23 ديسمبر، 2024 11:36 ص

بعد سقوط النظام السابق وبدء تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، توالدت مصطلحات لم تكن موجودة في سجل يوميات العراقيين. منها مصطلح (الكعكة) وهو يختلف اختلافا جذريا عما كنا نفهمه وعما كانت تعنيه هذه المفردة، إذ لم يكن هذا المصطلح منتشرا إبّان حكم صدام، ذلك أن الكعكة برمتها كانت له وحده، حتى حل عام 2003. يومها برز على الساحة العراقية أشخاص من داخل العراق وخارجه، وهب الى أرضه رجالات من كل فج عميق، وظهر -فجأة- من ينادي بالوطن من كل حدب وصوب، وهم تحت مسميات عدة. فمنهم المعارض، ومنهم المطارَد ومنهم المهمش ومنهم المنفي ومنهم المحكوم بالاعدام. كما أن كثيرا منهم جاء بقالب سياسي أو بلبابس ديني، فيما هو في حقيقة الأمر كان في دولة غير بلده يمتهن مهنة حرة، لم يكن يمتهن قبلها شيئا غير اللجوء. وقطعا لاينكر ان هناك من بينهم من كانوا يتبوأون مراكز عليا في مؤسسات البلد، في زمن النظام السابق، ومن كانوا يشغلون مناصب مرموقة، ووظائف حساسة، لكن لايمكن القول انهم كانوا في مواقع قيادية.. فالقيادة كانت بيد شخص واحد، ولايمكن لكائن من كان في أعلى المناصب والمراكز، ان يتدخل حينها في أي قرار من لدن القائد الضرورة، سواء أصائبا كان القرار أم خاطئا!. وبتحصيل حاصل.. لو استثنيا الشخصيات الصادقة والصدوقة، صاحبة الماضي العريق والمشرف في النضال ضد الدكتاتور، والذين قدم بعضهم حياته ثمنا لنضاله، او الذين عادوا الى أرض الوطن بعد سقوط النظام لخدمة العراق والعراقيين، وكذلك الشرفاء الذين لم تثلم وطنيتهم إغراءات المناصب والجاه والمال، فان الساحة السياسية أصبحت عقب السقوط أشبه بحلبة مصارعة، شهدت اقتتالا شرسا ومستميتا على جملة مكاسب، لم تكن واحدة منها تمت الى الوطنية بصلة، فكانت تسمية الكعكة أدق التسميات، واقتسامها كان أصدق تعبير وأقربه الى واقع سياسيي تلك السنين -وهذي السنين أيضا- بل أن أغلبهم كشف بعد تسنمه مهام أعماله، عن أوراقه الحقيقية ورسالته التي تدفعه على أدائها أطماعه ورغباته الشخصية اوالفئوية، للعب بها على طاولات مجالس الدولة الثلاث. وبعد ثلاثة عشر عاما وبعد أن امتلأت جيوبهم على حساب إفراغ خزينة الدولة من أموالها المنقولة وغير المنقولة، صار كل فرد منهم يدعي العفة والنزاهة في تأديته واجباته المنوطة به، وأنه حاول جاهدا النهوض بوزارته او مؤسسته بحرص شديد، ولايفوته طبعا إلقاء اللوم على سابقه بتردي مستوى أدئها، او يعزي نكوص خدماتها الى تهاوي ميزانية الدولة الى حيث لايعلم -وهو سيد العارفين-، او يعلق على شماعة الضغوط تقصيره وتلكؤه في الأداء. وكناتج حتمي لكل هذه الأساليب في الإدارة، آلت مؤسسات البلد الى مراتع كبيرة تنشط فيها اصناف الفساد، وتمارس في أقسامها فنون السرقات والتحايلات والالتفافات على القانون والمواطن على حد سواء، فصار المثل؛ (موت وخراب بيوت) ينطبق تماما على ما نحن فيه. إذ علاوة على نهب أموال الدولة عن آخرها وتصفير الجانب المادي فيها، يتسابق السراق على تصفير رصيد البلاد من أي إمكانات وقدرات في جوانبها الباقية. فالجانب الثقافي على سبيل المثال لا الحصر هو أول الأركان المهمشة حد النسيان، وبات الاهتمام به في المراتب الدنيا لأولويات ساسة البلد وأولي أمره. والجانب التعليمي هو الآخر، أضحى أطلال حضارة لاتمت بصلة الى العلم والتحضر. كذلك الجانب الصحي، فقد هاجرته الكفاءات مجبرة، وسط إهمال المعنيين به. أما جوانب البلد الباقية المتمثلة بالقطاعات الانتاجية والخدمية، فأظن السلام قد قرئ عليها منذ حين. ومع كل هذا التردي مازال السراق يشحذون سيوفهم و (يحدون سنونهم) لينهشوا لحم المواطن المسكين الذي لم يعد له غير الصبر حولا والانتظار قوة -بعد الله طبعا-.
[email protected]