23 ديسمبر، 2024 11:14 ص

عرض لفيلم جيمس بوند الجديد

عرض لفيلم جيمس بوند الجديد

سكاي فول: الفيلم الجديد لجيمس بوند:
مطاردات جامحة وحنين لمسقط الرأس وجرذان تفترس بعضها
مهند النابلسيأبدع المخرج سام مينديس بتصوير مطاردات مثيرة في أسواق وساحات وأزقة إسطنبول وعراك قاتل فوق قطار سريع، وانتقل لحالة قنص فريدة في أعلى ناطحة سحاب في شنغهاي، ثم انتقل لمهرجان التنين الذهبي في ماكاو وصور عراكا مرعبا في قاعة قمار باذخة، قبل أن ينتقل للمشاهد الأخيرة المعبرة في لندن وإسكتلندا.

بدأت القصة بسرقة غامضة لديسك سري يحوي أسماء عملاء المخابرات البريطانية المندسين مع الجماعات الإرهابية العالمية، وقد هدد السارق المجهول المحترف بكشف أسماء خمسة عملاء أسبوعيا: أبدع الممثل الإسباني خافير بارديم بدور الشرير الخارق سيلفا بكاريزما لافتة وخفة دم لا ترتبط عادة بسلوك المجرمين الخطرين، لقد انقلب على ماضيه شاعرا بالحقد والمرارة ومتحررا من قيوده.

أما الممثلة المخضرمة البارعة جودي دينش فعادت باسمها الحركي ام كرئيسة لجهاز ام آي 6، وأعطت هنا للدور التقليدي نفسا فنتازيا مع مزيج من العاطفة والحزم، كما أضاف رئيس لجنة الأمن والاستخبارات الممثل رالف فينيس (بدور مالوري) توازنا دراميا ولعب ببراعة دور الوسيط المطلوب، كما لعبت الكيمياء الخاصة ما بين دانييل كريغ ودينش دورا ديناميكيا كقطبي الكهرباء لتحريك الأحداث بهذا النمط المتصاعد البالغ الجموح والجاذبية، وربما ساعد اختيار اسم ام لدينش كإشارة مجازية “للام” (الحازمة والعطوفة في آن) لبناء هذه العلاقة الخاصة ما بين رئيسة الجهاز والعميل السري الشهير.

ولعبت ناؤومي هاريس دور مساعدته السمراء الجذابة، حيث أنها أصابته افتراضيا بالخطأ أثناء العراك فور القطار السريع، وأنقذت حياته مرة ثانية في ماكاو، وبالرغم من ذلك إلا أن الكيمياء كانت مفتقدة في تلك العلاقة ، ودخل الممثل بين ويشو بدور المرجع التقني (كيو)، وبدا كمراهق متحمس وشغوف وملم بالحاسوب والإنترنت وتكنولوجيا المعلومات، مكتفيا بتزويد بوند بمسدس مشفر وجهاز صغير لتحديد المواقع بدلا من الجهزة الاستخبارية العديدة السابقة، والأدوات القاتلة المبتكرة التي كانت تعطى له في الأقلام السابقة (كالقلم القاتل). ولعبت بيرنيس ليم مارلوهي دورا جديدا كفتاة بوند الجميلة سيفيرين، التي تقوده قصدا لمواجهة سيلفا، وذلك عكس الدور التقليدي كدمية جنسية جميلة، وعكست ببراعة التوجس والقلق والخوف.

ملصق فيلم جيمس بوندتميز هذا الفيلم عن معظم أفلام بوند الأخرى ببعده الإنساني العميق ، وتركيزه على مكامن الضعف في الشخصيات، كما أن دور الشرير لم يكن هنا سطحيا ونمطيا، وإنما أداه بارديم ببرود وذكاء لافت (حيث بدا شكله غريبا بماكياج أشقر وحركات مثلية استعراضية)، ومن الواضح أن المخرج مانديس قد تأثر هنا بشريط الفارس الأسود لكريستوفر نولان، حيث نلاحظ إعادة مشهدية مبتكرة لسلوكيات الأبطال، وخاصة بطريقة أداء الشرير سيلفا وأسلوبه الكاسح بمواجهة خصومه، آخذين بالاعتبار طريقة تقديم بارديم لدور سيلفا الذي يذكرنا أحيانا بأسلوب الراحل هيث ليدجر في دوره الذي لا ينسى كجوكر (في الفارس الأسود) حيث “لا يقف شيء أمام اندفاعه الشرير”.

