لم تكن تلك المرة الأولى التي هاجم بها الشيخ قيس الخزعلي أمين عام حركة عصائب أهل الحق قيادة اقليم كردستان العراق متوعدا باستعادة قضاء سنجار واصفا عملية تحريره من قبل قوات البيشمركة بالاحتلال الأكثر تعقيدا !! فقد شهدت العلاقة بين فصائل الحشد الشعبي وحكومة الاقليم الكثير من الشد والجذب طوال الفترة السابقة وتبادل الطرفان التصريحات النارية والتي وصلت لحد اعلان الأكراد عزمهم التصدي بالقوة لأي محاولة لدخول كركوك من قبل قوات الحشد والتهديد باستهداف المصالح الكردية في بغداد من قبل بعض قادة الحشد !! ناهيك عن استمرار ترديدهم لفكرة اتهام الأكراد بتسهيل عملية سقوط الموصل بيد داعش وهي الرؤية التي روجها رئيس الوزراء السابق وأنصاره دون تقديم أي دليل ملموس على جديتها وهو بكل الأحوال لايفسر الانسحاب المفاجئ للجيش من الموصل بدون قتال أنذاك .
ومن هنا يمكن فهم طبيعة العلاقة المتوترة بين الطرفين مايجعل من صدامهما المسلح أمر واقع وان كان توقيته المبكر في طوزخوماتو شكل مفاجأة بكل المقاييس مع استمرار المعارك الحاسمة ضد تنظيم داعش في أكثر من جبهة خصوصا ان هناك اختلافا جذريا بين أجندات الطرفين وهو ماعززته حالة الاستقطاب الدولي في الحرب على الارهاب في العراق وسوريا بين الحشد (الميال للتحالف الرباعي) والبيشمركة (الحليف الأمثل للولايات المتحدة) .
وبقراءة متأنية لماجرى في الطوز نستطيع أن نستخلص منها عدة حقائق منها ان الصراع في تلك المدينة ذا طابع قومي أساسا لا مذهبي بين مد كردي ساعي للسيطرة على المناطق المختلطة تمهيدا لضمها للاقليم تحت شعار محاربة الارهاب وحائط صد تركماني يسعى لتعويض خسارة معركته الوجودية الأساسية في كركوك أمام الكرد تحديدا ومستعد للدفاع باستماتة عن ماتبقى له من معاقل تاريخية في الجغرافية العراقية وان الرئيس البارزاني
يسعى من خلال هذه الأحداث للهروب من أزمته السياسية الداخلية واعادة تصوير نفسه كبطل قومي لشعبه المنقسم حول ولايته الثالثة دون اغفال دور بغداد السلبي والتي تتحمل حكوماتها المتعاقبة مآلات الوضع الحالي بفشلها في ايجاد حل سياسي واداري بمقتضى الدستور لمشكلة المناطق المختلطة في ديالى وصلاح الدين وكركوك والموصل وهو مايفتح الباب واسعا لحسم عائديتها عسكريا في غمرة الصراع الوجودي مع داعش ومايتردد من حديث حول اعادة رسم خريطة المنطقة برمتها.
