23 ديسمبر، 2024 5:47 م

عرض كتاب : سينما الواقع ..دراسة تحليلية في السينما الوثائقية للناقد كاظم مرشد السّلوم

عرض كتاب : سينما الواقع ..دراسة تحليلية في السينما الوثائقية للناقد كاظم مرشد السّلوم

السينما الوثائقية شكل تعبيري جاء حضوره مبكرا مع بداية الفن السينمائي عبّر من خلاله الرواد الاوائل عن رصدهم لجوانب وصور من الحياة اليومية، فكان هذا النمط الفني في مقولاته الجمالية متصدياً للواقع المعاش بكل صوره المرئية.وباتت الافلام الاولى التي تم انتاجها على يد عدد محدود جدا من المغامرين امثال فيرتوف وثائق تاريخية تضاف الى بقية اشكال الوثائق الاخرى كالصحيفة والكتاب والمخطوطة عادة  مايعود اليها الدارسون من اجل قراءة جوانب معينة لفترة زمنية محددة . وباتت تتعاظم اهمية الافلام الوثائقية يوما بعد آخر لدى عموم المتفرجين اضافة الى اهميتها لدى الدارسين..عن هذا الشكل السينمائي جاء الاصدار الجديد “سينما الواقع دراسة تحليلية في السينما الوثائقية ”  للناقد السينمائي العراقي كاظم مرشد السّلوم، وقد صدر في نهاية العام 2012 عن دار ميزوبوتاميا بالاشتراك مع مكتبة عدنان للطباعة النشر والتوزيع ودارأفكار للدراسات والنشر. . تقديم  الكتاب جاء بكلمة تحت عنوان ( الفكرة لا الحبكة ) كتبها د. عقيل مهدي عميد كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد ،يقول فيها :” بخلاف الحبكة الروائية،والعالم الموازي التخيلي،الذي يمكث فيه الفلم الروائي إزاء الواقع تنتظم عناصر الفلم الوثائقي بصورة موثقة للواقع الموضوعي المعاش نفسه بمنهجية علمية تنشد الجمال بطريقتها الخاصة في التعبير الفني من خلال الفلم بوصفه خطابا عن افكار المخرج المتفاعلة مع العصر وإعلاء اللحظة اليومية المعاشة الى مستوى تأريخي مستقبلي ببراعة صنعته التقنية،فالمخرج يوظف ثقافته الخاصة بإطارها الاجتماعي والحضاري والمادي بعدأن امتلك الحرفة السينمائية ولغتها المميزة ومادتها الواقعية في فلمه الوثائقي” . .
فهرس الكتاب تضمن اربعة فصول سبقها مقدمة قصيرة بأربعة صفحات  بقلم المؤلف قدم فيها فكرة موجزة عن طبيعة هذا الجنس السينمائي مع ماجاء من تعريفات مختلفة على لسان ابرز من قدم هذا النوع من الافلام مثل جريرسون رائد السينما الوثائقية الذي يقول عن الفلم الوثائقي بأنه   :”معالجة الاحداث الواقعية الجارية بأسلوب فيه خلق فني ” . كما لايفوت المؤلف أن يذكر تعريفات اخرى وردت على لسان نقاد اخرين مثل هيلا كولمان ومنى الحديدي،ليصل بالنتيجة الى تثبيت فهمه الخاص للفيلم الوثائقي يؤطره في تعريف محدد :” شكل متميز من النتاج السينمائي يعتمد بشكل اساسي على العلاقة بين صانع الفيلم والواقع الحقيقي،من خلال رؤيته وتحليله للواقع باعتماده شكلا فنيا في تناوله لهذا الواقع “. ويتوقف السَّلوم امام التعريف اللغوي لكلمة الواقع المشتقة من الفعل (وقع ) الشيء، ومنه يقع وقعاً ووقوعاً.. الخ ليصل هو الى التعريف الاقرب كما يتصور في اطار موضوع الكتاب هو  :”المادة الاساس المتوافرة في المعطى الحياتي والذي يتم توظيفه بكيفيات وآليات متنوعة داخل بنية الفيلم الوثائقي ليصبح الواقع بمظاهره الفيزياوية انعكاسا فنيا ً وتمثلا لصوره الفيزيائية “.