واذا ما تأملنا بصمات مينديس الإبداعية في الإخراج وتحريك الممثلين، نجد قدرته الفذة متمثلة بتشكيل فريق متوازن حرفيا مع إلمام “إبداعي” غير مسبوق بالتفاصيل مما يجعله ينطبع في الذاكرة. أما المصور السينمائي روجر ديكنس فقد صور مشاهد بصرية تفوقت أحيانا على مشاهد فيلم نولان الشهير (فارس الظلام)، وشكل مع مينديس جهدا كبيرا لتجديد انطلاقة هذه السلسلة بعد مرور خمسين عاما على انطلاق الو أفلامها، واثبتا أن دانييل كريغ هو من سيستمر بحمل شعلة بوند في المستقبل المنظور على الأقل، كما يبدو أنه تم هنا وضع مواصفات جديدة لهذه السلسلة في عصر حافل بالتحديات التقنية المتنوعة والسياسية والاحتقانات الدولية الجديدة، محافظا على نمطية الأفلام ومدخلا عنصرا إنسانيا جديدا يتمثل بالحنين الجارف لمسقط الرأس، حيث تصور المشاهد الأخيرة في منطقة سكاي فول بإسكتلندا وفي بيت طفولة بوند الريفي القديم وبوجود حارس البيت العجوز كينكيد (أدى الدور بشغف ألبرت فيني)، حيث استعرض طفولة بوند المريرة وحادث مقتل والده، وشاهدنا قبره المهجور.

كما أن المشاهد الأخيرة كانت بلا شك حزينة وربما رومانسية بالرغم من قسوتها، حيث انتهت بمقتل سيلفا و”ام” متأثرة بإصابتها الخطرة أثناء هجوم سيلفا وعصابته على الكنيسة القديمة المهجورة، وان كنت لم استوعب سبب غياب الأغنية الرائعة سكايفول هنا كخلفية موسيقية لهذه المشاهد الرائعة!

ومع ذلك بقيت الصورة النمطية البراقة للشخصيات بإطارها الاستعراضي الحركي: كالبدلات الأنيقة والملابس الباذخة، والسيارات الحديثة الفائقة السرعة، والعرض الدعائي السمج المكرر لساعات اوميغا الفاخرة، ولكنه تجاوز هذه الأدوات الباهرة بمناظر غير مسبوقة لإسطنبول، المدينة الساحرة التي تجمع الشرق والغرب معا: كساحة السلطان أحمد ومتحف أيا صوفيا الشهير ومدينة فتحية والسكة الحديدية فوق جسر فاردا قرب اضنة، ثم انتقل لشنغهاي في الصين فأتحفنا بمشاهد حركية لأعلى ناطحة سحاب ومشاهد في مضمار أسكوت الشهير، ولمطار شنغهاي الدولي بودونغ.

وفي منطقة سكاي فول بإسكتلندا تم بناء منزل كبير باستخدام الخشب الرقائقي والجص لتصوير الأحداث. وإن حاول هنا كريغ أن يسرق شهرة شون كونري بأداء فريد استثنائي إلا أنه لم ينجح باعتقادي، وأدخل على الدور عناصر جديدة كالإبهار والجرأة والطرافة والفكاهة وصولا لهزل زائد، ولكن بارديم تجاوزه بتألق استثنائي وإضافات مشهدية غير مسبوقة خلطت الشر الجامح بالطرافة والبرود والحكمة.

