23 ديسمبر، 2024 9:41 م

عراق 2013 .. صورة 2014!

عراق 2013 .. صورة 2014!

ربما كان العراق من بين اكثر الدول حراكا في عام 2013 على الاصعدة السياسية والامنية، ومايرتبط بها من عناوين ومفردات، ولاغرابة في ذلك اذا عرفنا ان البلد لم يغادر بعد ظروفه واوضاعه الاستثنائية، 
   ولعل نظرة اجمالية وسريعة لمجمل وقائع عام 2013، من ايامه الاولى وحتى ايامه الاخيرة، تكشف عن حقيقة ان مجمل تلك الوقائع تمثل في اطارها العام سلسلة مترابطة، حتى وان بدت في بعض الاحيان خارجه عن السياق المألوف والمتعارف عليه. 
   وفي السطور التالية سيتضح هذا الترابط، امنيا وسياسيا، وهو مايمكن ان يؤشر الى ان عام 2014 سيمثل من حيث سياق احداثه ووقائعه استمرارا لعام 2013، وفرص واحتمالات حصول متغيرات كبرى تبدو بعيدة ومستبعدة، حتى وان غادرت بعض الوجوه المشهد العام وحلت محلها وجوها اخرى.     
 
ساحات الاعتصام .. من العيساوي الى العلواني 
   ومن دون ادنى شك كانت “ساحات الاعتصام” احد ابرز العناوين والمفردات التي شغلت حيزا كبيرا في مشهد عام 2013، واذا كانت “ساحات الاعتصام” قد ظهرت على الارض في عام 2012 على ايقاع ما اطلق عليه بـ”ثورات الربيع العربي” فأن عملية اعتقال عدد من افراد وزير المالية السابق والقيادي في القائمة العراقية رافع العيساوي مطلع هذا العام على خلفية الضلوع بعمليات ارهابية، ساهمت الى حد كبير في اعطاء دفعة قوية لساحات الاعتصام من الداخل ومن الخارج، بحيث راحت تتحول الى مراكز قوة وتأثير ان لم يكن في عموم الساحة العراقية، ففي ادنى تقدير ضمن ساحة المكون السني، فقد اخذت تستقطب رجال دين وسياسة وعشائر، الى جانب قيادات الجماعات الارهابية، وطيلة عام كامل تقريبا، لم يتوقف الشحن والتحريض الطائفي المقيت عبر منابر ساحات الاعتصام، مستفيدا من الضخ المالي والاعلامي الهائل من قبل السعودية وقطر وتركيا، وريما اطرف اخرى.
   بيد ان معظم –ان لم يكن كل-الذين كانوا في ساحات الاعتصام، او من المؤيدين والمتفاعلين والمراهنين عليها، لم يتوقعوا ان ما سيحصل اواخر العام يختلف تماما عن ما حصل في بداياته، فمن كان يدور في خلده ان احد اكبر رموز الفتنة والتحريض الطائفي احمد العلواني سيقع في قبضة القوات الامنية، وان ساحات الاعتصام ستغدو جزءا من الماضي، وان من جعلوها اوكارا للتخطيط للقتل والذبح واستباحة الحرمات والمقدسات سيهيمون على وجوههم علهم ينجحون في الوصول الى الرياض او الدوحة او انقرة او عمان؟. وهذا ما حصل في نهاية المطاف.
 
