إن إسقاط نظام الشاه.. وانتصار الثورة الإسلامية في إيران في شباط العام 1979.. وتلك الجماهيرية الطاغية المؤيدة لهذه الثورة.. والشعور بالتعاطف الجماهيري معها في العراق.. وبعض مناطق الخليج.. وشعاراتها العالمية ب (تصدير الثورة).. دقت ناقوس الخطر بقوة لدى أمراء الخليج خوفاً من انتقال الثورة لبلدانهم.. وتوترت الحالة بين العراق والثورة الايرانية رسمياً.. مثلما شعرت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية من الخطر.. على مصالحهم في الشرق الأوسط في حال انتشار هذه الثورة في المنطقة ..
فتعاون جميع القادة.. وأعطت الولايات المتحدة الامريكية ودول الخليج الضوء الأخضر بطرد احمد حسن البكر من رئاسة الجمهورية العراقية.. الذي رفض إعلان الحرب على إيران.. وصعود صدام حسين للموقع الاول في الدولة والحزب.. ومنحوه الضوء الأخضر.. وتأييدهم ودعمهم المفتوح له.. فدخل العراق بحرب الثماني سنوات.. بالنيابة الأمة العربية.. تلك الحرب أحرقت الأخضر واليابس في العراق ..
وخرج النظامان (العراقي والإيراني) منهوكي القوى.. وشعرت دول الخليج العربية وأمريكا والغرب إن خطر إيران في تصدير الثورة الى الخارج تم إيقافه.. وإنها ستتعامل مع ترويض هذا النظام أو اسقاطه بالتدريج.. فأخذت بخلق المشاكل ومحاولات إحداث الفوضى داخل إيران.. مثلما نجحت في فرض الحصار عليه.. واستطاعت الولايات المتحدة والغرب مؤخراً البدء بخطوات إنهاء البرنامج النووي الإيراني.. والإبقاء على استخداماته السلمية.. والاستمرار في التعامل مع إيران.. وفق المنظور الأمريكي الغربي ـ الخليجي ..
بالمقابل اُحترقت ورقة صدام حسين.. واستكمل تدمير العراق.. بدفعه لاحتلال الكويت.. ومن ثم تدمير جيشه.. وفرض الحصار الدولي على العراق.. وعندما اندلعت الانتفاضة الشعبانية في وسط وجنوب العراق في أوائل آذار العام 1991 شعرت أمريكا إن انتصار هذه الانتفاضة دعم قوي لإيران.. لذلك دعمت نظام صدام.. وسكتت عن جرائمه في القتل الجماعي..والتدمير المفرط في المناطق المنتفضة ..
فيما دعمت الولايات المتحدة انتفاضة كردستان العراق..التي اندلعت في ذات الوقت.. (آذار 1991).. واستطاعت استقطاع كردستان عن سلطة صدام.. ووضعها تحت الحماية الدولية والحماية الأمريكية.. لأن ذلك إضعاف لسلطة صدام.. وتعزيز لدور أمريكا في شمال العراق ..
واستمرت امريكا والغرب ودول الخليج والامم المتحدة في الضغط على نظام صدام.. تحت يافطة (امتلاكه اسلحة الدمار الشامل).. بالمقابل فإن فرض الحصار الاقتصادي الشامل على العراق أدى الى مغادرة أكثر من نصف مليون عراقي الى الخارج .. كما أدى احتلال الكويت والحصار الاقتصادي الى توسع كبير وسريع للمعارضة العراقية في الخارج.. تلك المعارضة التي كانت ترفع شعار إسقاط نظام صدام وإقامة الديمقراطية.. لكنها لم تمتلك رؤية حقيقية لتحقيق تلك الأهداف.. ولم تكن في حضن العراقيين والعراق.. بل كانت في حضن الدول
المضيفة.. والدول الممولة لتلك الكتل والشخصيات السياسية.. لذلك لم تكن المعارضة في طليعة التخطيط والتنفيذ لعملية التحرير أو مشاركة فيه.. بل كانت ذيل لل (المحرر) الأجنبي ..
الحالة اليوم تتكرر : أدخلوا العراق في ذات النفق.. لكن بشكل أخر.. ويقاتل العراق اليوم.. ليس بالنيابة عن الأمة العربية.. بل بالنيابة عن كل العالم.. ولن يترك العراق هذه المرة.. إلا بتدميره.. وتقطيعه الى أجزاء متناثرة.. تسودها الخلافات العميقة.. وحرب مستمرة.. فكيف ستكون صورة عراق ما بعد داعش ؟..
انتظرونا في الحلقة الثانية.. (عراق ما بعد داعش.. الإسقاط المفروض.. والنظام الجديد) ..