23 ديسمبر، 2024 12:01 ص

عراق اليوم.. (الحلقة الثالثة.. الأخيرة).. الواقع مجسداً

عراق اليوم.. (الحلقة الثالثة.. الأخيرة).. الواقع مجسداً

أوقفت المرجعية الدينية العليا ممثلة بالسيد السيستاني الانهيار الأمني لقواتنا المسلحة أمام داعش.. بإعلانها “الجهاد الكفائي”.. ومنذ الأيام الأولى لتشكيل حكومة حيدر ألعبادي واجهت عجزاً مالياً خطيراً.. فالخزينة خاوية.. وانخفاض مستمر في أسعار النفط الخام.. مقابل متطلبات رواتب الموظفين والمتقاعدين.. والتخصيصات الاستثمارية.. والمتطلبات المالية الأخرى في تصاعد.. واستمرار الفساد المالي المتصاعد الذي يعم كل المؤسسات الحكومية.. إضافة إلى متطلبات المواجهة العسكرية لداعش.
ـ وجاءت التظاهرات الجماهيرية المطالبة بالإصلاح.. وتوفير الخدمات ومحاربة الفساد.. لتكون المنقذ لحكومة ألعبادي.. الذي سارع باتخاذ عدة قرارات تقشف.. تحت يافطة “الإصلاح”.. لتمتص الكتل السياسية فيما بعد.. التي فقدت بعض امتيازاتها.. هذه الإجراءات.. وتحاول تسويفها أو إلغائها.
ـ وعلى الرغم من استمرار التظاهرات.. ودخول التيار الصدري لقيادتها تحت يافطة محاربة الفساد.. وإقامة حكومة كفاءات.. مرشحاً أكثر من 70 شخصية لاختيار منها الحكومة.. وما انعكس ذلك على تعطيل البرلمان.. وتعثر جلسات الحكومة بعض الحين.
ـ وعلى الرغم من اختيار الوزراء البدلاء والجدد من هؤلاء التكنوقراط .. فقد أثبتت حكومة ألعبادي حتى ألان عجزها في محاربة الفساد.. وعلى السيطرة على عمليات الاغتيالات والسرقة.. فيما أثبت الواقع إن بعض حمايات المسؤولين.. وميليشيات مختلفة.. والعشائر هي المسيطرة على الكثير من المدن والمناطق.. وغياب سلطة الدولة والقانون.
ـ كل ذلك يقابله.. كتل شيعية.. تنافس كل واحدة منها الأخرى بشكل يصل إلى التآمر ضمن تحالف هش.. فالعقل السياسي الشيعي الذي يقود الحكم في العراق باسم الشيعة.. لا يمثل الشيعة فعلاً.. وإنما تستخدم هذه الكتل الشيعة للوصول إلى السلطة.. والحفاظ على مصالحها الخاصة وأموالها وامتيازاتها.
ـ في مقابل هذه الكتل الشيعية.. وحدة القوى الكردية حول مطالبيهم المشروعة وغير المشروعة.. أمام الحكومة المركزية ببغداد ومجلس النواب العراقي.. كذلك الكتل السياسية السنية.. فعلى الرغم من تفككها.. لكنها تقيم الدنيا ولا تقعدها للحصول على أكبر المغانم ضمن سياسة “خذ.. وطالب بقوة”.
ـ أما الشعب.. باعتباره مصدر السلطات.. فاستطاع الاحتلال.. وهذه الكتل السياسية إلى استكمال تفكيكه وتمزيقه بالطائفية..والحرمان.. والبطالة.. والجوع.. والجهل.. والأمراض.. والانحراف.. والجريمة المنظمة.. وبقيً مكتوف اليدين.. لن يستطيع القيام بأكثر من تظاهرات عفوية.. تسيطر عليها.. أو تسرقها القوى السياسية الحالية.. بشكل أو بآخر.. فليس هناك تنظيمات سياسية حقيقية نابعة من الشعب.. تستطيع أخذ المبادرة الشعبية.. “شعبٌ يركضُ.. ولا يدري مع من يكون؟ وضد من يكون؟”.
ـ إن معارك تحرير المدن والمناطق من داعش تتطلب جهوداً كبيرة.. ووحدة مواقف الكتل السياسية من قضية التحرير.. وبالتالي فإن تحقيق النصر النهائي على داعش ليس سهلاً.. حيث أخذ تحرير المدن من داعش أكثر من ثلاث سنوات.. قدم العراق مليون شهيد.. يقابله أكثر من مليون أرملة ..وثلاثة ملايين نازح.. وجيش من الأيتام.. وطفولة في الشوارع.
ـ عجز الدولة على أعمار المدن والمناطق التي تحررت من داعش.. خاصة إن داعش لم تخرج من المدن.. إلا بعد تدميرها.. كما فعلت في سنجار والرمادي وأخيراً المدينة القديم في الموصل وغيرها.
ـ أضف الى ذلك إن الدعم المالي الدولي لأعمار هذه المناطق والمدن المحررة جاء شحيحاً.. وهذا الشحيح سيذهب أكثر من نصفه في جيوب السراق المسؤولين عن الأعمار.. وتبقى مشكلة النازحين من المشاكل المستديمة التي يعيشها العراق وهي: “أزمة السكن.. قلة الأبنية المدرسية.. نقص في إنتاج الطاقة.. غياب الصناعات النفطية والبتروكيمياوية.. شحة المياه والسدود.. غياب الأمن الغذائي.. وانتشار الألغام والمقذوفات”.
