18 ديسمبر، 2024 6:47 م

عراق اليوم.. (الحلقة الأولى).. انعكاسات النظام الإيراني الإسلامي واحتلال العراق

عراق اليوم.. (الحلقة الأولى).. انعكاسات النظام الإيراني الإسلامي واحتلال العراق

إن إسقاط نظام الشاه.. وانتصار الثورة الإسلامية في إيران.. في شباط العام 1979.. وتلك الجماهيرية الطاغية المؤيدة لهذه الثورة.. والشعور بالتعاطف الجماهيري معها في العراق.. وبعض مناطق الخليج.. والشعارات العالمية التي رفعتها هذه الثورة ب (تصدير الثورة).. دقت ناقوس الخطر بقوة لدى أمراء الخليج خوفاً من انتقال الثورة لبلدانهم.. وتوترت الحالة بين العراق والثورة الإيرانية رسمياً.. مثلما شعرت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية من الخطر.. على مصالحهم في الشرق الأوسط في حال انتشار هذه الثورة في المنطقة.
فتعاون جميع القادة.. وأعطت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج الضوء الأخضر بطرد احمد حسن البكر من رئاسة الجمهورية العراقية.. الذي رفض إعلان الحرب على إيران.. وصعود صدام حسين للموقع الأول في الدولة والحزب.. ومنحوه الضوء الأخضر.. وتأييدهم ودعمهم المفتوح له.. فدخل العراق بحرب الثماني سنوات.. بالنيابة الأمة العربية.. تلك الحرب أحرقت الأخضر واليابس في العراق.
وخرج النظامان (العراقي والإيراني) منهوكي القوى.. وشعرت دول الخليج العربية وأمريكا والغرب إن خطر إيران في تصدير الثورة الى الخارج تم إيقافه.. وإنها ستتعامل مع ترويض هذا النظام أو إسقاطه بالتدريج.. فأخذت بخلق المشاكل ومحاولات إحداث الفوضى داخل إيران.. مثلما نجحت في فرض الحصار عليه.. واستطاعت الولايات المتحدة والغرب مؤخراً البدء بخطوات إنهاء البرنامج النووي الإيراني.. والإبقاء على استخداماته السلمية.. التي نجحت في فرض اتفاقية البرنامج النووي.. وتطورت الحالة الإيرانية.. لتكون لها نفوذ وقوة عسكرية واقتصادية ليس في العراق فحسب.. بل في لبنان.. وفي سوريا.. وفي البحرين.. وغزة.. واليمن.. عدا قوتها في منطقة الخليج العربي.
بالمقابل اُحترقت ورقة صدام حسين.. واستكمل تدمير العراق.. بدفعه لاحتلال الكويت.. ومن ثم تدمير جيشه.. وفرض الحصار الدولي على العراق.. وعندما اندلعت الانتفاضة الشعبانية في وسط وجنوب العراق في أوائل آذار العام 1991 شعرت أمريكا إن انتصار هذه الانتفاضة دعم قوي لإيران.. لذلك دعمت نظام صدام.. وسكتت عن جرائمه في القتل الجماعي..والتدمير المفرط في المناطق المنتفضة.
فيما دعمت الولايات المتحدة انتفاضة كردستان العراق..التي اندلعت في ذات الوقت.. (آذار 1991).. واستطاعت استقطاع كردستان عن سلطة صدام.. ووضعها تحت الحماية الدولية والحماية الأمريكية.. لأن ذلك إضعاف لسلطة صدام.. وتعزيز لدور أمريكا في شمال العراق.
استمرت أمريكا والغرب ودول الخليج والأمم المتحدة في الضغط على نظام صدام.. تحت يافطة “امتلاكه أسلحة الدمار الشامل”.. بالمقابل فإن فرض الحصار الاقتصادي الشامل على العراق أدى الى مغادرة أكثر من نصف مليون عراقي الى الخارج.. كما أدى احتلال الكويت والحصار الاقتصادي الى توسع كبير وسريع للمعارضة العراقية في الخارج.. تلك المعارضة التي كانت ترفع شعار “إسقاط نظام صدام وإقامة الديمقراطية”.. لكنها لم تكن تمتلك رؤية حقيقية لتحقيق تلك الأهداف.. ولم تكن في حضن العراقيين والعراق.. بل كانت في حضن الدول المضيفة.. والدول الممولة لتلك الكتل والشخصيات السياسية.. لذلك لم تكن المعارضة في طليعة التخطيط والتنفيذ لعملية التحرير أو مشاركة فيه.. بل كانت ذيل ل “المحرر” الأجنبي.