وانصهرت كل هذه العناصر البشرية والأدوات والمواقع لتقدم شريطا رائعا لافتا، أثبت فيه سام منديس انه مخرج مغامرات من الطراز الأول وخاصة أثناء تقديمه لمطاردات وعراك يحبس النفاس فوق قطار سريع، بتصوير متزامن يدمج الحركة بالموقف، ثم بتصويره لعراك قاتل في حظيرة عظايات ضخمة مفترسة (اسفل نادي قمار في ماكاو)، أو بإخراجه لقطات فريدة لمطاردة قاتلة فوق ناطحة سحاب في شنغهاي، وانتهاء بمعارك وتفجيرات ماحقة في لندن وإسكتلندا، انتهت بتفجير مبنى الام آي 6 وهليكوبتر. أما المجاز الذي التقطته بأعجاب فهو يكمن بمشاهد خروج سيلفا الشرير من مصعد وتوجهه لمقابلة بوند (المقيد اليدين)، راويا بأسلوب استعراضي لافت طريقة مكافحة الجرذان التي تكاثرت على الجزيرة، وتم صيدها وتجميعها وتركها معا بلا طعام لكي تقوم بافتراس بعضها البعض، حتى بقي اثنان فقط في إشارة مجازية له ولبوند كعميلي استخبارات منشقين وفاشلين، وتركهما يواجهان مصيرهما بافتراس احدهما للآخر

كعادتي الدارجة بإسقاط مكونات الأفلام على واقعنا العربي البائس: أليس هذا تماما ما يجري في دول ما يسمى ربيعنا العربي، حيث نترك كجرذان تفترس بعضها البعض؟

واحد من أحسن أفلام بوند:

مع الاحتفال باليوبيل الذهبي بعد خمسين عاما على انطلاق السلسلة، فقد قدم دانييل كريغ كل المكونات البوندية الشهيرة: السيارات السريعة الحديثة وحتى القديمة، والمال الوفير وقاعات القمار الباذخة، والمارتيني الشهير والمواقع الساحرة والنساء الجميلات، كل هذه المكونات انصهرت ببراعة لافتة مع أغنية أدلي الرائعة سكاي فول التي استهلت بداية الفيلم، حيث صدح صوتها الشجي وكأنه “ساقط حقا من السماء”.

كما أن تركيز الفيلم على مواضيع عصرية مثل التهديد والإرهاب الإلكتروني، مكن المخرج سام مينديس من تجديد وإعادة اطلاق السلسلة الذي كاد بريقها أن يخفو في النمطية والتكرار، إضافة لمشاركة مصور سينمائي فذ مثل روجر ديكنز قد حول المشروع لعمل عبقري. ركز الفيلم على انتقال مركز الاستخبارات البريطاني ام آي 6 لموقع جديد مؤقت تحت الأرض بسبب تفجير موقعه الأصلي، مما حول سياق القصة من النمط الجاسوسي التقليدي للأسلوب “الويسترن” المصيري، ووضع وجود و مصير المركز وكافة الأبطال والعاملين على المحك بعد مقتل ستة منهم في التفجير الإرهابي.

تكمن واحدة من اجمل مشاهد الفيلم في شقة فارغة في الطوابق العليا لناطحة سحاب في شنغهاي ، حيث يستعرض مشاهد خرافية لقاتل محترف وقناص ماهر وهو يصطاد ضحيته في شقة مقابلة فور جلوس الضحية لتأمل لوحة فنية جميلة، وذلك بإعادة تكوين لمشاهد رائعة مماثلة مقتبسة من الفيلم الشهير “الطريق للجحيم” لنفس المخرج، وخاصة عند تصويره للعراك ما بين بوند والقناص والذي أدى لسقوط الأخير هاويا من أعلى الناطحة!

كما أن الفيلم يظهر الضعف الإنساني لبوند، الذي تعودنا على ظهوره قويا متماسكا، وذلك بعد أصابته القاتلة في إسطنبول وبنيران صديقة، وبدا في أضعف معنوياته حتى أن الشرير يستغل معرفته لعلاماته المتدنية أثناء فحص إعادة التأهيل (40%) للطعن بمصداقية رئيسته “ام” ليثبت له أنانيتها الطاغية، عندما أعلمته كاذبة بأن علامته كانت 70% لتحقيق هدفها وإعادته للخدمة، وبالرغم من استمرار بوند باستعراض عضلاته وجاذبيته الجنسية ، إلا انه تمكن من التعايش مع ضعفه وقدم شخصية إنسانية معقدة وجذابة.