مشاهد القتل والدماء
  وليس بعيدا عن ساحات الاعتصام وماانطوى ورائها من غايات ودوافع فأن مشاهد القتل والدماء كانت من المعالم البارزة في عام 2013، ووفق الارقام الرسمية فأن هذا العام يعد اكثر دموية من عام 2012، ولعله كان واضحا التصاعد الواضح في العمليات الارهابية كما ونوعا خلال الثلث الاخير من هذا العام، ولم تسلم مدينة –او محافظة-عراقية من ارهاب الجماعات الاجرامية، فبدءا بالبصرة مرورا بذي قار وميسان والمثنى والديوانية والنجف وكربلاء وبابل وبغداد وديالى وصلاح الدين والانبار وكركوك ونينوى وصولا الى محافظات اقليم كردستان، وتحديدا اربيل والسليمانية، حصدت العمليات الارهابية اعدادا كبيرة من الشهداء والجرحى غالبيتهم من الناس الابرياء، اذ ان مجمل تلك العمليات وقعت في اماكن عامة من قبيل الاسواق والمقاهي والمساجد والحسينيات والكنائس والمدارس ومحطات النقل العام. وكان لبغداد حصة الاسد، وربما الاكثر مأساوية وايلاما ما تعرض له قضاء طوزخورماتو التابع لمحافظة صلاح الدين(تكريت) من ارهاب ممنهج بدا انه يراد من ورائه اغراق تلك المدينة بالفتنة الطائفية والقومية، بحكم نسيجها الاجتماعي المتنوع قوميا وطائفيا وحتى عشائريا.
   وخلال عام 2013، تصاعدت، الى جانب العمليات الارهابية بالسيارات المفخخة والاحزمة والعبوات الناسفة، عمليات الاغتيال بكواتم الصوت، وبرز ذلك بدرجة اكبر في المحافظات والمناطق التي تنشط فيها الجماعات الارهابية المسلحة مثل نينوى والانبار وديالى واحياء من العاصمة بغداد.
  والمظهر الاخر الملفت للانتباه والباعث على القلق هو عمليات اقتحام السجون والمعتقلات ومؤسسات الدولة المهمة، كما حصل في اقتحام وزارة العدل وسط بغداد، والهجوم على سجني التاجي وابو غريب، والهجمات على مجمع المباني الحكومية في الانبار، والهجوم على سجن تسفيرات تكريت، والهجوم على سجن العدالة في منطقة الكاظمية ببغداد، وقد لاتكون تلك الهجمات هي الوحيدة في عام 2013، الا انها كانت الابرز والاخطر، علما ان العام الماضي (2012) شهد عمليات مماثلة من بينها عملية اقتحام مبنى مديرية مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة وسط بغداد، الذي كان يضم اكثر من اربعمائة سجين اغلبهم من العناصر الارهابية التابعة لتنظيم القاعدة.
  في مقابل ذلك فأن العمليات العسكرية الاخيرة التي اطلقتها الحكومة اواخر عام 2013 في صحراء الانبار اثر اغتيال قائد الفرقة السابعة وعدد من الضباط والجنود على ايدي الجماعات الارهابية، وحققت نتائج ايجابية في ايامها الاولى، يمكن ان توجد حقائق ومعطيات جديدة على ارض الواقع، وتساهم في انحسار العمليات الارهابية التي تستهدف المدنيين والمؤسسات الحكومية. 
 
غياب الرئيس … اللغز!
   ومن بين القضايا –او الملفات-التي شغلت حيزا واسعا من النقاش والجدل واللغط في داخل كواليس السياسة العراقية، ولدى عموم الرأي العام، هو استمرار غياب الرئيس جلال الطالباني بسبب المرض، اذ لم يكن متوقعا ان تطول فتره غيابه وتمتد كل عام 2013 لتنسحب الى عام 2014، وتمحور النقاش والجدل واللغط في جانب منه حول الوضع الدستوري-القانوني لاستمرار غياب الطالباني وعدم ممارسة مهامه، حيث ان الدستور العراقي حدد مدة ثلاثين يوما، يتم بعدها اتخاذ الاجراءات الدستورية المناسبة لاختيار شخص اخر يتولى مهام الرئاسة، كما تشير الفقرة الثالثة من المادة 75 في الدستور العراقي بأنه “يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لأي سبب كان، وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد، خلال مدة لا تتجاوز 30 يوما من تاريخ الخلو”.
   وقد تكون تفاعلات وتداعيات غياب الطالباني وغموض مصيره في بغداد اقل منها بكثير في السليمانية واربيل، حيث راح الصراع والتنافس بين اقطاب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني يتصاعد ويطفو على السطح، وانعكس بوضوح من خلال النتائج المتواضعة والمخيبة للامال التي حصل عليها الاتحاد الوطني الكردستاني في انتخابات برلمان اقليم كردستان  التي جرت اواخر شهر ايلول-سبتمبر الماضي، وقد اقرت قيادات عليا في حزب الطالباني بأن غياب الاخير كان احد اهم اسباب تراجع الحزب في تلك الانتخابات.
   وليس بعيدا عن اقليم كردستان، فأن عام 2013 اشر الى مقدار ملحوظ من القلق والارتباك هناك، تمثل بوقوع عمليات ارهابية غير مسبوقة منذ عدة اعوام في اربيل والسليمانية، واتساع نطاق الشد والجذب مع الحكومة الاتحادية بشأن جملة من القضايا، منها العقود النفطية مع الشركات الاجنبية، وتشكيل قيادة عمليات دجلة في كركوك، واستقبال اربيل لشخصيات سياسية عربية واجنبية دون التنسيق مع بغداد، وامتداد بعضا من الاثار السلبية للازمة السورية على اقليم كردستان، لاسيما مايتعلق بوضع الحركات السورية الكردية المعارضة وطبيعة علاقاتها مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، ناهيك عن الاعداد الكبيرة من السوريين الذين نزحوا الى الاقليم، اضف الى ذلك –وكما اشرنا انفا-غياب الرئيس جلال الطالباني، وتنامي حدة الصراع على خلافته، وعدم وضوح الرؤية لمرحلة مابعد رحيله.
  ولعل تأخر تشكيل حكومة الاقليم وسط خلافات وتجاذبات بين الاطراف السياسية المختلفة، يعكس ان الازمة-او الازمات-في الاقليم اخذت تتسع، ومجرد ترحيل ملف تشكيل الحكومة الى العام الجديد، مع استبعاد حسمه خلال وقت قصير يعني ان تفاعلات الوضع الكردي في عام 2014 ستكون اكبر واكثر حدة وسخونة.
 
الانتخابات..اولا واخيرا
  واذا كانت ساحات الاعتصام قد كانت من ابرز معالم وملامح بدايات  عام 2013، ومعالم وملامح نهاياته، فأن الانتخابات كانت هي الاخرى كذلك، ففي بداية العام كانت مختلف القوى والتيارات والشخصيات السياسية تتأهب لخوض معركة انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في العشرين من شهر نيسان-ابريل الماضي، وفي نهايته فأن ذات القوى والتيارات والشخصيات تتأهب لمعركة انتخابية اكثر شراسة وحساسية، الا وهي معركة انتخابات الدورة الثالثة لمجلس النواب العراقي، والتي على ضوء نتائجها ومعطياتها سيرتسم المشهد السياسي للاعوام الاربعة المقبلة، لاسيما شكل الحكومة، وهوية من يتصدى لها.
  وفي الواقع فأن الحراك السياسي الحاد لم ينتهي بأجراء انتخابات نيسان-ابريل الماضي، وانما تواصل بعدها لعدة شهور في خضم اجواء تشكيل الحكومات المحلية والاصطفافات والتحالفات الجديدة التي افرزتها، فضلا عن ذلك فأن الانتخابات في محافظتي نينوى والانبار ارجأت لمدة شهرين لاسباب ودواعي امنية، لتجرى بعد اقل من ثلاثة شهور انتخابات برلمان اقليم كردستان، وهذا يعني ان عام 2013 كان عاما  انتخابيا في العراق ان صح التعبير، في خضم مناخات امنية وسياسية مشحونة بالكثير من التوتر والقلق والاحتقان.
  ويمكن ان يؤشر المتابع السياسي ان انتخابات مجالس المحافظات افرزت مزيدا من الانشاقات والتصدعات في القائمة العراقية التي تمثل في اطارها العام المكون السني، المدعوم بطريقة او بأخرى من السعودية وقطر وتركيا ودولا خليجية اخرى، فلم يعد اياد علاوي زعيما ومحورا للقائمة بعد تشكيل اسامة النجيفي قائمة مستقلة بأسم متحدون، وتشكيل صالح المطلك هو الاخر قائمة مستقلة بأسم القائمة العربية العراقية، ناهيك عن تقاطعات وخلافات ذات طابع عشائري ومناطقي وسياسي واضح، من المتوقع ان نشهد المزيد منها على اعتاب الانتخابات البرلمانية المقبلة، وارتباطا بفض ساحات الاعتصام في الانبار وسامراء.        
انفتاح سياسي اكبر
   وعلى صعيد السياسة الخارجية سجل العام 2013 حضورا عراقيا جيدا، وانفتاحا ملموسا على الاصعدة الاقليمية والدولية، من بين ابرز مؤشراته خروج العراق من الفصل السابع بعد اثنين وعشرين عاما من اخضاعه له بسبب غزو نظام صدام لدولة الكويت في صيف عام 1990، وكذلك من بين مؤشراته الاخرى تبني العراق مواقفا عقلانية ومتوازنة من قضايا المنطقة، خصوصا الازمة السورية، والملف النووي الايراني، اذ استطاع العراق ان يطرح رؤى عملية وواقعية ومقبولة، جعلته يساهم بقدر معين في توجيه الامور بالاتجاهات الصحيحة والمطلوبة، وهو ما ينسجم ويتوافق مع المصالح الوطنية. 
  وقد شكلت التحركات السياسية على اعلى المستويات بين العراق واطراف اقليمية ودولية عديدة انعطافة مهمة في مسيرة السياسة والعلاقات الخارجية العراقية خلال عام 2013.
   اقليميا شهدنا تعزيزا لعلاقات العراق مع ايران والكويت والاردن ولبنان وبعضا من الدول الخليجية، ودوليا كان التواصل بين بغداد وموسكو وابرام اتفاقيات عسكرية وامنية، اضافة الى دول اخرى في اوربا واسيا، الى جانب الولايات المتحدة الاميركية التي يرتبط معها العراق بأتفاقية امنية انسحبت وفقها القوات الاميركية من البلاد في اواخر عام 2011، وبأتفاقية اطار استراتيجي يفترض انها تنظم جملة من المسائل السياسية والاقتصادية والتجارية بين الجانبين. 
   في مقابل ذلك فأن العلاقات مع عدد من الدول مثل السعودية وتركيا وقطر، شهدت تأزما متواصلا ، بسبب تدخلاتها في الشأن العراقي، وتمويلها الارهاب، وسعيها الى اثارة الفتنة بين مكونات الشعب العراقي، واذا بدا ان الدوحة راحت تراجع مواقفها بعد ازاحة الامير السابق وتولي نجله الامير تميم مقاليد السلطة، واذا بدا ان انقرة ادركت خطأ مواقفها وسياساتها حيال العراق، بعدما راحت تحاصرها المشاكل والازمات، فأن الرياض بقيت متعنة وغير مستعدة لمراجعة سياساتها وتصحيح اخطائها حيال العراق، مثلما انها بقيت متعنة ازاء سوريا، ومع ايران.  
  وما ينبغي الاشارة اليه ونحن نتحدث عن الانفتاح السياسي، هو ان الاخير ساهم في تحقيق انفتاح اقتصادي بين العراق والاخرين، اما عبر زيادة حجم التبادلات التجارية، او من خلال تعزيز الفرص والامكانيات الاستثمارية، او كلا الجانبين، وهو مايؤشر –في ظل تحسن مستوى الصناعة النفطية العراقية خلال عام 2013-الى تحقيق تقدم في المستويات الاقتصادية، يتوقف مداه على توفر البيئة الامنية المناسبة بالدرجة الاساس، ووضوح الرؤى والتوجهات عبر وضع الخطط والمشاريع الاستراتيجية الرصينة، والاستفادة القصوى من الموارد والامكانيات البشرية، والخبرات والتجارب الاجنبية.
 [email protected]