على مدى سنوات الحصار الإقتصادي الذي كان من ضمن أهدافه الضغط على الشعب العراقي ماديا و نفسيا لقبول أي مخرج يتضمن رغيف خبز حتى لو كان الاحتلال ، كنا نسمع بمؤتمرات الذين يحكموننا الآن و التي طرح فيها الكثير من التصورات عن مستقبل العراق لمرحلة ما بعد صدام حسين فصوروه نموذجا للحكم ستحتذي به الأنظمة العربية و صرحا للديمقراطية وقلعة أقتصادية و… أما الفدرالية فكانت تبدو غاية الحلم لأكراد العراق ولم تكن لتعني شيئا لغيرهم لأن الفتنة المذهبية و الدفع باتجاه التخندق الطائفي لم تبرز بشكلها القبيح إلا بعد الإحتلال و دخول مليشيات بكامل عدتها و أسلحتها من بعض دول الجوار محمية بالطائرات الأمريكية قبل أن تتشكل ميليشيات أخرى و تتكاثر بشكل كبير ، ثم جاء الدستور الملغوم ليقر مبدأ الفدرالية و كأننا كنا قبل الإحتلال أمما شتى لنلتئم في حضن دولة فدرالية إتحادية !
الذين يحلمون اليوم بعلم و مركز شرطة ليقيموا فيدراليتهم ، إقليمهم ، دولتهم ، سمها ما شئت ، ويعتقدون ان بإعلان التقسيم سيمتلكون كيانا يعم فيه السلام و الأمن و يسوده القانون يتمتع بعلاقات طيبة مع جوار عراقي – سني – كردي – شيعي ، و عربي و ايراني هم واهمون بلا أدنى شك ، مهما كانت مبرراتهم للقبول بمثل هذا الكيان .مبررات الشيعة تختلف عن مبررات السنة و يختلف الإثنان عن مبررات الكرد ، على أن القيادات الشيعية لم تعد تتحدث كثيرا عن شيعستان بعد تجييش الآلاف من شبابهم في قوات تقتحم المحافظات السنية التي يحتلها داعش بدعوى تحريرها منه ، فالكثير يرون أن إصرار الحشد الشعبي على المشاركة في اقتحام هذه المدن بعد دكها بالصواريخ و استبعاد أي تشكيل عسكري من أبناء تلك المحافظات ، إضافة لأسباب أخرى ، الغاية منه دق مسامير جحا في جدران هذه المدن مما يضعف حق اهلها بالمطالبة بحكمها لاحقا باعتبار أنهم لم يشاركوا في تحريرها عوضا عن التهمة الكبيرة بانتمائهم او إيوائهم و دعمهم لهذا التنظيم ، فالفاتحون هنا يطمحون الى شيء أكبر من مجرد إقليم
الكرد أيضا لم يعد يعنيهم كثيرا الحديث عن فدرالية ضمن حدود العراق بعد اندلاع الحرب في سوريا و كان صوتهم قبل ذلك أعلى الأصوات في الحديث عنها لكن احداث سوريا أنعشت حلما كرديا قديما بإقامة كردستان الكبرى ، فهم اليوم يساومون على حصتهم من العراق ضمن دولتهم القادمة لا على إقليم ضمن حدود العراق
السنة اليوم هم أكثر المطالبين بالتقسيم ، باعتباره حيلة المضطر و لم يبق منهم غير مدنيين مسحوقين بين سندان داعش و مطرقة الحكومة ، و قادة و شيوخ يغطون في نوم عميق في فنادق عمان و أربيل و غيرها بانتظار ما ستؤول اليه المعارك ، فالمدنيون يريدون التمسك ولو بقشة تنجيهم من وضعهم البائس بين المخيمات أو تحت سياط داعش و صواريخ الجيش و الحشد و التحالف أما شيوخهم فقد ملوا الانتظار في فنادق 5 نجوم لم يعتادوها حيث لا شعب فيحكموه و لا مضيف فيفترشوهلكن شيئا من هذا لن يحصل على الاطلاق ، لا الكرد و لا الشيعة و لا السنة سيكون لهم شيء من ذلك لو وصلت الامور الى اعلان التقسيم . فكل من أنفق فلسا أو درب فصيلا أو أرسل مستشارا سيبرز فاتورته ، والفاتورة الكبرى ستكون من نصيب دول التحالف (ضد) الارهاب و ببركة الرعاة الرسميين لهذه الحفلة لن يتبقى شيء لا للشيخ و لا للسركالإعلان التقسيم سيكون بداية الحرب الجديدة بين هذه الأطراف لا نهاية للحرب كما يتوهم البعض . سيكون لكل إقليم ورقة ضغط وتهديد و مساومة لابتزاز شركائه ، الكرد لديهم مطالب تتعلق بمناطق ” متنازع عليها” أهمها كركوك و ستضاف لها مناطق أخرى بمجرد انسحاب داعش ، سد الموصل يمكن ان يكون عامل تهديد و مساومة بيد الكرد في أي مفاوضات قادمة إذا استولت عليه البيشمركة أو إذا تنازل الآخرون لهم عنه عند اقتسام الحصص بينهم ، غربا هناك مشكلة مياه الفرات الذي يمر من الأنبار يمكن أن تكون هي الأخرى ورقة مفاوضات بيد العشائر التي ستحكم هذه المناطق و مشكلة الصراع على منطقة النخيب بين محافظتي الأنبار و كربلاء ، أما نفط الجنوب فهو ورقة شيعستان ، ستنشأ أيضا تجمعات لأقليات من جميع الأطراف لدى جميع الأطراف لن تنجو من حوادث تنكيل متبادلة . ممثلي هذه المجاميع الذين لم يتفقوا على شيء منذ حكمهم لعراق واحد لن يتفقوا في عراق مقسم على جعل هذه الأوراق عامل توازن و استقرار بدل أن تكون عامل صراع
خيار التمسك بوحدة العراق هو الحل الوحيد الذي يخدم الجميع ، نعم هو الخيار الأصعب نتيجة للوضع بالغ التعقيد لكنه الأفضل و هو خيار لا يمكن تحقيقه الا بنشوء قوى جديدة تزيح كل رموز الفساد التي جاءت مع الإحتلال تكون قاعدتها الحقيقية هذه الجماهير التي بدأت تتظاهر و سط وعي متنام أن الخندق الطائفي و العرقي ليس وطنا حتى ولو كان بعَلَم و مركز شرطة و إنما بدعة اوجدها هؤلاء المفسدون ليضمنوا بقاءهم