كما زودنا الممثل الشاب بن ويشو (بدور كيو) بطرافة غير متوقعة، وخاصة أنه بدا كمراهق مبتدئ ما زال يعاني من آثار حب الشباب، فيما بدا التناقض واضحا مع قدراته البارعة بالقرصنة الإلكترونية ومعرفته العميقة بخفايا التجسس. ثم هناك خافير بارديم الذي سرق بأدائه اللافت الفيلم بأكمله وهمش معظم الممثلين، فهو لا يثير الدهشة فقط وإنما بدا كشرير هائل يملك قوة مفرطة لا حدود لها. وكعميل سابق في الـ ام آي 6 يسعى بلا هوادة للانتقام ضد المنظمة التي عمل بها لسنوات، محاربا إياها بتكنولوجيا فائقة الكفاءة، لكن دوره يعود فيغرق في النمطية المعهودة لممارسات الأشرار ورغبتهم الجامحة بالسيطرة والتدمير من خلال خلق فوضى مدبرة ومنسقة ومتصاعدة. ويؤدي هنا دوره بفرادة مازجا التوهج “المثلي” السلوكي الخطر بالهدوء البارد القاتل،

وهنا يقدم بارديم واحدا من افضل أدواره السينمائية، حيث يستعرض مونولوجا تمثيليا جميلا خالطا بتلقائية لمسات من أداء “الجوكر” الهيستيري في “فارس الظلام” وأداء بارديم اللافت نفسه بدور أنطون القاتل المرعب في فيلم “لا بلد للعجائز” (الذي حصد الأوسكار في مجال الإخراج)، مضيفا لهذا الأداء التمثيلي المعقد بعض السلوكيات المثلية الباردة والسادية في آن واحد. كل هذه الخلطة السينمائية البارعة الفريدة جعلت من فيلم “سكاي فول” محطة اطلاق وتجديد للسلسلة الشهيرة.

فيلم “الطريق إلى الجحيم”: “لن يدخل أحدا منهم الجنة أبدا”

يستعرض مينديس بفيلمه الثاني الرائع “الطريق للجحيم” (2002) قصة حياة رجل عصابات مخلص لعائلته يدعى سوليفان (توم هانكس)، حيث يقوم ابنه ذو الاثنا عشر عاما بالاختباء خلسة في سيارة والده (لمعرفة ماهية عمله)، وذلك أثناء قيام الأب برفقة رجل عصابات آخر (شكاك ويعاني من عقدة العظمة وقام بالدور دانييال كريغ) بقتل ستة رجال. وعندما يكتشف هذا الأخير ذلك، يقوم بإبلاغ والده العراب العجوز جون روني (بول نيومن)، الذي يصدر أمرا صعبا بتصفية الابن الصغير ووالده خوفا من الوشاية.

وعندئذ يهرب سوليفان مع ابنه ناجيا بنفسه، فيما يقوم ابن العراب العصابي المهووس بقتل زوجة سوليفان وابنه الصغير الثاني، ويتمكن بمهارته أثناء هروبه من سرقة “وديعة مالية كبيرة تخص العصابة” من أحد البنوك، كما يتم استئجار قاتل سادي معقد (جود لو) لمطاردته وتعقبه وقتلهما، وينجح سوليفان بعد مطاردات ومواجهات حابسة للأنفاس بالهروب ساعيا لتوصيل ابنه لأقربائه في بلدة نائية.

ولكن القاتل العنيد يتمكن أخيرا من تعقبه وتحدث مواجهة مصيرية يقتل فيها الاثنان، ويتحول الفتى لاحقا بعد أن يكبر لكاهن، ونراه يتذكر بحزن وإجلال والده الذي ضحى بنفسه لإنقاذه، وقد بذل جهده لكي لا ينهج ابنه “طريق الجحيم”، الذي اضطر هو شخصيا لأن يسلكه بحكم تبني العراب له، ونظرا لضيق العيش في عصر الكساد الكبير الذي أصاب أمريكا بثلاثينات القرن الماضي.

