23 ديسمبر، 2024 4:07 ص

عراق المستقبل .. دكتاتورية، ديموقراطية، ام تقسيم

عراق المستقبل .. دكتاتورية، ديموقراطية، ام تقسيم

ان سقوط الدولة العراقية الحديثة في 9/ نيسان / 2003 ، يعد حدثا مفصليا كبيرا في تاريخ العراق الحديث . وقد جعل هذا الحدث الكبير الباب مفتوحا لكثير من الصراعات والاقوال والتحليلات .. تتخذ مكانها في هذا الخضم المتناحر ، وسوف تستمر انعكاساتها على هذا الحدث الى فترة زمنية طويلة .
ابتدء الكتاب الذي نحن بصدد مراجعته بمقدمة عن التاريخ والقوى السياسية المحركة لهذه الدولة الهامة ضمن محيطها الاقليمي التي قسمتها العداءات العرقية والدينية والسياسية . ويحاول الكتاب ان يبرهن بصورة استفزازية ، ان المستقبل الاقل تناولا في البحث قد يكون هو الافضل ( التقسيم المدبر ) . فان الكتاب يقدم المعلومات الاساسية والتحليل المثير من اجل دراستها واتخاذ القرارات الصحيحة .
يحلل الكتاب مآزق السياسة الامريكية ، ويشير الى ان حتى الوجود الامريكي البارز لن يجعل الوضع  مستقرا في العراق ، لانه دولة ( اصطناعية ) ، ولان شعبها لم يكن له ابدا هوية عامة مشتركة . وبالاضافة الى ذلك ، دمر الحكم البعثي وسلوكياته في العنف السياسي ، الروابط الاجتماعية ، وعززت الولاءات القبلية ( ارض ضحلة للديمقراطية ) ، فان الكتاب وبناءا على ما تقدم ، يقدم المعلومات الاساسية والتحليل المثير من اجل دراستها واتخاذ القرارات الصحيحة .
على هذا الاساس جاء الدافع الاولي للكتاب ، التركيز على عوامل عدم الاستقرار المتأصلة داخل العراق . فقد ناقش المؤلفان مشكلة العراق وراقبوا تطوراته لعدة سنوات . وفكرة المؤلفين عن العراق المتميز بوجود هويات طائفية وعرقية قوية لم تكن جديدة لكنها كانت بالتأكيد غير مجربة ، لان الاكاديميين بصورة خاصة بقوا يركزون على القوة الموحدة لهوية عراقية .. لكن العراق الآن يبدو فسيفساءاً بدرجة عالية من الواقعية ، ولانه مستمر يكافح شبه يائس كي يجد نوعا من الاستقرار ، لان عددا كبيرا من القوى تحكمها احيانا برامج عمل حصرية تظهر من داخل الدولة .. اما لجعل العراق وفق صورتها الخاصة كما هي الحال بالنسبة للسنة والشيعة ، او لابتكار شيء جديد ، كما سيحاول الاكراد ان يفعلوا .
في السنوات الماضية .. كثر الحديث من قبل مجموعة من الكتّاب والمحللين السياسيين عرب واجانب  عن ان العراق قد نشأ عام 1921 ، وقبل هذا التاريخ لم يكن هناك بلد اسمه العراق – الكلام للمؤلفين – فالكثير من هؤلاء يقع في الخطأ وعدم قراءة التاريخ بشكل صحيح ، وعليه يجب علينا ان نوضح هذه النقطة وكذلك ان نفرق بين الوطن والدولة .
ان العراق كوطن لم يولد كما يدعي البعض قبل ثمانين عاما . صحيح ان دولة العراق الحديث قد ولدت في ذاك التاريخ ولكن العراق كوطن كان موجودا في عمق التاريخ . فقد ذكر اسم العراق لاول مرة قبل اكثر من ( 4000 ) سنة في العصر الاكدي تحت اسم ( عراك ) ولفظت الكلمة لاحقا بشكل معدل واصبحت        ( عراق ) .
لقد قيل في العراق ما تزخر به كتب التاريخ من وقائع واحداث بدءا من صدر الاسلام مرورا بعهد الخلافة الراشدة وما قاله الخليفة الراشد ابو بكر الصديق في اهل العراق بانهم ( جوجأة العرب ) والجوجأة صدر الطير . وما قاله الامام علي في اهل العراق ايضاً في انهم ( صناديد العرب ) . فاين ذلك العراق ؟ وعن أي عراق يتحدثون ؟
الغربيون يطلقون اسم ( مابين النهرين ) على العراق ، وقد فاتهم ادراك انها صفة وليست اسما ، وهم يصرون على هذه التسمية في كتبهم رغم ان الشواهد تدل على خلاف ذلك .
