23 ديسمبر، 2024 6:43 ص

فاطمة الحسّاني
منذُ يومين وهي تترقّبُ الموعدَ الذي دوّنتهُ في دفترها. أحسّتْ أنّه يبتعد. لا تدري أتودُّ مجيئه اللحظة َ لتتخلّصَ ممّا يُقلقُها، أم يتغيّرُ الى ما بعد أسبوع أو أكثر، لتجدَ الطمأنينة في أيامها الآتيات . دوماً تُردّدُ مع ذاتها حين يقتربُ الموعدُ: غداً في مثل هذا اليوم سيُفارقُني الألمُ والقلقُ بعد أن تكونَ الطبيبة قد أنهت علاج سنّي. لم تعشْ مثلَ هذا الخوف حين تذهبُ الى طبيب العيون أو الى غيره، وعندما واتاها المخاض واصطحبها زوجُها الى المشفى كانت في حالة طبيعية وهي لم تكن قد خاضت التجربة ذي قبلاً. مع طبيبة الأسنان تفقدُ شجاعتها خشيةَ أن يُعاودها الاختناق وهي تُبقي فمها مفتوحاً زمناً تُحسُّ به دهراً طويلاً. هذه المرّة كانت مع اثنين في عيادة طبيبة الأسنان، زوجها وطفلتها التي لم تتجاوز شهراً من عُمرها. مرّت الساعة الحرجة، أنهت الطبيبةُ واجبَها. كان الزوجُ خارج غرفة العيادة يُغيّرُ ملابس الطفلة المبتلّة. وضعها على الأريكة ، رتّبَ فراشَ عربتها ، سمع الطبيبة تُناديه ليُترجمَ ما لم تفهمه زوجتُه، طمأنتها على أسنانها وأخبرتها: / يُمكنك ِ تناولُ الطعام بعد ساعتين/ لم تُصدّقْ أنّها تخلصت ممّا كانت تعاني  خرجت مُسرعة ً لتُهيء السيارة وأوصتْ زوجها بأن يُنزل العربة لتلتقيهما أمام الباب الخارجي. كان الزوج قد طلب إجازة ساعتين من عمله، أنزلَ عربة الطفلة راكضاً خشية َ أن يُداهمَه الوقت. أدخلها الى المقعد الخلفي وجلس قربها. الزوجةُ تقودُ ببطءٍ ، وسطَ شارع مكتظ بالعربات، اثْرَ حادث قيّد سيرَ السيارات، الزوجُ بدا قلقاً مُتذمراً ، ستمضي ساعتا اجازته قبل أن يتسنّى له الوصولُ الى عمله. كلاهما يُفكّرُ في طريقة للتخلّص من هذا الزحام. يرّنُ هاتفُ الزوج، تجاهله ففكرُه يعمل فيما هو أهم ، كيف التخلصُ من الزحام ؟ لكنّ الهاتفَ يُعاندُ، ورنينُه يضيعُ وسط لغط الشارع  ، يعلو صوتُ الزوجة طالبة منه الردّ  على الهاتف ، وهو يُحدّثُ نفسه: أهذا وقتُه ؟؛ سمعَ صوت الطبيبة وهي تقول : لقد نسيتم طفلتكم على الأريكة وهي لم تنقطع عن البكاء ..