وماهو ؟
قال : إذاعة البي بي سي .
قلت : وما علاقة البي بي سي بنا .
قال :كنتم تتحدثان عن ضرورة الانصات لها وهي اذاعة بريطانية وعميلة .
قلت : من كتب هذا التقرير.؟
قال :واحد يحب الثورة والقيادة من معلمي مدرستكم.
ولأنني املك الميانة مع المدير كونه زميل دراسة قلت :يبدو أن صديقي المعلم كاتب التقرير كان اطرشا .
قال :كيف .؟
قلت كنا نتحدث عن البي ار سي وليس البي بي سي .واخبرته بالقصة كاملا فيما كان عواد يرتجف وهو يستمع الى نقاشنا.
ضحك المدير وقال الى عواد: عواد اذهب الى بلغراد ولاتنسى ان تجلب معك ( دنبل ) اصلي من السوق الحرة.
حين غادرنا مديرية الامن وكانت سعادة عواد واضحة .
سألني :استاذ ما هو ( الدنبل ) الذي اراده المدير .
ضحكت وقلت :الدنبل ويسكي اسكتلندي اصلي .
قال :والله كنت اظن انه جهاز لاسلكي جديد .إذا على الدنبل ( سهله )……………!