23 ديسمبر، 2024 12:11 م

جاء في كتاب افواه الزمن للكاتب ادواردو غاليانو، انه قبل مايزيد على نصف قرن، حمل المسرح الوطني مسرحية عرس الدم الى ارياف منطقة سالتو، كانت مسرحية لوركا هذه آتية من ارياف اخرى، من ارياف اندلسيا النائية، انها تراجيديا اسرتين متعاديتين، حفل زفاف محبط، عروس مخطوفة، ورجلان يطعن كل منهما الآخر من اجل امرأة، ام احد القتيلين تطلب من جارتها:

الاتريدين ان تصمتي؟ لا اريد بكاء في هذا البيت، دموعك ليست الا دموع عينين، ليس اكثر، كانت مارغريتا شيرغو، على منصة المسرح، هي تلك الام المتكبرة والمتألمة.

عندما انطفأ التصفيق، دنا عامل زراعي من مرغريتا وقال لها حاملا القبعة في يده ومطأطئاً رأسه: انني اشاركك آلامك، فانا ايضا فقدت ابنا، جميع مآسي العالم تتوقف وترفع القبعة امام مأساة العراق، لان عرس الدم لم يكن فيه مسرحية تمثلها آسيا كمال او سواها من الممثلات، عرس الدم حقيقة واقعة، ولم يتبق رجل لم يرفع القبعة ويقول : انني اشاركك آلامك ، فانا مثلك فقدت ابنا، كل الابناء الذين فارقوا شبابهم كانوا هدية الشعب للوطن، على امل ان تثمر تلك الدماء وتزهر وطنا جديدا، بعيدا عن التقسيم والتجزئة.

للاسف كلما زادت التضحيات ، زاد الشعور بالضياع والتفرق، واشتدت حدة الطائفية، نموت معا وتختلط دماؤنا، وفي الليل يتنازع اثنان في فضائية مأجورة للاسلاميين او العلمانيين، وينسف الاثنان تضحية الاثنين ودمائهما، وتخرج صحف الصباح تنفث سموما باتجاه عرس دم جديد، وليطعن بعدها احدنا الآخر، ويصمت الآخرون عن البكاء احتراما لمراسم القتل اليومي، ابتدأنا بالجثث المجهولة الهوية، حيث كانت الطائفة تقتل نفسها، فانقذتنا المفخخات، وبدأ التفكير جمعيا بالطائفة، ليصبح الجميع طائفيين، تتفتق رؤاهم عن معالجة حقيقية لانقاذ مايمكن انقاذه والحيلولة دون وقوع المزيد من التضحيات.

سحبتنا الاحداث باتجاه التخندق، وربما نسيان مأساة الآخر لنفكر بمأساتنا ونبكي، وندعو ان ينصر طائفتنا دون كل الطوائف، ومنا من حمل سلاحه ولم يطق صبرا، لينتمي الى احد الفصائل المسلحة، هناك امر لم يتبادر الى ذهن الكونغرس الاميركي

عندما حاول تسليح السنة والكرد بمشروع قرار خاص بهما، وهو هؤلاء المقاتلون اين سيذهبون عندما تضع الحرب اوزارها، او تنتفي الحاجة اليهم، قطعا سيعودون للقتال بطريقة اخرى، وسيصنعون ساحة حرب خاصة بهم، مايعني ان الانتصار في هذه الحرب كارثة والخسارة فيها كارثة ايضا.

لم يكد يضع رجله في باب الكية، حتى سحبه احدهم موجها المسدس الى رأسه، كان يرتدي قميصا بنيا وبنطلونا ابيض، اختفت بقع الدم وتلاشت مع لون القميص، في حين تحول الابيض الى احمر في عرس دم صباحي، كان ذلك في العام 2006، في الثامنة صباحا، في احد كراجات شرق القناة، وعلى مرأى ومسمع الناس جميعا، لم ينبس احد بابنة شفة، وعندما غادر القاتل، بعد ان اطلق سيلا من كلمات وبصاق، (بعثي جلب انعل ابوك لا ابو صدام)، هرع احدهم ليحمل بعض الصحف القديمة وينثرها على جثة الضحية، وما هي الا دقائق، حتى دنت مرغريتا العراقية وشقت ثوبها واحاطت بالجثة هي واربعة اطفال صغار لم تزل آثار النوم ماثلة في وجوههم.