لقد تشكل العراق وفقا لحسابات استراتيجية القوى العظمى ، وليس بقصد انشاء دولة ذات حكم ذاتي متماسكة وفعالة . وهذا رأي اغلب الكتّاب والمحللين بان العراق وطن ودولة مخترعات حديثا . وكان حُكم هذا النتاج المضطرب من الهندسة البريطانية الجغرافية الطبيعية يشمل تقليديا التلاعب الماهر للتقسيمات القبلية والعرقية والطائفية ، الاسلوب الكلاسيكي للهيمنة الاستعمارية ( فرق تسد ) يدعمها احيانا استخدام جرعات كبيرة من العنف .
لقد صاحب بناء وترسيخ الدولة العراقية في العهد الملكي استقرار في الوضع الاقتصادي والسياسي ، بل تم استكمال بناء مؤسسات الدولة الحديثة من جيش وشرطة ودوائر خدمية ومدنية اخرى (علما ان الجيش والشرطة وحرس الحدود نشأت في عهد الاحتلال البريطاني)، ولكن درجة تطور النظام السياسي لم تتماشى مع التطور العام في المجتمع خصوصا على مستوى التعليم والثقافة العامة للطبقات الوسطى بالذات، حيث بقي النظام السياسي على نفس النمط الذي بدأت به الدولة العراقية الحديثة من ضعف المشاركة الشعبية . ويعود السبب في ذلك لاسباب عديدة ، منها البنية السياسية للنظام الملكي التي وضعت العصي في عجلة التطور السياسي ، وذلك من خلال الصلاحية التي منحت للملك محل البرلمان ، وكذلك في آلية الانتخاب التي تفرض شكلا واحدا متوافقا مع سياسة النظام القائم .
لقد كان للموت المبكر للملك فيصل الاول خسارة كبيرة للعراق وخصوصا لمشروع تطويرالنظام السياسي لبناء وترسيخ الهوية الوطنية العراقية الموحدة ( لا هويات فئوية مفصلة على قياسات البلدة والقبيلة والمذهب ) التي كانت في طور البناء الاولي والذي كان ممكنا القيام به على ضوء امكانية وطموحات الملك وشخصيته الكاريزمية . فبعد موت الملك فيصل تولى السلطة ثلة من رجال دفعوا باتجاه ترسيخ النظام الطائفي في العراق والتبرقع بشعار القومية العربية على حساب الهوية الوطنية مما ادى الى زيادة حدة الشرخ بين العرب والكرد وضياع الهوية الوطنية العراقية الموحدة واضعاف الاثنين لاحقا .
لقد اتسم العهد الملكي باستقراره السياسي بالرغم من بعض الاحداث العنيفة التي مرت به .. حركة الآثوريين وانتفاضات العشائر في منطقة الفرات الاوسط وحركات البارزاني ، الا انه يمكن القول ان الوضع العام كان هادئا .
بعد قيام ثورة 14 / تموز/ 1958 ، التي اعتبرت حدثا كبيرا في تاريخ العراق وان بدأت بانقلاب ولكنها لم تلبث اصبحت ثورة ، احدثت تغيرا كبيرا في مشروع الدولة العراقية ولكن هذه الثورة لم تكن الا تغيرا ومن داخل الدولة التي نشأت في العقد الثاني من  القرن العشرين . لذا كان المشروع السياسي للدولة العراقية من خلال ترسيخ الهوية الوطنية العراقية الموحدة ، كما حاولت ازالة الطائفية والعنصرية والجهوية لكنها اصطدمت بمعارضة كبيرة من قبل مجموعات مختلفة ، وبحكم شخصية عبد الكريم قاسم الوطنية المتسامحة التي لم يعرف العراقيون الى الآن الى أي مذهب تنتمي ، كانت عنصرا مهما في المساعدة على بناء الهوية الوطنية .
لقد تراجعت مساحة الاهتمام بالعشائر والقبلية والتمايز الديني والطائفي وحتى العرقي طيلة العهد الذي اقامته ثورة 14 / تموز . لكن العناصر الكامنة في الدولة العراقية حاربت هذه التوجهات بكل شراسة تحت تسميات القومية والشعوبية والقطرية وغيرها من التسميات التي كانت غطاء لمنع أي اصلاح وتصحيح ، والابقاء على نفس الاوضاع التي كانت قائمة في السابق والاستمرار فيها .
ان رؤية المجتمع العراقي مقسماً الى ثلاث مجموعات تتبادل العداء فيما بينها هو باعتراف الجميع مبالغة في التبسيط لواقع معقد . ومع ذلك فان فيه بعض الحقائق الواضحة بسبب هيمنة السنّة على الدولـة ، كما تشير بذلك السجلات التاريخية بوضوح حيث سيطر على التسلسل الهرمي للسلطة في العراق مجموعات مختلفة من نخب السنّة منذ تأسيس الدولة العراقية .
وليس تبسيطا مبالغا للواقع ان نقول ، ان هذا النموذج هو احدى الحقائق التي لا تخطيء عن السياسة العراقية على الاقل حتى نهاية صدام حسين وربما بعده .. لكن كون المجتمع العراقي مؤلفا من ثلاث جماعات منفصلة – الشمال الكردي / الوسط العربي السني ، والجنوب الشيعي – هو رأي ساذج جدا . على المرء فقط ان يتذكر التداخل السني الكردي –السني العربي ، الشيعي العربي – الشيعي الكردي ، كي يدرك ان المجتمع العراقي متعدد الاشكال في تعقيده . لكن حين الاعتراف بهذا التعقيد لابد من طرح احد الاسئلة المتعلقة باي نظام سياسي وهو سؤال بسيط :- من يحكم ؟
ربما كانت الصفة الاكثر ثباتا للسياسة في العراق الحديث هو حكم العرب السنّة والاكثر اهمية هو ان هيمنة السنّة تجاوزت المستوى الاجتماعي بوضوح . هيمنت على الحكم في النظام الملكي الطبقات الوسطى والعليا من السنّة . اما في النظام الجمهوري فقد هيمن على الحكم الطبقة الوسطى والعامة من السنّة ، وفي عهد البعثيين كانت الهيمنة للسنّة خصوصا التكارتة ، من ادنى طبقة في المجتمع .
يبدو الاتجاه واضحا ، تتغير الطبقة الاجتماعية لكن الهيمنة السنّية تبقى مستمرة . ولم يقم أي نظام حكم واحد خلال تاريخ العراق المتوتر بغض النظر عن اسسه الاجتماعية التحتية بأي شيء ما عدا الاستمرار في الهيمنة السنّية .
لقد بقي السنّة مثلهم مثل أي مجموعة اخرى في العراق على وفاق مع سياسة القمع والمحسوبية مصاغة بدقة وقابلة للتغير ، وكلما كانت أي مجموعة اكثر قربا الى مراكز السلطة اصبحت هذه السياسة اكثر تطرفا . كان المحللون الذين يختارون التركيز على محنة الاكراد والشيعة الاكثر وضوحا يتجاهلون السنّة كمجموعة ، ولكن يجب الاعتراف بمركز السنّة في العراق لانهم كانوا القوة الدافعة في ادارة المنطقة حتى قبل تشكل العراق منذ عدة مئات من السنين . وهذا الارتباط الاقليمي مع الدول العربية الاخرى سيوفر لمهندسي مستقبل العراق واقعا بنيويا قد تثبت صعوبة التغلب عليه خاصة اذا حاول هؤلاء المهندسون ان يغيروا الطابع السياسي لدولة العراق بادخال عناصر تمثيلية كردية وشيعية في الحكومة ، لكن من المحتمل اذا كان من اللازم ابقاء العراق وحدة متكاملة اقليميا ذات حكومة تنشأ من بغداد ومن دون أي شروط موضوعة للتفويض بالسلطة للمناطق السنّية ، بنظام حكومة اكثر استقرارا يكون دكتاتوريا .
كانت سياسة العراق في الحفاظ على قوة الحكومات الاقلية السنّية واقصاء الشيعة من الوصول الى السلطة سياسة سائدة في تاريخ العراق القصير ومبدأً متكرراً في تاريخ الشرق الاوسط العربي .
ولكي نفهم – يقول المؤلفان – لماذا يكون الشيعة قوة مهمشة سياسيا في الشرق الاوسط العربي وفي العراق ؟ من الضروري ان ننقب في اعماق التاريخ الاسلامي وصولا حتى لحظات تأسيس ذلك المذهب . مع ذلك ، بينما لا يزال للتأثيرات التاريخية وتراث الانفصال التقليدي للشيعة عن شؤون وقضايا الدولة اثر على الروح السياسية للشيعة المتدينين ، فان الحداثة غيرت مرة ثانية النظرة السياسية الجماعية للكثير من الشيعة .
ان انتشار كثير من المراكز الشيعية المدنية في العراق والدعم المقدم من قبل ايران الى المنظمات الشيعية والفظاعات التي تعرض لها اغلب الشيعة في جنوب العراق من قبل صدام حسين على الاخص ، جعل الشيعة مسيسين الى مستوى معين لدرجة انه ربما يكون من المستحيل تجاهلهم في عراق ما بعد صدام حسين .
وعلى الرغم من ان المظاهر الشيعية السياسية المختلفة كانت هدفا للحكومات العراقية المتعاقبة ، فان جماهير الشيعة على العموم ليس لديهم أي شك بقبول ودعم صلاحية الدولة العراقية . صحيح ان المشكلة هي مشكلة التمثيل في الدولة العراقية التي تجعل قضية الشيعة مختلفة جدا ، ومن المحتمل ان تكون من المشاكل الاكثر تعقيدا والتي تحتاج الى حل .
والشيعة في العراق يعتبرون انفسهم وطنيين عراقيين ، فقد شاركت القبائل الشيعية بكثافة في ثورة عام 1920 ضد البريطانيين ، والغالبية منهم ايدوا الدولة العراقية ضد ايران في حربها ضد العراق 1980 – 1988 .
ان الشيعة ذوي التوجهات السياسية يعتبرون ان التمثيل الناقص للشيعة في النظام السياسي العراقي هو المشكلة الاساسية التي تواجه تركيبة وعقلية النظام السياسي في العراق .
بشكل عام ، الشيعة في العراق عراقيون اولا وشيعة ثانيا ، وربما تكون عراقيتهم كعرب الميزة التي يعرفون بها بالاضافة الى قبولهم وارتباطهم بالدولة العراقية . والافتراض ان الجنوب الشيعي متميز جذريا عن الوسط السني ، فان ذلك يعني انكارا للروابط الانسانية القائمة بين المنطقتين .
لقد تعززت الروابط المجتمعية خاصة تحت حكم صدام حسين لدرجة انه كان من الصعب حتى لبعض العرب ان يعرفوا اذا كانوا شيعة او سنة ، وقد ساهمت سياسة صدام حسين بعدم تصنيف الطوائف الاسلامية في الاحصاء الرسمي كثيرا في هذا الغموض .
ومع ذلك ، يدل انبعاث الهوية الطائفية الشيعية والرباط الكامن بين الحوزة والجماهير ، ان صورة العراق السياسية المستقبلية يجب ان تتغير . وبالرغم من ان مهمة تحديد الشيعة والسنّة ككيانين متميزين في العراق مهمة غير ذات جدوى . فان امرا واحدا يعود باستمرار ليقلق بناة العراق الجديد وعلى الاخص بالمفهوم الدستوري . لقد بقيت الحكومة العراقية والمؤسسات الادارية الاكثر اهمية ، على العموم ، منطقة حرة سنية .
كانت اذرع السلطة يتحكم بها دائما هؤلاء السنّة الذين كانوا يعتبرون مناسبين في اعين النظام في السلطة . طبعا كان الشيعي احيانا يجد طريقة ما لدخول الحكومة ، لكن على المرء ان ينظر فقط الى خلفية الحكومات العراقية المتعاقبة لكي يدرك ان الشيعة كانوا مجموعة من البشر غير ممثلة بشكل كبير بغض النظر عن كيفية تقييم اشتراكهم في الحكومات .. لقد بدأ هذا يتغير ؟!!
