22 ديسمبر، 2024 5:49 م

عروض التعازي طقوس درامية

عروض التعازي طقوس درامية

كل عام يُقيم الشيعة في العراق وايران وفي مناطق مختلفة من العالم مراسيم في ذكرى استشهاد الإمام الحسين في معركة كربلاء، التي يطلق عليها أيضا واقعة الطفّ، وتستمر هذه الطقوس عشرة أيام من غرة شهر محرم الحرام، وهي تحمل في طياتها معاني التضحية والحقّ والحرية، باعتبار ان الواقعة تُعدّ رمزاً لثورة المظلوم على الظالم، وقد اصبحت تمثل قيمة روحية لدى الشيعة واسهمت في تبلور ثقافتهم. وكما قال عالم الاجتماع الدكتور علي الوردي ” إن مقتل الحسين باق يجالد الأيام والليالي، وسبب ذلك أن الحسين يمثل الثائر المظلوم وهو أذن دائم ما دام في الدنيا ظالم ومظلوم”.

إن التعازي والعروض التي تقدم في هذه الأيام، تعيدني الى مقال ذي مغزى عميق وله علاقة وثيقة بصُلب المناسبة، خاصة في جانب التعازي، كتبه الباحث واللغوي الإيراني المعروف يحيى آريان بور في كتابه الموسوم (من صبا الى نيما- 150 سنة على تاريخ الأدب الفارسي) الجزء الأول، الفصل الخامس: النصوص المسرحية. قمتُ بترجمة المقال الى اللغة العربية وأضفت اليه بعض الهوامش اللازمة:

إن العروض والمسرحيات، بالمفهوم الأوروبي، لم تكن موجودة في إيران. بيد أن فن العروض المقتصر على (التشابيه)، كان منذ أمد طويل إذ يقام في الأيام العشرة من شهر محرم من كل عام. ويطلق العامة على هذا الشكل من العروض الفنية ب “عروض التعازي”، والتي هي عبارة عن تجسيد وتمثيل لاستشهاد الإمام الحسين في المأساة المتمثلة بواقعة كربلاء. هذه التراجيديات الدينية تشبه تماما المسرحيات الدينية، أو الأخلاقية والتي كانت تعرض بأوروبا في القرون الوسطى.

وللتعازي وعروض التشابيه، في الواقع، جذور أعمق وأقدم في إيران. إذ كان الديلميون*، من ملوك إيران الشيعة، يُجسّدون ظلم الخلفاء ومأساة الحسين بصورة التشابيه. وكانت هذه المسرحيات صامتة، يرتدي أفرادها الملابس المناسبة، وهم يصورون المشاهد راجلين أو ركبين، الى أن أصبحت “عروض التعازي” التي يرافقها الشعر والغناء نوعاً من الميلودراما شيئاً طبيعيا.

في عهد ناصر الدين شاه (1869 – 1934م) أخذت التشابيه الناطقة تُعرض في إيران. وإذا افترضنا أنها سبقت العهد المذكور، فإنها قد تألقت فيه أكثر. ووجدت عروض التشابيه جاهزة (ملا حسين امام خوان، ميرزا غلام حسين عباس خوان، وجهانكَير مسلم خوان)*.
ويبدو أن مشاهدات الملك (ناصر الدين شاه) في أسفاره للمسرح الأوروبي*، كان لها تأثير ملحوظ على تطور عروض التعازي والتشابيه. فقد انشأ لدى عودته سنة 1916م تكية الدولة لهذا الغرض، وراعى في تصميمها المعماري أن تكون شبيهة بمسرح (آلبرت هول) في لندن.

وبسبب معارضة الملالي العروض والمسرح، حوَّل المسرح الى تكية ومكان لعروض التعازي. (التكايا الأخرى التي انشئت فيما بعد: تكية نائب السلطنة، تكية عضد الملك، تكية صاحب الديوان، تكية سيد اسماعيل، تكية الخلج، وتكية منوجهر خان).

وكانت أكبر برامج عروض التشابيه تقام في تكية الدولة، بمساحته الواسعة وطابقيه الاثنين. إذ إن الطابق العلوي كان يضم غرفا عديدة، وكل غرفة من الغرف كانت خاصة بملك أو بملكات الحرم والحاشية. ويوجد في فناء التكية مكان كبير لعارضي التشابيه، يتوسطه مرتفع مبني من الجصّ والطابوق، يجلس فوقه عارضو التعزية، ويقومون بأداء ادوارهم. وكان ” معين البكاء” ، وهو مدير العرض ومخرجه يدخل حاملا أبياتا شعرية لكل قرّاء التشابيه، وبمصاحبة ألحان الموسيقى الملكية، يعطي الإيعاز ببدء التعزية.

وفيما عدا الشهداء، كان للأنبياء والملوك والملائكة والجن وحتى أحياناً لشخص أوروبي بإسم (سلطان قيس) دور في العرض، وشارك في أحد العروض أسد. وهذه المشاهد تعني أن هذا المصاب الجلل ليس مصاب الشيعة وحدهم، بل هو مصاب الجن والإنس والكفرة والحيوانات أيضا.

وقد هُيئت نصوص التعازي في فترات متأخرة نسبيا. ولم تكن تُكتب فيها المواضيع عادة، بل تسجل الأشعار والحضور فقط على ورقة صغيرة مليئة بالملاحظات، وفيها إشارة الى دور كل واحد ووقت شروعه بالتمثيل، ولهذا بقيت لنا اسماء المؤلفين مجهولة.
****************************************************************
* الديلم قبائل إيرانية كانت تسكن ديلمستان، ووجدت حتى القرن الثامن الهجري. وديلم الحالية هي احدى مناطق بوشهر في الشمال الغربي منها، حيث مناخها حار ورطب- المترجم.
* خوان بالفارسية من أصل خواندان، وتعني القراءة. مثلاً روضة خوان، والتي اشتهرت باللهجة العامية العراقية: الروزخون، وتعني الخطيب- المترجم.
* لقد جمع علماء اوروبيون بعضا من نصوص التعازي هذه، وقاموا بترجمتها وطبعها. وفيما يتعلق بمجموعة “فتحعلي” ملك القاجار المتألفة من ثلاثة وثلاثين مجلساّ، فقد تُرجمت وطُبعت من قبل الكسندر خودسكو، وشارل فيروليود، وروبر هنري. كما تتألف مجموعة اخرى من خمسة عشر مجلسا صورها ويليام ليتن وبقيت بغير ترجمة، وكذلك مجموعة مؤلفة من سبعة وثلاثين مجلسا ترجمها الكولونيل لويس بيلي الى الانجليزية وصدرت بمجلدين. وإضافة الى ذلك ل (كريمسكي) و (ببرتلس) و(وليام بنيامين) مؤلفات حول التعازي في إيران.