18 ديسمبر، 2024 7:54 م

عرض الأسد: هل البقاء يستحق كل هذه الأثمان؟!

عرض الأسد: هل البقاء يستحق كل هذه الأثمان؟!

عرض السلام الذي قدمه الأسد لاسرائيل و الذي سربته قناة “سبوتنك” الروسية ونقلته عنها بي بي سي البريطانية قبل ان تعود و تتجاهله تماماً في نشراتها اللاحقة؛ و برغم الرفض الاسرائيلي المحتمل له؛ ستكون تأثيراته كبيرة بكل تأكيد خصوصاً علي الجهود الاميركية و الاسرائيلية الرامية لتطبيع الوجود الاسرائيلي في المنطقة، فرفض هذا العرض من جانب اسرائيل سيعزز موقف المعارضين للتطبيع في الدول العربية..
و فيما كانت اميركا و اسرائيل تسعي لتطبيع وفقاً لرؤيتها و من منظورها يدخل نظام البعث الي هذا المضمار بحثاً عن التطبيع لعودته الي المنظومة الدولية و المنطقة بما في ذلك الجامعة العربية و لكن من باب غير مطروق هو باب اسرائيل و اميركا!
كان اندلاع انتفاضة سلمية في سوريا امراً مفاجئاً للجميع و اولهم نظم الاسد و قادة البعث و الائتلاف الحاكم في دمشق “الجبهة الوطنية التقدمية”.. لذا كان التصدي لتلك الانتفاضة بكل الوسائل حاضر في ذهن و اجندة النظام السياسي السوري و الذي برغم جهد اكثر من نصف القرن من تزيينه و تقديمه كنظام “قومي” تكشف في ضوء الانتفاضة ليظهر علي حقيقته كنظام طائفي “علوي” و أسري “سوريا هي أول جمهورية تنجح في توريث الرئاسة” و الغلبة فيه لأسرة الأسد و اقاربه و اصهارهم!
تزامن مع اجندة التصدي بكل وسائل القمع تلك توافق من الانظمة الشمولية في المنطقة لدعم ذلك القمع بهدف فرملة الثورات و التي اعتمدت نهج عابر للحدود الوطنية و متنقل من بلد لآخر دون اعتبار للخصوصيات “تونس ثم مصر ثم ليبيا ثم اليمن ثم سوريا ..” فبعض تلك الانظمة تدخل صراحةً في صف نظام دمشق “طهران” بينما الآخر تدخل بزعم دعم المنتفضين بينما هم في الواقع يسهلون عملية قمع التغيير و تحت هذه المظلة تقف انقرا و معظم عواصم المنطقة!
تزامن ذلك ايضاً مع لامبالاة دولية من العواصم الغربية “باريس و لندن و واشنطون” و الذين تركوا سوريا و المنطقة لمصيرها و لم يتدخلوا إلا بمبرر محاربة تنظيم الدولة “داعش” و الذي لم يكن إلا احد تمظهرات الازمة في سوريا و جارتها العراق!
بينما و بالنسبة لموسكو لا تعدو سوريا كونها فخ وقعت فيه و عليها ان تتظاهر بالتماسك حتي تخرج بأقل الخسائر؛ فيوم تدخلت و لصالح حكومة الأسد كانت تظن ان هناك مزاد سياسي و سوق للمواقف و المصالح سينعقد في المنطقة.. لكن بمجرد تورطها اكتشفت زهد واشنطون في الأمر برمته و زهد أوروبا و اصبح عليها ان تدير وحدها تناقضات طهران و انقرا و تل ابيب و غيرهم في سهول سوريا! قد تطمع موسكو في ان تحظي بنصيب كبير من مشاريع إعادة الاعمار بعد التسوية لكن الآخرين لن يسمحوا بتسوية لا يكون لهم فيها حصص مقدرة..
و علي كل حال بالنسبة لكل تلك العواصم لا تعدو سوريا كونها شأناً خارجياً تورطوا فيها و لن يتعزر عليهم ايجاد المخارج .. فيما الورطة الحقيقية هي ورطة دمشق و نظامها، فبأي حجة ستبرر للتاريخ و في المستقبل كل هذا العنف و التوحش و الدمار الذي اشتركت فيه، هذا العنف يستحيل نسيانه و يتعزر علي الذاكرة الشعبية و السياسية نسيانه أو التسامح معه!
ورطة نظام الأسد هي ايجاد مبرر يجعل من استمراره في السلطة امراً ممكناً عند ابرام تسوية و استعادة الحياة الطبيعية، هل يلجأ النظام للانكار كعادة النظم الايدولوجية و الشمولية؟ انكار انه متسبب أو مساهم في هذا التوحش و الدمار؟! هذا الأمر غير ممكن حتي و لو تواطأ فيه الضحايا انفسهم ..
ان الثمن الذي اضطر النظام السوري شعبه لدفعه اكبر من السلعة التي يقدمها في المقابل -الاستقرار! البقاء في السلطة لم يكن يستأهل كل هذا الوقت و كل هذه العزلة و كل هذه الفظائع .. علي الأسد ان يفكر جدياً في تقديم سلعة افضل، فسوريا بعد التسوية لا يمكن ان تكون كسوريا قبلها و لا كسوريا البعث.