منذ زوال الحكم الملكي عام 1958 وشعب العراق في دوامة سياسية وإجتماعية وفوضى لا تصح تسميتها إلا ديماغوجية وإنفلات وإنحدار نحو الأسوء .منذ ذاك التأريخ دخل الشعب حمامات الدم والتسلط وإلغاء لكل أشكال الحرية, فإما الموالاة أو التصنيف في خانة المعادين. وما النصيب إلا السحل والتقتيل والتهميش .وكعادة الكثرة منّا نحن شعب العراق برزت سمة النفاق وإظهار الولاء الكاذب للحاكم والتصفيق والتطبيل والتزمير.وإستمر الحال الى هذه الساعة فالمقربون هم أصحاب الحضوة ولهم الأمتيازات ويسهل أمامهم الصعب وتذلل وتُهَوَّن كل الصعاب.
إنتظر الشعب العراق وبخاصة المستقلون منه وذوو الكفاءات والمعارف التغيير ليحتلوا موقعهم الشرعي في الدولة والمجتمع ويتبوأوا ما يستحقون.ولكن العكس هو ما حصل. و لم يكن التغيير إلا بالأسماء والمسميات . وبقيت الأمورعلى ماكانت عليه. بل ساءت أكثر. وبرزت طبقات جديدة, لم تكن تحمل أية كفاءة او علوم أو معرفة. فتصدرت المجتمع بعد أن إستحوذت على المال والسلطة. أما حَمَلةُ الشهادات والأكاديميون والعلماء فإنزووا, أو أضطروا للهجرة, أو طالتهم كواتم الصوت, أو الأرهاب والترويع والتخويف. والواضح أن الهدف من كل هذا هو تفريغ العراق من العلماء والشرفاء والعقول الهادفة المبدعة.
فرح الشعب بالتغيير ظاناً إن عهداً جديداً وفجراً قد بزغ, وسيحتل كل كفوء الموقع الذي يستحق بكفاءته وعلومة وبماله الحر الحلال. ولكن أمراً قد بُيِّتَ بظلام فَسُنَّ بخبثٍ دستور لئيم مُلَغَّم بقصد وسوء نية.ومع هذا فقد خُدِعَ الشعب وخرج وصوت عليه بنعم, بعد أن وردت فيه مادة مخدرة تُبيح التعديل والتغيير .ولكن الذي جرى إن تعديلاً لم يجرِ لعجز مجلس النواب عن تعديله .و مجلس النواب بقناعة غالبية أعضائه موقنٌ إنه عاجز عن هذا. لأنه يحتاج مجلساً مقتدراً يُنتَخب وفق قانون إنتخاب سليم. يفضي لأحتلال ممثلي الشعب الحقيقين المقاعد فيه .وهذا لا يمكن أن يحصل مادام ذات الساسة الذين كتبوا هذا الدستور هم من يمسك بخيوط اللعبة. فليس من مصلحتهم التغيير.وما دام شعب العراق لا يزال مذهولاً من هول صدمته بهم. والى أن يستفيق هذا الشعب من ذهوله ويوقن إن هذه الديموقراطية التي خدعوه بها لم تكن إلا سماً مغلفاً بحلوى .ولم تكن مسيرة العشرة سنين إلا دوامة ديماغوجية ومسرحية كتبها وأخرجها العم سام, والممثلون دمى قراقوزية تحرك بخيوط ومن وراء الستارة .ولكنها ستارة رقيقة ستنكشف أمام ذوي البصيرة . ولكن ليس بوقت قصير. فلقد نجحوا في ذر الرماد بالعيون وستستمر هذه الدوامة الديماغوجية وستفرز الأنتخابات القادمة مجلساً لن يكون بأفضل من سابقه. لأنها ستجري وفق قانون غير عادل, ولا منصف. ولن يتغيرالحال إلا بقانون إنتخابات يكون فيه العراق بأجمعه دائرة إنتخابية واحدة. وبهذا نخرج من دائرة الطائفية والعرقية والتمزيق والتفتيت والعداء الذي وصل الى المنطقية بعد أن تعدا الطائفية والعرقية.ويكون الترشيح فردياً لا على نظام القوائم ومن يحصل على أعلى الأصوات يكون نائباً لكل الشعب العراقي.قانون ينتخب فيه من له حق الأنتخاب نائباً واحداً فقط.عندها سيبزغ الفجر وتتبدل الوجوه وهنا يبرز الوجه الحقيقي للشعب ويبدأ التغيير .
والى أن يتحقق هذا ستستمر اللعبة وسيستغل ساسة آخر زمان حاجة المعوزين, وقلة إدراكهم وضعف ثقافتهم. فيوزعون المدافئ والبطانيات والموبايلات. وسيوعدون البسطاء بمعسول الكلام.وسيغفوا الجياع على جوعهم, وسيقتات الفقراء فقرهم وسيمضغ الجهلة جهلهم ,ويتداوى المرضى وأصحاب العلل بعللهم, وسيفترش الفقراء الأرض ويلتحفوا السماء وبلاء يضاف لبلاء. سيستمر الساسة ذوو الشأن بلعبة التسقيط السياسي والتشهير الذي لا يجيدون غيره. صخبٌ وصراخٌ وعراكٌ بالظاهر. أما بالباطن فهم الأعزاء المشتركون في الحكم وتقاسم الكعكة .عداءٌ كاذبٌ. ومصداقية ما نقول إنهم شركاء في حكومة واحدة . فإن كان صدقاً ما يقولون, فلماذا لم يستقل من الحكومة من يتهمها بالفساد والأهمال, ويحتكموا للشعب؟إنها عركة شلايتية كما يقول المثل العراقي. وماهيَ إلا دمى قراطية وليست ديموقراطية.
سنوات عشر هدرت فيها أمولُ طائلة لو قد صرفت في دولة أخرى لحدث فيها تطور وقفزة نوعية في حياة المجتمع. ولكن جُلَّ هذه الأموال هُدِرَت لجهل وجهالة مَن أوكل إليه الأمر دون كفاءة وإخلاص, أو سرقت وذهبت لجيوب المنتمين والمنتفعين والأقارب والحبايب.
سنوات عشر أُزهقت فيها أرواح أبرياء وإنعدم الأمن وعمت الفوضى البلاد. والأداة ساسة إختلفوا على مكاسب ومغانم . ولم يختلفوا على خطط بناء أو تأسيس لدولة مؤسسات مبنية على ديموقراطية حقة لا ديماغوجية دموية إنفلاتية .لن تنتهي هذه الدوامة إلا بوعي الشعب وبتحمل المثقفين لواجبهم الوطني والأنساني بالتوعية وإيقاظ الأمة من غفلتها وسباتها وإيقاف مفعول المخدر الذي خدرها به هؤلاء الساسة . عركة شلايتية بخبرة عالية, وإدارة مهنية محلية إقليمية دولية.