لقد ساهمت حالة الاحتقان الطائفي والشحن القومي بين مختلف المكونات (وريثة الشعب) وانعكاس ذلك بالمواقف السياسية في تفاقم خطورة ملف المناطق المختلطة وأدى التناسب العكسي بين صعود نجم القوى المسلحة ذات الطابع المذهبي والقومي والمناطقي وتغول مراكز القوى السياسية من ناحية وضعف كيان الدولة وتراجع هيبة القانون من ناحية أخرى الى انعدام وجود فرص حقيقية للحل السلمي والتسوية السياسية . فبمرور الزمن ومع تداعيات الانهيار الكبير أمام داعش صيف العام الماضي يمكن القول بأن المكونات العراقية باتت في حالة عدم الثقة في قدرة منظومة الدولة القائمة على حمايتها و الحفاظ على مصالحها وتلبية مطالبها وهو ما أدى لميلها للاعتماد على الذات في الدفاع عن الوجود واستخدام مسلحيها بالتالي لورقة قتال داعش كوسيلة لتحقيق غايات خاصة فانصرفت الغالبية الشيعية لدعم الحشد الشعبي بقوة بحيث بات العنوان الأبرز للطائفة ان لم يكن قوتها الضاربة وبدا واضحا انه قد وضع نصب عينيه على السلطة في بغداد وحافظ الأكراد على خصوصيتهم وأندفعوا في استثمار الفرصة التاريخية لرسم حدود الدولة الكردية بالدم !! فيما تطلع السنة لكيان خاص بمعزل عن النفوذ الايراني وبدعم أمريكي يبدو الطريق اليه وعر ومحفوف بالمخاطر في ظل العوائق العديدة التي تعترض تجهيز وتسليح عشائرهم وتشريع قانون الحرس الوطني بالاضافة لخلافاتهم الداخلية ، وبالنظر لهذه الأجندات المتناقضة والمتعارضة فأن الصدام بين حامليها حتمي وطبيعي خاصة اذا ماتم التعامل مع الأرض المحررة بسياسات الضم والتغيير الديموغرافي ناهيك عن الانتقام العشوائي الغير المنضبط من ساكنيها من قبل المكلومين من وحشية داعش والمترقبين بفارغ الصبر للحظة الانتقام مثلما حصل في قرية البوعجيل ويحصل الآن في سنجار وهو رد فعل طبيعي ومتوقع الا ان لجمه قانونا أمر ضروري للحيلولة دون أن تصب في مصلحة التنظيم المتطرف ولاستعادة ثقافة القانون في المجتمع والدولة من خلال حصر معاقبة المتعاونين مع داعش بالقضاء .
لقد قدم مقاتلوا الحشد الشعبي والبيشمركة والعشائر تضحيات كبيرة وحققوا انتصارات حاسمة في المعركة ضد الارهاب غير ان الصدام بين أطراف هذا الثالوث هو خيانة لدماء الشهداء واستهانة بتضحياتهم ولم و لن يؤدي لانتصار طرف ما بقدر ما سيحدث ثغرة ستنفذ منها داعش لالتقاط الأنفاس ومعاودة الكره وهو مايجب أن يدركه قادة هذه الجهات بالدرجة الأولى فالتنظيم المتطرف كان ولا يزال يعتمد وبدرجة كبيرة على الخلافات بين خصومه ، كما ان عدم استيعاب هذه القوى الثلاث بمنظومة الدولة وخضوعها لارادتها بشكل تام
بعد الحرب والحرص على اعادة الاعتبار والأولوية للمؤسسة العسكرية النظامية لن يصب في مصلحة العراق على المدى المتوسط والبعيد رغم صعوبة موضوع “الاخضاع” حيث يحتاج العراق لحكومة قوية وقادرة على التأثير في دول الجوار لغرض التوافق الاقليمي والتأكيد على الربط بين مصالح مختلف الأطراف و وجود مؤسسات دولة مهنية وأجهزة أمنية محترفة في البلاد لأن مادون ذلك يعني انه بالامكان كسب جولة المعركة ضد الارهاب مؤقتا لكن ذلك لايعني بالضرورة تحقيق ربح في سباق بناء دولة القانون والمؤسسات ، تلك الدولة التي تجمع الطبقة السياسية الحالية على اجهاض أية محاولة لولادتها وبالتالي ضمان العودة لنقطة الصفر ان لم تفضي هذه المرة لتقسيم واقعي للبلاد لأن داعش كان ولايزال نتيجة لأزمتنا العميقة و اللامتناهية لا سببا لها بحد ذاته وهو مايرفض البعض تصديقه بغرابة لغاية الآن ! فداعش هي مخاض لمرحلة جديدة في تاريخ العراق لاتوجد مؤشرات ايجابية حيالها لغاية اللحظة …