23 ديسمبر، 2024 4:11 م

عرض كتاب / صفحات من تاريخ العراق المعاصر1914-1958 – مذكرات الفريق أول ركن صالح صائب الجبوري

عرض كتاب / صفحات من تاريخ العراق المعاصر1914-1958 – مذكرات الفريق أول ركن صالح صائب الجبوري

تحقيق و مراجعة اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس/منتدى المعارف/بيروت – 1912

الكتاب الموجود بين يدينا هو عبارة عن مذكرات الفريق أول ركن صالح صائب الجبوري. والمذكرات هي مكتوبة بدقة عالية حيث كان المؤلف شديد الحرص على كتابة مذكراته يومياً ولهذا السبب فقد جاءت المذكرات مملوؤة بالتواريخ الدقيقة ووسط أحداث شهدت مولد الدولة العراقية وحتى انقلاب 14 تموز عام 1958.
ولد صائب صالح الجبوري في بغداد عام 1898 وهو ينتمي الى قبيلة الجبور العربية حيث يعتبر من أبرز الشخصيات المنتمية الى هذه القبيلة والتي وصلت الى مراتب عالية في الجيش وفي الخدمة المدنية لدى الحكومة العراقية. لقد درس المؤلف في المدارس العسكرية في بغداد واسطنبول ثم عين في الجيش العثماني سنة 1915 برتبة آمر فصيل والتحق في جبهة القتال الشرقية لمحاربة الروس خلال الحرب العالمية الأولى 1914-1918 ولكن روسيا أنسحبت من الحرب عام 1917 أثر الثورة الشيوعية فيها ولكن الأتراك أستمروا يحاربون الأرمن في المناطق التي خلفها الروس. وقد أعترف الكاتب بوجود مذابح خلال تلك الفترة (1918) سواء من الأتراك ضد الأرمن أو من قبل الأرمن ضد القرى التركية المسلمة.
وعندما قامت الدولة العراقية وتم تشكيل الجيش العراقي التحق صائب صالح الجبوري في صفوف ذلك الجيش في آب 1921 و عمل مدرساً في الكلية العسكرية. وتبدأ عقب ذلك فترة عقود من الزمن تدرج خلالها في المناصب والرتب في الجيش وأُوفد خلالها الى انكلترا في دورات تدريبية وأنتهى به الأمر لكي يصبح رئيساً لأركان الجيش العراقي وهو برتبة آمر لواء ركن. وقد شارك صاحب هذه المذكرات في المعارك ضد الأشوريين والأكراد في شمال العراق علاوة عن حرب فلسطين عام 1948.
لم تكن حياة صائب صالح الجبوري في الجيش حياة سهلة فقد أُحيل الى التقاعد بعد اتهامه زوراً بالمشاركة في الاعداد لمحاولة انقلاب عام 1939 ولكن الحقيقة ما لبثت ان ظهرت وأُعيد الجبوري الى الجيش مع احتساب كل فترة تقاعده خدمة فعلية وما يترتب عليها من حقوق. عاش صاحب المذكرات بعيداً عن السياسة والحياة السياسية وكان لا يؤمن بفكرة تدخل الجيش في السياسة ولهذا السبب أبتعد عن التدخل في انقلاب 1936 لبكر صدقي وثورة عام 1941 التي ساهم في القيام بهد عدد من ضباط الجيش والساسة العراقيين وكان ينصح أولاده بالإبتعاد عن العمل في السياسة في مستقبلهم.
ويمكن بشكل عام تقسيم حياة الفريق أول ركن صائب صالح الجبوري الى قسمين القسم أو الفترة الأولى من حياته قضاها في الخدمة العسكرية في الجيش العراقي (1921-1951) وقد تم الحديث أعلاه عن هذه الفترة. أما الفترة الثانية فهي فترة عمله في الخدمة المدنية وتبدأ عام 1951 وتنتهي عام 1958 بقيام ثورة 14 تموز عام 1958, وقد أنتهت حياته السياسية عام 1951 عندما عُيّن عضواً في مجلس الأعيان فترك الخدمة في الجيش العراقي بناء على طلبه. والواقع أن البرلمان العراقي خلال فترة الحكم الملكي للعراق كان يضم مجلسين الأول هو مجلس النواب وهو المجلس الذي ينتخب أعضاءه من قبل الشعب أما المجلس الثاني فهو مجلس الأعيان وأعضاء هذا المجلس يتم إختيارهم من قبل الحكومة من بين الشخصيات العراقية المرموقة التي قدمت خلال حياتها خدمات جليلة للعراق. ففي آب 1954 تم إستيزار صائب صالح الجبوري كوزير للمواصلات والأشغال في وزارة نوري السعيد الثانية عشرة. وفي السنوات التي تلت ذلك تم إستيزار الفريق أول ركن صائب صالح الجبوري عدة مرات في وزارات مختلفة حيث شغل منصب وزير الأعمار وكان أخر تعيين وزاري له هو منصب وزير الأشغال والمواصلات في وزارة السيد أحمد مختار بابان 19 مايس 1958 إلى إنتهاء العهد الملكي وإسقاط الوزارة بحكم ثورة 14 تموز عام 1958.
أشترك صائب صالح الجبوري في حرب فلسطين لعام 1948 إشتراكاً فعلياً وقوياً. وقد كتب كتاباً خاصاً عن حرب فلسطين ودور الجيش العراقي فيها هو كتاب “محنة فلسطين وأسرارها السياسية والعسكرية” وقد تم نشر الكتاب عام 1970 “بيروت، دار الكتب” حيث يبين الكاتب فيه الدور المشرف الذي لعبه الجيش العراقي في تلك الحرب والدفاع عن عروبة فلسطين حيث يقول الكاتب بأن العراق”شارك بأكبر قدر من القوات العربية التي شاركت في تلك الحرب متفوقاً في ذلك حتى على عدد القوات المصرية التي شاركت في تلك الحرب”.
ان هذا الكتاب مهم بالنسبة لكل شخص مهتم بتاريخ العراق الحديث وخصوصاً اولئك المهتمين بتاريخ الجيش العراقي وكيفية بناءه، وقد كُتبت المذكرات بأسلوب مميز مما يحفز القارئ على القيام بقرائته الى النهاية.
وما كان لهذا الكتاب أن يُنجز لولا اخلاص وحماس نجل الكاتب وهو الدكتور عامر صائب صالح الجبوري لتحقيق عهد اتخذه على نفسه لنشر مذكرات والده كما وأن مجهوداً مشكوراً ومحموداً بذله اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس الذي قام بتحقيق ومراجعة تلك المذكرات ولكتابة هوامش للصفحات كما وأن الفضل يعود أيضاً في إنجاز هذا الكتاب إلى الأستاذ الدكتور مأمون أمين زكي أستاذ العلوم السياسية الذي بذل نشاطاً كبيراً في إيجاد التواصل بين الدكتور عامر الجبوري واللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس.