19 ديسمبر، 2024 1:53 ص

عراق نازكِ الملائكة

عراق نازكِ الملائكة

قرأت في موقع الكتروني أن وفدا ممن يمثل الذين شاركوا في الأسبوع العراقي الفني والثقافي في مصر ذهب ليلقي التحية مع باقة ورد على قبر الشاعرة الراحلة نازك الملائكة لكنهم لم يستطيعوا التعرف على ضريح الشاعرة لضريحها في مدينة السادس من أكتوبر صباح أمس، وذلك نظرًا لكثرة أعداد المقابر، وعدم تمكنهم من تمييز الضريح، ولعدم اصطحابهم لأحد “الترابية” بالمنطقة، مما اضطرهم إلى وضع باقة من الزهور على أحد القبور بشكل رمزي، الأمر الذي دعا الشاعر الكردي حسن سليفانى وزارة الثقافة العراقية إلى أن تهتم بضريح نازك الملائكة “المهمل” في القاهرة. …!

هذه المرأة التي شاركت السياب في أسطرة الحداثة الشعرية العربية منذ أربعينيات القرن الماضي لا قبر لها ولا دلالة بحيث عجز وفد رسمي يمثل ثقافة العراق بوزيرها الذي ربما لم يعبئ للأمر ويطلب من وزير الثقافة المصرية أن يهتم بقبر نازك التي هي في المعيار الحضاري والثقافي للعراق أهم بكثير مما أنجزته وزارته في السنوات الأربع .وعندما يصح المشهد بهذا الشكل فان المشهد قابع في مهزلة  مخجلة أن لا نجد شاهدة لرمز من رموز ثقافة العراق الأصيلة  ، هذه المرأة التي جددت في الشعر ومنحته ذائقة حضارية جديدة ،وساهمت في إغناء عملية العلم والثقافة عبر عشرات السنين من الممارسة الأكاديمية في التعليم الجامعي ، وهي من بيت عراقي كل أنسابه من الذين امتلكوا ناصية التفقه والعلم والانتماء الوطني لبلاد قبر ابنتهم بعيدا عنها ولا يعرف مكانه حتى .وهي الانسانة التي أطلقت في المنفى دمعة الموت والغربة معا وكانت تتمنى لبغداد أن تراب بغداد أن يكون وسادة لرقدتها الأخيرة .

ولكنها حالها حال الأساطير التي لم تزل في مقابر المنافي تئن من الشوق لرقدة العراق وتراب العراق ونعاوي العراق التي تطلقها عصافير شمس صباحات العراق فوق كل قبر كانت شاهدته تحمل معنى العبارة ودمعة الشهيد ووثيقة العلم والإيثار الوظيفي الخالي من السحت والسرقة والنفاق والعمالة..!

ينامون في مقابر المدن البعيدة ومدنهم تشكو الحنين إليهم وتشكوا مهزلة ما يحدث ، اليس الأصح أن يكون هذا الفعل خرقا دستوريا ووطنيا وحضاريا أن تعجز دولة وبرلمان أن تنقل رفات عظماءها المدفونين خارج مقابر الوطن ( الجواهري ، البياتي ، بلند الحيدري ، نازك الملائكة ،) والرهط الباقي المنتشر كما تنتشر أسراب البط المهاجر في سماء حزنها ، في مقبرة السيدة زينب .وقرب ضريح الصوفي أبن العربي وفي مقابر الشتات الأوربي والقاهرة وعمان وبيروت ….وربما سنجد ذائقة عراقية حالمة دفنت دمعتها في القطب الشمالي ونحن لاندري فجسد هذا الوطن موزع في جسوم صغيرة على حد قول عروة بن الورد. 

الفرق بين القبور المنفية هي دلالتها ، قبور تشمخ وتزار وتمنح عطر البخور والآيات والذكر.وقبور لاتعرف مكانها وفي ذلك ظلم وتجني على من منح العراق ما لم يمنحه الكثر من ملوك وولاة ووزراء من حكموه من- أن أسست السلالات والمدن مجد الكلمة والشرائع وحتى اليوم.

كان لينين يقول :هناك مليون بروليتاري جاءوا لتحيتي وافتخر بها ولكن افختر اكثر عندما يكون بين هذا المليون شاعرا واحداً ….!

من مثل في العراق يفكر مثلما يفكر شيخ البلاشفة….!

لا ادري.إن كانت هذه الحادثة ستوقظ في الضمير الثقافي  شيئا وتجعله ينتبه إلى مبدعين لا فضل لنا عليهم سوى انهم متفضلين علينا بعطائهم ومنحوا بلادنا ريادة حداثة الشعر العربي دون سواها من بلدان الأمة .فكيف يجازى أولئك ولا نعثر حتى على دلالة قبورهم لنصلي قربها ونضع الزهور ونلقي بياناتنا الحالمة بالمشمش.

أحدث المقالات

أحدث المقالات