الفصل الاول يبدأمن صفحة ( 15- 43  )وقد جاء تحت عنوان “فلسفة الحقيقة والواقع في الافلام الوثائقية”. هذا الفصل يتناول مفهومي الحقيقة والواقع في اطار الفلسفة على اعتبار أن صانع الفلم هنا عندما يتناول الواقع يقصد اظهار أوالوصول الى الحقيقة وفقاً لقناعة فلسفية ينطلق من خلالها في رؤيته لهذا الواقع الذي هو “مرجع الحقيقة، فكل ماهو واقعي هو حقيقي ” . ويشير السلوم في هذا الاطار إلى أن “السينما الوثائقية من حيث المبدأ هي وثيقة عن الحياة والواقع تتجسد مادتها عن طريق العكس أو التصوير المباشر لهما “. كان من المنطقي أن يمر مسارالسينما الوثائقية بتحولات مهمة في المفاهيم في مايتعلق بعلاقتها وتعاملها مع الواقع فيذكر المؤلف في هذا الفصل اتجاهان حكما هذا التطور في المفهوم :” الاتجاه الاول يرى أن “السينما التسجيلية مرآة تعكس الواقع من دون تدخل المخرج أو الممثل وعبّر عن هذا الاتجاه منظرون كبار مثل الالماني (زيغفريد كراكاور والفرنسي انريه بازان) والاتجاه الثاني ينظر الى الواقع لابوصفه هدفاً بل كطريق للوصول الى الهدف وهو التعبير الفني عن الواقع من قبل الفنان ولكن من خلال مادة الواقع نفسه التي تُستخدم كوسيلة وليس كغاية بحد ذاتها وابرز منظري هذا الاتجاه هو المخرج دزيغا فيرتوف “. وهنا يذكر المؤلف مثالا مهما عندما قامت احدى الشركات السينمائية بتكليف 11 مخرجا من 11 بلدا لعمل فيلم من 11 دقيقة عن حادثة الحادي عشر من سبتمبر كل بمفرده وبحسب رؤيته للحدث تاركة لهم حرية الاختيار وبحسب تجربة وحس وخلفية المخرج الثقافية والتاريخية والفنية”.
الفصل الثاني من الكتاب جاء بعنوان “الانواع الفلمية للسينما الوثائقية وأشكال تناولها للواقع “.وفي هذا الموضوع يورد الكتاب تصنيفيا نوعيا متنوعاً ومتعددا ومختلفا لعدد من المخرجين الكبار في عالم الفلم الوثائقي، ولكن على الرغم من هذا التنوع في التصنيف لكن هنالك مشتركات واضحة كما حددها رائد السينما الوثائقية جون جيريرسون وهي :”المستوى الاول وهو مستوى ادنى ويشمل الجرائد والمجلات السينمائية والافلام التعليمية والعلمية وهي تفتقر الى البناء الدرامي وتعتمد على الوصف والعرض حيث تعتمد على الاستطراد . والمستوى الثاني وهو مستوى أعلى يُطلق عليه الافلام الوثائقية وتقدم خلقا فنيا يمكن أن يبلغ مراحل الفن العليا وابراز المغزى الذي ينطوي عليه خلق هذه الاشياء “. ويستعرض الكتاب في هذا الفصل الاسس التي يقوم عليها الفيلم الوثائقي في تناوله للواقع وهي : المقابلات الشخصية،الارشيف،استخدام الممثلين،الصورالفوتوغرافية ،الرسائل والمذكرات،استخدام برامجيات الحاسوب. .كما يتطرق ايضا في هذا الفصل الى عناصر تناول الواقع في الفيلم الوثائقي والتي هي: 1- السرد الفلمي ( موضوعي وذاتي ) وتكون آلة التصوير هي الاداة الرئيسية في السرد “. ويقول المؤلف هنا:”السرد في الفلم الوثائقي يعتمد على النقل المباشر ومتابعة الفعل في فضاء المكان وهذا مايجعله حريصا على اعتماد الحاضر في نقل الاحداث من دون الغور في ارتدادات ذاتية قد تمثل وجهة نظر صانع العمل أكثر من الشخصيات المشاركة في الفيلم ” 2-التصوير 3- المونتاج 4- المكان 5- الزمان 6- الصوت (الموؤثرات الصوتية +الحوار واللقاءات +الموسيقى +الصمت )7- الشخصيات . . كما يستعرض هذا الفصل صورة أو شكل البطل في الفلم الوثائقي وهوبالضرورة ” ليس شرطاً أن يكون شخصية بل من الممكن أن يكون المكان والدافع بكامل شخوصه “. وهنا يشير المؤلف الى النقاط الثلاثة التي حددها كارباج لاختيار البطل في الفيلم الوثائقي وهي :”1- وضوح الحالة إذيتوجب على صانع الفلم أن يتمكن من توضيح القضية وافهامها للبطل ليعرف من اين يبدأ ،  2- العلاقة الحميمة، فكلما كانت العلاقة اكثر حميمية مع البطل نتج عن ذلك بوح بخفايا الموضوع ،3-  الصّبر ،ويعني أن يمتلك صانع العمل الصبر في الاستماع والتوغل في عينة البحث .
ويتطرق هذا الفصل ايضا الى أتجاهات الفيلم الوثائقي وهي : الاتجاه الواقعي ، الرومانسي ،السمفوني ،أتجاه السينما عين . . . ويصل المؤلف في هذا الفصل الى التطرق لموضوعة الاشكال الاساسية التي يتم من خلالها تناول الواقع فنيا في بناء الفلم الوثائقي وهي : الشكل الاول :إعادة بناء الوثيقة (إعادة بناء الحدث ) الشكل الثاني : الملاحظة الطويلة في متابعة جميع مايحدث امام الكاميرا من دون انفقطاع . لمدة طويلة من الزمن . الشكل الثالث : المعايشة والتخطيط قبل الشروع في عملية التصوير. الشكل الرابع : السينما عين ،وقد ارتبط هذا الشكل الاخير بتجربة (دزيغا فيرتوف ) .