ففي نيسان العام 2003 احتل العراق.. من قبل التحالف الدولي المكون من 49 دولة وجيوش جرارة وتدمير كل شيْ.. تحت شعار “تحرير العراق”.. وأسقط نظام صدام.. وأقيمت إدارة مدنية للاحتلال.. وإدارة عسكرية لقيادة “130” ألف جندي غازي.. موزعين على مدن العراق.
هاتان الإدارتان اعتبرتا كل العراقيين أعداء لهم.. باستثناء عراقيي الخارج.. الذين قسمهم المحتل إلى قسمين: الأول: “أصدقاء” وهم في الحقيقة خدم وعملاء له بامتياز.. القسم الثاني: “ليسوا أصدقاء.. وليسوا أعداء”: وهم الأحزاب الإسلامية الشيعية.. لعلاقتها بإيران.. لكن ذلك لا يمنع من وجود أصدقاء وعملاء لأمريكا داخل هذه الأحزاب.. أما عراقيو الداخل: فجميعهم.. يعتبرهم الاحتلال أعداء له.. ولا بد أن يثبتوا العكس.
وهكذا جرى التعامل مع عراقيي الداخل.. ليس من قبل المحتلين فحسب.. بل من قبل عراقيي الخارج أيضا.. الذين ينظرون الى عراقيي الداخل نظرة حذر وشك وعداء.. فعراقيو الخارج جاؤوا ليستولوا على غنيمتهم “الحكم.. والجاه.. والأموال.. وليكونوا الوريث لسلطة صدام بحماية الأمريكان”.
بينما كان الأجدر في أحزاب المعارضة التعامل مع العراقيين على إنهم شعب ظلموا.. ولا بد أن يأخذوا حقوقهم.. والعمل سويةً على تشكيل جبهة عريضة من كل قوى الشعب “بإستثاء الصدامين”.. تأخذ هذه الجبهة دورها في إعادة بناء العراق.. والتعامل مع سلطة الاحتلال لانتزاع حقوق العراق من المحتل “الصديق” وفق القوانين والأعراف الدولية.
لكن العكس هو الذي ساد.. فعمت الساحة العراقية عمليات النهب والقتل والاختطاف والاستحواذ على الأملاك العامة.. وحتى الخاصة.. بتشجيع ومشاركة المحتل وأصدقاءه.. الذين جاؤوا معه.. إضافة الى مساهمة اللصوص والمجرمين العاديين.. وضعاف النفوس.. لتتحول الساحة العراقية بسرعة متناهية الى ساحة حرب طائفية.. يؤججها المتضررون من الاحتلال من صدامين وطائفيين وقتلة.. وسلطة يديرها سذج.. وطائفيون.. وحاقدون على كل العراقيين دون استثناء.
وانطلقت كل العناصر تحت شعار “إسقاط سلطة الاحتلال.. وطرد المحتلين”.. تحت مسميات: “القاعدة.. والمقاومة.. والجهاد والتحرير.. وجيش المهدي.. وتنظيمات وأسماء لا حصر لها”.. وكان الضحايا ليس الأمريكان.. وليس من جاء معهم أو شاركهم الحكم.. بل من كل العراقيين “شيعة وسنة من العرب فقط”.. فكردستان أمينة ومحمية.. وحتى الأكراد البعثيون والأكراد الفرسان “الجحوش” استقبلوا من قبل حكومة الإقليم والأكراد.. وتصالحوا وكأن شيئاً لم يكن.. باستثناء حالات فردية.
وأخذ جيش الاحتلال دوره في تأمين الأمن لقواته وسلطته.. فتمً حل الجيش العراقي.. تحت ذريعة انه “جيش صدام”.. وشنت القوات المحتلة.. الأمريكية والبريطانية بشكل خاص الحرب في كل مدن العراق.. واعتقال عشرات الآلاف.. وقتل وتعذيب عشرات الآلاف من العراقيين تحت يافطة “إرهابيون أو بعثيون”.. يعاونه في ذلك عملاؤه الذين جاؤوا معه.. وعملاء جدد قدموا أنفسهم لخدمة المحتل الأجنبي.
كما شنًت القوات الأمريكية المحتلة معاركها الكبيرة ضد العراقيين بمباركة وتأييد أول حكومة “عراقية” مؤقتة برئاسة أياد علاوي.. فكان تدمير الفلوجة بمعركتين كبيرتين العام 2004.. وتزامنت معها معركة النجف الاشرف.. التي كادت أن تعيد لنا صورة دمار حسين كامل للنجف والصحن ألشريف العام 1991.. لولا أن قطع السيد علي السيستاني علاجه في الخارج.. والعودة بسرعة الى العراق.. ليوقف تدمير النجف والصحن الحيدري من قبل قوات الاحتلال وعملائهم.
استمرت قوات الاحتلال في مقاتلة العراقيين في شوارع ومدن وقصبات العراق.. فيما انشغلً السياسيون الجدد بالنهب لكل شيْ.. فانتشر الفساد.. وبيع العراق.. وتراثه.. ونفطه.. فلا بنية تحتية.. ولا جيش.. ولا صناعة.. ولا زراعة.. ولا مياه صالحة للشرب.. ولا طاقة.. ولا بيئة نظيفة.. حتى المستشفيات أصبحت مأوى للحيوانات.. ومستشفيات جديدة فضائية (أي لا وجود لها على الواقع).. ويصرف لها مخصصات ورواتب موظفين وأطباء.
الأنكى من ذلك استمر القتل والنهب على قدم وساق.. والكل يقتل لأتفه الأسباب.. أو بلا أسباب.. وامتلأت المعتقلات والسجون بالمجرمين والقتلة والأبرياء والإرهابيين.. لتكون هذه السجون مدارس وأكاديميات لتخريج أعتى الإرهابيين والقتلة والسراق والمنحرفين.
وظل المحتلون بغير حساب قانوني.. فهم ملزمون وفق القوانين الدولية “بالحفاظ على مواطني البلد المحتل.. وتوفير مستلزمات الأمن والحياة الكريمة لمواطني البلد المحتل.. وتعمير البنى التحتية التي دمرت جراء الاحتلال.. والعمل على بناء وتقدم البلاد.. قبل أن يخرجوا ويسلموا الحكم الى أهل البلاد”.. وفق القوانين الدولية التي تنظم علاقة المحتل بأهالي المناطق المحتلة.
بالمقابل سنً دستور جديد للبلاد نص على: إقامة نظام اتحادي فدرالي نيابي ديمقراطي.. وتداول السلطة سليماً.. وضمان حرية التعبير.. والتعددية الحزبية.. لكن على صعيد الواقع أقيم نظام المحاصصة.. الذي لم يحقق الديمقراطية الحقيقية.. وأقيمت دولة المكونات.. وليست دولة المواطنة.. فتعززت الطائفية في العراق بشكل خطير.. أدت الى الحرب الطائفية.. التي مازالت تستعر بين آونة وأخرى.
ـ وفي العام 2008 اتفقت حكومة العراق “المنتخبة” والولايات المتحدة الأمريكية على إنهاء الاحتلال.. وخروج قواتها وفق اتفاقية.. أغفلً واضعو هذه الاتفاقية بنداً مهماً.. وأساسياً.. وهو بند “التعويضات”.. فكان لزاماً أن يثبت في الاتفاقية ما على أمريكا من الالتزامات المدنية وحقوق العراق.. والإضرار الناتجة عن الاحتلال.. وعن فعاليات القوات الأمريكية في العراق منذ العام 2003 حتى خروجهم من العراق.. ويدفعوا عن كل ذلك تعويضات الى العراق.. وهو حق مثبت في القوانين الدولية.. كما تحقق ذلك ل (ايطاليا.. وألمانيا.. واليابان.. واليونان.. ودول شرقي أسيا بعد الحرب العالمية الثانية).. وتحقق ذلك حتى للكويت التي استمر العراق يدفع لها تعويضات عن احتلاله لها لمدة سبعة أشهر (آب 1990ـ شباط 1991حتى نيسان 2009).. باعتبار إن هذه الدولة احتلت وأصابها الخراب والدمار جراء الاحتلال العراقي.

(ملاحظة): انتظرونا: الحلقة الثانية: (عراق ما بعد داعش.. تأهيل العراق للدور الإقليمي الجديد ٢٠٠٣- ٢٠١١).