22 ديسمبر، 2024 10:20 م

عرب أمريكا بين ترمب وإيران

عرب أمريكا بين ترمب وإيران

ليس هناك عرب في أمريكا، بل هناك عراقيون مسلمون شيعة، ومسلمون سنة، ومسيحيون، ولبنانيون مسلمون شيعة، ومسلمون سنة ومسيحيون، ومصريون مسلمون وأقباط، وسوريون سنة وعلويون ودروز، وأردنيون أردنيون، وأردنيون فلسطينيون، وأردنيون مسيحون، وأردنيون مسلمون، وفلسطينيون مسلمون ومسيحيون، وكلٌ متحصن في مدينته الخاصة به، وله فيها إمامه ومسجده أو حسينيته أو كنيسته وجريدته وإذاعته ونواديه ودكاكينه وملاعبه ومطاعمه.  بل إن منهم فِرقا وشيَعا ترفع لواء المدينة أو القرية، وليس اسم الدولة التي جاءت منها.

وقليون منهم تمكنوا أن ينزعوا من أرواحهم وأخلاقهم وأفكارهم عصبياتهم القديمة،وخلافاتهم، ومعارك أهلهم الدينية والطائفية والعنصرية والمناطقية، برغم أن كثيرين منهم ولدوا هنا في أمريكا، وتعلموا في جامعاتها، وعملوا في مؤسساتها، وذاقوا طعم علمانيتها وديمقراطيتها، ورأوا كيف صهر النظام الديمقراطي الأمريكي ملاين البشر الوافدين من أصقاع الدنيا الواسعة، وجعلتهم ملة واحدة، وزرعت فيهم ثقافة التسامح والاعتدال.

أما الذين يمكن استثناؤهم من ذلك فقليلون تمكنوا من الاندماج في المجتمع الأمريكي، وجعلوا أنفسهم وأبناءهم وأحفادهم مواطنين أمريكيين يحترمون أصولهم وأعراقهم والبلاد التي ينتمون إليها، ولكنهم معافون من أمراضها التي لا تتفق ومباديء العصر الحديث وثقافته وقيمه الجديدة.

ومناسبة هذا المقال هو انطلاق الحملات الانتخابية الأمريكية، وتدشين حرب الشتائم والاتهامات بين الرئيس الحالي دونالد ترمب، وهو المرشح الوحيد عن الجمهوريين، وبين جو بايدن نائب الرئيس السابق باراك أوباما، الذي ترشحه الاستطلاعات ليكون منافسهالديمقراطي الوحيد في الانتخابات القادمة.

ولو أنصفنا لقلنا إن الديمقراطيين والجمهوريين من طينة واحدة، لا فرق بين هؤلاء وأؤلئك. فتاريخ حكوماتهم الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة تخبرنا بأن العرب وقضاياهم وهمومهم وأحلامهم لا تساوي حبة خردل عند أيٍ منهم، أجمعين.

ولكن حرارة المواجهة الجارية حاليا بين النظام الإيراني وإدارة ترمب، أو بعبارة أخرى بين أحباب أمريكا وحلفائها العراقيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين والخليجيين المكتوين بنار الاحتلال الإيرانيالبغيض وبين نظام الولي الفقيه وحرسه الثوري ومليشياته العراقية واللبنانية واليمنية، قد أصابت عرب أمريكا بلوثاتها، فأضافت إلى فُرقتهم فُرقة، وإلى عداواتهم عداوة، وكأن انتصار المرشد الأعلى علي خامنئي وهزيمة ترمب، أو نصر أمريكا وحلفائها العرب والمسلمين على إيران متوقف على فوز هذا وخسارة ذاك.  

ففريقٌ مع ترمب، بقوة وعصبية لأنه، في تقديرهم، عمل ويعمل جاهدا من أجل إعادة إيران إلى عقلها، وخلع أنيابها ونزع أظافرها التي حفرت عميقا في أجساد جيرانها العرب والمسالمين.

أما لماذ يعشق محبو إيران مرشح الديمقراطيين جو بايدن فذلك لأنه وصف سياسة ترمب الهادفة إلى احتواء إيران بأنها (كارثية)، وحذّر من أنّ “آخر شيء نحن في حاجة إليه هو حرب جديدة في الشرق الأوسط”.

ومن يتابع صحف (القبائل) العربية، وخاصة العراقية واليمنية والمصرية واللبنانية والفلسطينية يرى أن بعضهم يصلي ويصوم لكي يفوز (الأخ الوفي) ترمب، وأن بعضهمالآخر مشتعلٌ حماسا وثورة ومقاومةً وصمودا، ومبتهلٌ إلى الله ورسوله وآله لكي يُسقطوا ترمب، وينصروا عليه الصديق الديمقراطي (الحبيب).

وينسون أن جو بايدن هذا هو الذي كان الممسك الوحيد بالملف العراقي منذ 2009 وحتى مجيء ترمب. وأنه كان أسوأ من أدار ذلك الملف. فقد كان أكثر واحدٍ قدَّس نظام المحاصصة الطائفي العنصري الذي جعل العراق دولة فاشلة، وحافظ عليه. وهو الذي منح إيران حق احتلاله وتقرير مصيره، وأمدها بدعمه وحمايته ورضاه. وله ولرئيسه أوباماالنصيب الأكبر في إشعال حرائق العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، لا حبا بإيران ولا كرها بالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، بل لتوريط الإيرانيين، وإغراقهم في حروب الاقتتال المذهبي والعنصري مع جيرانهم، ولكي يقتل الشيعة السنة، والسنة الشيعة، وإلى أبعد ما يكون.

أليس هو الذي دعم نوري المالكي، بلا حدود، وأغمض عينيه عن كل تصرفاته وقوانينه وإجراءاته الانفعالية الانتقامية الثأرية التي أشعلت النقمة في قلوب الملايين من أهل السنة، ودفعت بأكثرهم إلى البحث عن أي حليف يشد من أزرهم ضده وضد مليشياته، حتى لو كان الشيطانَ نفسَه ممثلا بداعش والقاعدة والإخوان المسلمين؟.

وأليس المأزق الذي وُضعت إيران فيه، وتأليب الدنيا عليها اليوم، حصاد تلك السياساتالخبيثة التي خطط لها ونفذها هذا السياسي الأمريكي البريء الذي يهتفون بحياتهويتمنون فوزه، وهم لا يعقلون؟.