نال المصور السينمائي كونراد هول جائزة احسن تصوير سينمائي عن المشاهد البصرية الرائعة، حيث صورت بمعظمها في أجواء ضبابية ماطرة ، مع سيطرة الألوان الرمادية والقاتمة على معظم المشاهد باستخدام إضاءة فريدة، وبدت بعض المشاهد وكأنها لوحات رسم انطباعية جذابة. أدى الممثل المخضرم الراحل بول نيومان واحدا من أعظم أدواره السينمائية كعراب عجوز “مجرم وشغوف وحكيم” في آن واحد، وانطبعت في ذهني مقولة رائعة له بأحد مشاهد القتل العنيف وعمليات التصفية المتبادلة، عندما قال معلقا: “لن يدخل أحد منا الجنة أبدا نحن القتلة”. هذا التعليق ينطبق على مصير كل “المسؤولين الحكوميين والمتمردين وأدعياء الثورة والمعارضة العرب” اللذين تسببوا بـعمليات القتل والقصف والتفجيرات وسفك الدماء، التي تجري حاليا في بلاد ما يسمى الربيع العربي.

وأبدع الممثل جود لو بدور المصور الفوتوغرافي والقاتل المأجور، الذي أدى دورا ساديا غريبا تمثل بـ”وسواس مرضي” يجبره على قتل “الجرحى المصابين” خلسة وتصويرهم مباشرة بعد قتلهم، جامعا صورهم بشكل “ألبوم صور” للتباهي والاستعراض وتحقيق المتعة السادية.

تشابهت بعض مشاهد المطاردات هنا مع مشاهد المطاردة بفيلم “سكاي فول”، وخاصة بأعلى ناطحة السحاب في شنغهاي وبدت حابسة للأنفاس وفريدة الطابع، كما أن مشاهد النهاية تشابهت بالتأثير الحزين الذي تركته لدى المشاهد بالرغم من اختلاف التفاصيل.

تميز هذا الشريط الرائع بقلة الحوار وبأسلوب توصيل الانطباعات والأحاسيس العاطفية بواسطة التصوير الشاعري الخلاب وباستخدام موسيقى جنائزية حزينة، ومع ذلك فالفيلم لا يجر المشاهد للانغماس في الأحداث بحماس وإن بدا مقنعا وممتعا، وقد وصف احد النقاد هذا الشريط بقصيدة سينمائية حزينة.

العودة لمسقط الرأس: سكاي فول:

يحاول كيو في الموقع الجديد لـ ام آي 6 فك تشفير جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بسيلفا، ولكنه بلا قصد يسهل لسيلفا الهرب لداخل النفق بتدبير ودهاء هذا الأخير، ويتنكر سيلفا بهيئة شرطي، ويعلم بوند بمقصده فيهرب مع الرئيسة ام لمنزل طفولته في منطقة “سكاي فول” بإسكتلندا، منسقا مع كيو للإيعاز إلكترونيا لسيلفا لمطاردتهم هناك مع رجاله. في سكاي فول يلتقي بوند و”ام” مع العجوز كينكيد (حارس الطرائد في ممتلكات بوند العقارية)، ويستعرض معه الأسلحة الخفيفة المتبقية ومنها بندقية قديمة وخنجر حاد، ثم يصل سيلفا بشكل استعرضي مع رجاله على متن طائرة هليكوبتر، بعد أن يمهد أولا بإرسال مجموعة يقتل معظمها. ويقوم بوند بإرسال كينكيد و”ام” من خلال نفق سري في الجزء الخلفي من المبنى القديم الذي يوصل لكنيسة قديمة معزولة في وسط ملعب مهجور.