يأتي الفصل الرابع تحت عنوان (السمات الجمالية للأفلام الوثائقية ) ليشير الى حقيقة اساسية تؤكد” امتلاك السينما للتأثير الجمالي منذ لحظة ولادتها وقد ضمن لها هذا التوجه الجمالي القدرة على التأثير لأن النتاج الفني الخالي من التأثير الجمالي يبقى في حدود المنفعة المباشرة “. وبعد أن يستعرض الكتاب مفهوم الجمال فلسفيا ونفسيا يتطرق الى طبيعة ماجاء به المؤسسون الاوائل للفلم الوثائقي من مفاهيم جمالية حيث عدّالبعض منهم أن التعامل مع بعض عناصر اللغة السينمائية انما هو تدخل في الواقع الذي تشتغل الافلام الوثائقية عليه خاصة بعد التوصل الى مفاهيم ثورية في فن المونتاج الذي منح اللقطات معنى آخرعند ترابطها مع بعضهااضافة الى الافادة الكبرى من التطور الحاصل في الات ومعدات التصوير والذي اضاف كما يشير الكتاب الى الافلام الوثائقية الكثير من السمات الجمالية لذا لم تعد وظيفة الفلم الوثائقي نقل الواقع بقدر ما تعدى ذلك الى خلق عالم جديد انساني حقاً . ثم يتعرض الكتاب الى الفروقات الجمالية مابين الفلم الوثائقي المنتج للتلفزيون والفلم الوثائقي المنتج للسينما فمنها ماله صلة بالفرق بين حجم شاشة العرض ومنها مايتعلق بخصوصية العرض في صالات السينما عنه في البيت ومنها مايتعلق بأهتزازات الكاميرا في الفلم الوثائقي والتشوهات في الصورة والتي تعد سمات جمالية خاصة به تأتي من طبيعة الاثارة التي تحدثها لدى المتلقي بسبب من مصداقية مايجري امامه كما إن عدم الاهتمام بالموازنة داخل الفيلم يعد ايضا سمة جمالية وفارقا كبيرا بينه وبين الفلم الروائي كما أن المؤثرات الصوتية الطبيعية والحقيقية هي ايضا سمة وخاصية جمالية للفيلم الوثائقي،وهنا لايفوت المؤلف الاشارة الى الفلم الوثائقي الذي يستخدم الممثل ويطلق عليه ( الدوكودراما ) وبداية ظهور هذا النوع في فيلم ( المانيا تحت الرقابة ) للمخرج البريطاني روبرت بار،والذي يرى أن :”استخدام الممثل في السينما التسجيلية يمثل نوعاً من الاثراء للافلام التسجيلية”.
أما الفصل الرابع من الكتاب فقد جاء تحت عنوان ( التطبيقات ) ويقول السّلوم هنا :”حاولنا في هذا الفصل اختيار عينات تمثل اشكال متنوعة من عملية تناول الواقع في الفيلم الوثائقي …..” وقد اختار السلوم اربعة افلام يراها نماذج معبرة ومتنوعة عن الفلم الوثائقي والافلام هي : (الارض) للمخرج الستر فوتريل وهو من انتاج ال بي بي سي . وفلم (القرار الاخير) للمخرج أنور الحمداني . والفلم الثالث هو (أبيكليبس ) أو الحرب العالمية الاولى وهو من انتاج ال بي بي سي والفلم الرابع والاخير ( عالم الطيور ) وهو سلسلة تقارير شاملة عن حياة الطيور وهو من انتاج مايك سيبليري .
ينتهي الكتاب بخاتمة استخلص فيها المؤلف اشكال واسباب التنوع في الفيلم الوثائقي والتي يجملها في اربعة نقاط  :”1- شكل المعايشة 2-شكل الملاحظة 3-شكل البناء المونتاجي 4-شكل اعادة بناء تمثل الواقع  .
عموما الكتاب اضافة مهمة للمكتبة السينمائية التي تفتقر الى دراسات تتسم بالجهد البحثي الذي تتوفر فيه الاشتراطات العلمية ،والسلوم ناقد سينمائي من مواليد بغداد يحمل شهادة ماجستير سينما من جامعة بغداد كلية الفنون الجميلة وعضو في اتحاد الادباء والكتاب العراقيين ونقابة الفنانين واتحاد السينمائيين ونقابة الصحفيين ورئيس ملتقى الخميس الابداعي في اتحاد الادباء والكتاب العراقيين ويكتب النقد السينمائي في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية، وفي مسيرته الفنية ثلاثة افلام تولى اخراجها وهوالان يعمل معداً للبرامج الثقافية في القنوات الفضائية .