ـ فعراق ما بعد داعش يواجه أمام أخطر المشاكل المعقدة.. وفي مقدمتها مشكلة غير قابلة للحل في ظل الواقع العراقي الحالي.. مشكلة مليوني طفل وفتى يتيم.. بلا معيل.. بلا رعاية.. بلا سكن.. بلا راتب.. بلا دراسة.. وبلا عمل.. ومؤسسات رعاية الأيتام في العراق جميعها “الحكومية والإنسانية” لا تستطيع استيعاب ورعاية 150 ألف يتيم.. إذن العراق أمام انحرافات خطيرة لأجيال من الطفولة والفتوة “الأيتام خاصة”.
ـ ارتفاع معدلات البطالة.. واستمرار وتصاعد الفساد المالي والإداري.. واستمرار تصاعد مستويات الفقر.. وتوسع في العشوائيات. وبيوت الطين والتنك.. وارتفاع معدلات الأمية بشكل خطير.. واستمرار المشاكل الاجتماعية المزمنة وتفاقمها: “أولاد الشوارع.. تسول.. الجريمة.. الانحراف.. والمخدرات”.
ـ اهتزاز الوضع الأمني في معظم المدن.. خاصة العاصمة بغداد.. لانشغال القوات الأمنية بتأمين الوضع الأمني في المناطق المحررة.. والمناطق المتنازع عليها التي تسلمتها القوات الأمنية بعد فشل الاستفتاء في إقليم كردستان.
ـ كما سرقت دماء العراقيين.. وتم تجيرها بأسماء الكتل السياسية.. ويزور تاريخ اليوم.. مثلما زورً تاريخ الأمس.. ويقاس حجم الكتل السياسية وقوتها في عراق ما بعد داعش.. ليس بفكرها.. ولا بما قدمته للوطن والمجتمع.. بل بعدد بنادقها.
ـ هكذا جاءت الانتخابات التشريعية في أيار 2018 بتزوير لم يشهده العراق ولا حتى الصومال.. فأكثر من 70 % قاطعوا الانتخابات ليأسهم من كتل سياسية.. همها زيادة ثرائها وسلطتها.. والاستحواذ على كل شي.
ـ وستكون لغة التخاطب فيما بين الكتل السياسية لغة الرصاص.. وليس لغة السياسة.. فالقوة ولعلعة البنادق ستكون حاضرة في الحوارات والتفاهم.. وليس الوطن ومصالح الشعب.. على الرغم مما ينقل لنا عبر الفضائيات من استقبال.. وتبويس لحى.. وتشكيل تحالفات وهمية تسقط بعد أيام.
ـ فيما يستمر مسلسل القتل بشعارات جديدة تدغدغ مشاعر أبناء المناطق.. أو تثير ردات فعل مذهبية وطائفية وعنصرية.. ويبقى الوطن غائباً.. مثلما يبقى المثقفون الحقيقيون النزيهون مهمشين أو مغيبين أو يستجدون معيشتهم.
ـ أما ألجهات الأمريكية.. “المخابرات المركزية والخارجية ولجنة الأمن في الكونغرس”.. فتركز لحل المشكلة العراقية على إقامة حكومة عراقية صديقة لأمريكا.. بعيدة عن التدخل في شؤون سوريا واليمن والخليج بتأييد ودعم إيراني.. وتقليص النفوذ الإيراني.. بطرق مستجدة وفاعلة.
ـ في المقابل ليس بالضرورة أن يكون النصر بطرد داعش جغرافياً.. بل قد يكون النصر بتحول المسار الأيديولوجي لداعش من “عصابات قتل وترهيب” الى “مجاميع حكم وسلطة”.. وهو ما بدأ الترتيب له منذ وقت مبكر.. وأخذ شكل كتل سياسية جديدة دخلت الانتخابات النيابية العام 2018.. كذلك دخلت تحت يافطة “منظمات مجتمع مدني ..إنسانية.. وشبابية.. مدعومة بقوة من رؤوس النظام السابق.. ومن آخرين فقدوا امتيازاتهم”.
ـ إن بقاء العراق ضعيفاً تعمل له كل الكتل السياسية الداخلية.. وكل الدول المجاورة.. والولايات المتحدة.. وكل دول الغرب.. لتبقى تستطيع السيطرة على الوضع.. وتحركه كيفما تشاء.. وهذا يعني بقاء الفساد مسيطراً على البلاد.. وبقاء البطالة.. والفقر بمستويات عالية.. واستمرار الجهل.. وإبقاء مستويات التعليم منخفضة.. وغياب الخدمات الصحية المجانية.
ـ إن شعارات حكومة وطنية.. وتكنوقراط.. ومحاربة الفساد.. شعارات للتطبيق الكاذب.. ويبقى البلد هكذا.. ولن تكون حلول جذرية لعقدين كاملين على الأقل.
ـ بقيً أن نقول: بالرغم من إيماننا التام بإرادة الشعوب.. فهل يستطيع العراقيون الوطنيون.. المتجاوزون للطائفية والعنصرية.. والذين لم تلوث أيديهم بدماء العراقيين وبالمال العام.. وغير مرتبطين بأجندات خارجية.. “جماهيرً ونخبً ثقافية واجتماعية وسياسية”.. قلبً الأوضاع لصالحِ وحدة العراق.. شعباً وجغرافيةً.. وتوجهات بناء الدولة المدنية القائمة على أساس اًلمواطنة والمساواة الحقيقية بين كل العراقيين دون استثناء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.. نعم تستطيع “نظرياً”.. أما عملياً.. فالواقع يشير الى إن الأوضاع لم تنضج لمستوى تحقيق هذه الأمنيات.. وتتطلب عقدين من الزمن على الأقل.. وبجهود جبارة من كل النخب العراقية الشريفة!!