23 ديسمبر، 2024 12:33 م

عرس عراقي

عرس عراقي

كان اجمل قرار اتخذته الوزارات قبل فترة هو محاسبة الموظفين الذين يخوضون في نقاشات سياسية وطائفية على وجه الخصوص ، ولكن دولتنا تعمل بكل مفاصلها دون حسيب او رقيب ولهذا ترد هكذا نقاشات احيانا وتصل الى حد الشجار والخصام بين الموظفين كلما تأزم الوضع السياسي واكتشف العراقيون انهم انما يطفون على سطح بحر متلاطم الامواج من الاحقاد الطائفية والاتهامات المتبادلة …لكن الطائفية لم تكن وليدة الشعب يوما ولم يهلل لها الا بعد ان امسكت بتلابيب قيادته حكومات تدعو اليها وتؤججها …

في دائرتنا الصغيرة ، خاضت بعض الزميلات نقاشا دل قبل كل شيء على حبهما الجارف لوطنمها وخوفهما عليه وحرصهما على دماره لكن اسلوب النقاش لم يكن منطقيا ولاقائما على نظرة شمولية لمايحدث ولحجم المؤامرة على البلد بل تدنى الى تبادل الاتهامات والبحث عن مسؤول عما حدث ويحدث من بين الطوائف والقوميات العراقية التي تضررت كلها وحصدت نتاج سياسات تديرها اياد غريبة بحنكة ودراية وتخطيط مسبق وينفذ فقرات برامجها سياسيون وضعوا ضمائرهم على الرفوف وركبوا موجة البحث عن المصلحة الخاصة والامجاد الشخصية والمطامع التي لاتنضب ..

في مكان آخر، ومن دولة اوروبية ، وصلتني صور عرس عراقي جميل ارسلها لي شقيقي ولم اتعرف فيها الا عليه وعلى عائلته ..سألته عن هوية العريس والعروس وسبب حضورهما العرس فقال ان العريسين من المغتربين العراقيين وليس لديهما من يحتفل بهما هناك من الاهل والاصدقاء لذا قررالعراقيون هناك ودون معرفة مسبقة ان يقيما لهما عرسا عراقيا …كان منظمو الحفل والداعون له من السنة وكانت العروس شيعية من مدينة العمارة والعريس كردي من كردستان والمدعوون من كافة الطوائف والقوميات والمذاهب والاديان وكان مقدم الحفل ممثل عراقي مغترب من الموصل هو عامر العمري تطوع للاحتفاء بهما …وهكذا عاش المغتربون ليلة عراقية رائعة تعارفوا فيها وتغنوا باسم بلدهم وجعلوا العريسين يشعران بأنهما مازالا في حضن العراق …

هل هي الغربة التي دفعت كل هؤلاء الاشخاص الغرباء عن بعضهما الى تلبية هذه الدعوة بحماس وحب ووطنية ، ام انها حقيقة الشعب العراقي التي اتضحت بعمق خارج حدود الوطن في ظل غياب السياسيين وبرامجهم السخيفة ومؤامراتهم الدنيئة وفسادهم العفن …هكذا هم العراقيون كلما ابتعدوا عن التفكير بولاء او انتماء لطائفة او مذهب او قومية ما ..وهكذا هم كلما فكروا بمنطقية وتجرد وادركوا حقيقة مايحاك ضدهم وضد بلدهم من دسائس تقوده الى الانهيار وتقودهم الى التفكير بعشوائية وتخبط والتصرف احيانا بطريقة تفاقم سوء الاوضاع وتحقق للسياسيين غاياتهم في تقسيم الشعب واذلاله ليكون طوع يمينهم ويعود ليرفعهم على نفس المقاعد بناءا على انتماءات وولاءات بالية …

في مايخصنا ، نحن الداعون الى نبذ الطائفية والتعصب والباحثون عن المعدن العراقي الاصيل والنفيس ،ندعو اولا الى تجنب النقاشات السياسية العقيمة في اماكن العمل ونناشد العراقيين ان ينظروا بحب وانتماء لبلدهم ولكل من يعشقه وان يرفضوا كل الساعين الى دماره ابتداءا من السياسيين والاحزاب والفئات المتعددة التي تحفرحوله خندقا من الطائفية وصولا الى من يؤيدهم ويؤمن بهم عسى ان تبتلعهم آبار الحقد التي حفروها لنا وان يعملوا على تصفية بعضهم البعض ليصح المثل الذي يقول بان من حفر بئرا لأخيه وقع فيها …