ما يدمي قلوب العراقيين ويحز في نفوسهم، هو صورة بلدهم أمام شعبهم وأمام العالم، تلك الصورة التي يظهر فيها العراق، بلاد ممزقا تتآكله الصراعات وحروب المواجهات السياسية المحتدمة ، والتي وصلت حد ( كسر العظم ) حتى بين الكيانات الواحدة ومن طائفة بعينها، وأصبح ينطبق الحال على بعضهم ، ما يطلق عليه في عالم السياسة بـ ( الأخوة الاعداء )!!
عراق لا تمر مناسبة ، الا ويدعو الفرقاء الى ( عراق موحد) لكنهم في حقيقة أنفسهم قد حولوه الى ( عراق ممزق ) لا حول له ولاقوة، حتى ان عملته التي يتم تداولها بين ملايين الناس وقد تراها ( ممزقة ) هي الأخرى ، تكاد تعبر عن حال البلد بكل تأكيد.
أجل.. فالعملة تعكس واقع حال البلد، قوة أو ضعفا، ولهذا فأن ما يتم تداوله بين الناس من عملات ممزقة وتالفة ومزورة، تعكس حالة البلد في واقعها المرير، ولو كان البلد موحدا فعلا وقويا، لما بقيت عملته على هذه الشاكلة التي تبدو فيها حزينة ، وقد أكل عليها الدهر وشرب.. وهو نفس حال العراق، الذي يبكي على حاله ملايين العراقيين الذين اصيبوا بحالة احباط ويأس من المستقبل، ما وصلت اليه الاحوال في هذا البلد من فوضى وترد أمني وتدهور أخلاقي وقيمي وفساد مستشر في أقصى قمة الهرم السياسي وعلى كل مستويات هياكل الدولة الخربة ومفاصل أحزابها ، ولم يسلم من عمليات النهب والسلب، ربما حتى مقامات أئمة أهل البيت، عليهم أفضل الصلاة والسلام ، فماذا بقي بعد هذا، إن وصلت الأحوال الى هكذا مستوى لايليق بالعراق، بلد الحضارت، ان تنخر في جسده (الارضة ) من كل حدب وصوب، وقد حولت جسده الى كهل مريض منخور القوى، ليس بمقدوره أن يقف على قدميه!!
عراق تمزقه الآهات والالام والنكسات وحروب الصراعات السياسية الغابرة الموغلة في الوحشية وقتل العرقيين بدم بارد، دون أدنى احساس بالكرامة الانسانية ، ودون مخافة الله الواحد الأحد، الذي لن يذيق من أقدم على قتل أي عراقي، الا بعذاب جهنم يصليها غير مأسوف عليه!!
كان تفكير أغلب العراقيين ينصب على وحدة أمة العرب، وعلى ان يكون العراق قلعة من قلاعها المدافعة عن حياضها وحماها، وهو شعور ساد قبل عصور التاريخ وفي عهود الجاهلية وفي عصور الاسلام، لكنه تدهور بعد سقوط الدول العربية على يد المغول والتتار ، وعلى أيدي بني فارس الذين أوغلوا في تمزيق العراق الى ملل ونحل، وصدقنا في دواخلنا انهم ( حملة الاسلام ) ولكن ما ظهر حتى الان يبدو ان (الاسلام) منهم (بريء)، كبراءة الذئب من دم يوسف، بل ان ( الاسلام الايراني ) هو من أرادوا فرضه على العرب انتقاما، لمكانة العرب على مدار التاريخ.
وبعد ان كان العراقيون هم صدارة الأمم ومن يطالبون بوحدة الامة ، تحولوا الى المطالبة بـ ( وحدة العراق ) وحتى هذه الاخيرة لم تتحقق لهم، وتحول العراق الى طوائف وملل ونحل واقوام ودول اقليمية تعبث به على هواها، وارادة العراقيين ( مغيبة ) تماما، والعراقيون ينظرون الى واقع حالهم ويرون حال بلدهم وقد تهاوى من سيء الى أسوا، ولم يعد بمقدورهم المحافظة على وحدة بلدهم، وضاعت ( وحدة العراق ) بين القبائل المتناحرة على الدم العراقي الذي وأد ، وكل حمل سكينه لكي يظهر للآخر انه هو ( العراقي ) وغيره ليس كذلك، وقد ذبح العراقيون على قبلة ( الطائفية ) بسكاكين دول الجوار، التي حرضت كل طرف على ان يحمل سكينا ليطعن بها بني جلدته واهله، ويشعل الحرائق ، وتسود الفوضى والفلتان ويسود اليأس والقنوط بدل التفاؤل ، ويبحث العراقيون بين ثنايا الحطام والركام عن ( وطن موحد ) فلا يجدوا الا بقع دماء تسيل وركام دخان متصاعد وأرواح فساد تزكم الأنوف، والبسطاء وأصحاب الضمير هم الوحيدون من احترقت قلوبهم على حال بلدخهم وتلظت قلوبهم وافئدتهم بنيران تلك الحروب الضارية، وكأن حروب ( داحس والغبراء ) تعود الينا ، بأشكال جديدة، وتشن العساكر هجماتها على الآمنين، وتحول حياتهم الى رعب ومعتقلات موت جماعي، لايسلم منها الكبير ولا الصغير، بل حتى نساء العراق غصت بهن سجون عصور الديمقراطية في تجربة فريدة من نوعها ، أعد فصولها الاميركان بتوجية اسرائيلي طبعا، وصدقنا اننا في العهد الديمقراطي، بينما نحن في حقب التاريخ المظلمة، وكأننا خرجنا من الألفيات الاولى للبشرية، وليس في القرن الحادي والعشرين.
الغريب ان الاخرين ( الأبعدين والأقربين ) هم الذين يتحكمون باقدارنا ، وهم الذين يقررون مصيرنا على هواهم، ونحن ( أهل الدار ) لاحول لنا ولا قوة، وتناسى أصحاب الكيانات السياسية ان بلدهم كان في عصور التاريخ الموغلة في القدم من أعرق الدول حضارات وعطاء، وهو بلد الانبياء وبلد الاولياء، وقد تحول الى ( خرابة ) يبدو انها أمست تسمى( عراقا ) في يوم ما، وهذه هو حال العراق ، للأسف الشديد!!