ويستخدم سيلفا بهجومه الكاسح قوة نيران الهليكوبتر مع إلقائه لقنابل يدوية حارقة من خلال نوافذ المبنى، ولكن بوند يحضر له مفاجأة بتفجيره لأسطوانتي غاز كبيرتين مع شحنة ديناميت، مما يؤدي لانفجار هائل يقتل عددا كبيرا من رجال سيلفا ويفجر المروحية، فيما يرى سيلفا كشاف كينكيد وشعلته من بعيد، ويتزامن ذلك مع لقاء بوند لأحد رجال سيلفا على سطح بحيرة متجمدة، ويسقط كلاهما ويتعاركان تحت الماء، حيث يتمكن بوند كعادته من القضاء على خصمه، مسارعا خطاه نحو الكاتدرائية المهجورة ومباغتا سيلفا (قبل أن ينتحر ويقتل “ام”) بخنجر سريع يخترق ظهره، فيما تموت الرئيسة متأثرة بجراحها النازفة. ونلاحظ في المشاهد الأخيرة تولي مالوري لموقع الرئاسة، في حين تتولى رفيقته السمراء عمل السكرتارية متخلية عن العمل الميداني.

فيلم بذروات ثلاث شيقة:

حقق هذا الفيلم المميز باعتقادي ثلاث ذروات سينمائية لافتة، في البداية وفي المنتصف وفي النهاية وهذه مهارة إخراجية تستحق التنويه لأنها شدت المتفرج لمتابعة القصة حتى النهاية، وأعطت زخما دراميا ومشهديا للفيلم.

البداية الحركية المثيرة والتي انتهت بإصابة بوند وسقوطه في الماء من فوق قطار سريع، قادت متفرجا طريفا لكي يدعو أصدقائه لمغادرة القاعة قائلا: اذا قتل بوند فقد انتهى الفيلم، دعنا نغادر إذن! أما في الوسط فتتلخص الذروة برحيل بوند للصين ومواجهته من جديد لخصمه القناص الماهر الشديد البأس، حيث دخلا بعراك بالأيدي انتهى بسقوط القناص من أعلى ناطحة سحاب بشنغهاي دون أن يحقق بوند غرضه بمعرفة الشخص الذي .

أما الذروة الثالثة فكانت تلقائية وغير متوقعة وفي نهاية الشريط، وتمت تحديدا في موقع “سكاي فول” الساحر في الريف الاسكتلندي، وفي كنيسة قديمة مهجورة عندما تمكن بوند من قتل خصمه اللدود سيلفا وباغته بخنجر حاد انغمس بظهره، قبل أن يقدم هذا الأخير من قتل الرئيسة المجروحة “ام” برصاصة ينتحر بها وتخترق رأسيهما معا، في مشهد مجازي لمقتل الجلاد والضحية معا.

الممثلة جودي دينشوأعتقد أن نهاية “ام” المحزنة كنتيجة للجروح والنزف المتواصل الذي تعرضت له كان “تغييبا” ذكيا منطقيا ومدروسا لإعادة إصدار السلسلة بروح جديدة مع دخولنا للعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، حيث استلم مالوري المدير العصري الشاب مكانها بإدارة المنظمة، ليراعي متطلبات العصر الجديد في إدارة العمل الأمني–الجاسوسي، والتي يحتوي على مكونات وتحديات جديدة كالإرهاب العالمي (بصنوفه المستجدة كالإرهاب الكيماوي والبيولوجي والنووي) والقرصنة الإلكترونية، ولمواجهة بوادر عصر بارد جديد بدأت ملامحه تظهر للعيان، وللتصدي الاستخباري للمؤامرات الخفية واقتسام مناطق النفوذ والطاقة والموقع الاستراتيجي الحيوي، وقصص الجاسوسية والمطاردات العالمية التي تدور حول هذه المواضيع القديمة-الجديدة، آخذين بالاعتبار التطورات التقنية المذهلة التي دخلت بقوة لكافة مناحي الحياة والأعمال في عالم شرس لا يرحم تسوده المعرفة ومكونات القوة الناعمة.

ويبقى أن أتحسر بحرقة على الموقع المتراجع دوما لامة العرب التي تسود دولها الفوضى اللاخلاقة والانقسامات الدينية والطائفية والعرقية والإقليمية، والتي تعيقنا كدول وشعوب عن بناء المستقبل والأوطان وتشتت جهودنا عن مواجهة تحديات العصر الكبيرة.