اما ما يتعلق بشأن القومية الكردية ، فان الكتاب يذكر انها كانت ظاهرة جرى التقليل من اهميتها في فهم التطور الصعب في العراق . ومسألة كون الأكراد شعبا غير عربي في دولة كان يهيمن عليها سلسلة من انظمة قومية عربية قوية كانت تعني ان الاكراد قد بقوا قوة اقليمية معنية سياسيا بانجاز حكم ذاتي محلي وعسكري بتحقيق التحكم في مناطق يشكل الاكراد فيها اكثرية . وبسبب هذه الهوية غير العربية وتركيز الطموحات السياسية الكردية الاقليمية ، نادرا ما كان الاكراد يصلون الى مناصب النفوذ داخل الحكومة العربية المركزية ذات الهيمنة السنية ، وعلاوة على ذلك لم يتمتع الاكراد بتمثيل محترم يتناسب مع عددهم لكنهم بدلا من ذلك تعرضوا للضغط والقهر من مستويات ليست مقبولة بأي معنى معنوي او اخلاقي . كان الثمن الانساني لابقاء الاكراد في الدولة العراقية رهيبا . ولما كان الاكراد يسعون الى مستويات اعلى من الحكم الذاتي ، فان الحكومة المركزية ردت باجراءات قمعية قاسية وبصورة متزايدة من اجل ضمان الحفاظ على الوحدة الاقليمية للعراق وصيانة سلطة الحكومة المركزية .
كان الاكراد  ضحايا دائمين لفترات عدم الاستقرار في العراق وهم الآن طليعة دعاة التقسيم، فانه من الضروري تحديد كيف ولماذا يكون الاكراد مختلفين ، وبذلك يفشلون في الانسجام مع مفهوم الدولة العراقية . اضافة الى الاقرار بالاختلافات العرقية واللغوية والثقافية التي تضع الاكراد بمعزل عن العرب فان لحظات رئيسة في تاريخ الاكراد الاليم تحتاج الى معالجة من اجل فهم الصدمة العاطفية التي شابت التجربة الكردية في العراق .
القول ، ان القرن العشرين كان قرنا سهلا للاكراد لا ينطوي على الحقيقة الكاملة ، ومشكلة كون الاكراد اقلية غيرعربية في دولة عربية بصورة اساسية ، اضافة الى منافسيهم الداخليين المتأصلين والمستمرين ، تعني ان التاريخ الكردي العراقي منذ تشكيل العراق يتميز بسلسلة من الكوراث والمآسي الواحدة تلو الاخرى . ومن المحزن انه ليس هناك أي دليل ضئيل يشير الى ان القرن الجديد يبشر بالتحسـن .
والاكراد في العراق الموجودون في قائمة ثوابت معادلات صناع الحدود الاستعماريين ، نجحوا عبر المحنة في ضمان منطقة حكم ذاتي في العراق . وهذه المنطقة قائمة ضد رغبات الجميع ولكنها تخدم شعب المنطقة بصورة فعالة دائما . فهل تكون كردستان العراقية النموذج الذي يجب ان  يناضل الامريكان والبريطانيين لتحقيقه في باقي ارجاء العراق ؟ او هل يمكنه بالفعل ان يكون مؤشرا على ما هو مطلوب لحل قضية العراق قضية التقسيم المدبر لدولة ما كان من الواجب ان تشكل منذ البداية ؟
اذا كان للقضية العراقية ان تحل فعلا فانها ستتطلب اكثر من استبدال نظام دكتاتوري . وقد ولدت الجهود المستمرة لابقاء دولة العراق موحدة عنفا ودكتاتورية . وببساطة قد لا يكون هناك أي طريقة اخرى لضمان الدمج الاقليمي للدولة . لذلك اذا كان من الواجب الا يفشل العراق كدولة فانه مكتوب له ان يحكم بالقمع . والبديل هو تقسيم دولة العراق .
ربما كانت كردستان تمثل الدمل المتقيح الذي يلغي شرعية دولة العراق ولكنه قد يكون الآن التعويذة السحرية لفترة انتقالية من خلال تقسيم مدبر .
لا يمكن لاحد ان ينكر ان للاكراد مشاكلهم الخاصة الداخلية الخطيرة ، ومع ذلك فقد استطاعوا ان يتولوا السلطة في كيان قابل للعيش مدة عقد من السنين بمساعدة الامم المتحدة والمجتمع الدولي باستثناء اسرائيل وتركيا . وقد تكون كردستان اقرب ما يكون الى ادارة كيان ديمقراطي في الشرق الاوسط ، واذا كان المطلوب دولة كردية مستقلة لحفظ هذا الكيان . اذن ، هذا الخيار بحاجة الى التأمل بجدية كبرى .
ان التقسيم لا يخدم أي فئة او طائفة او عرق مهما كبر او صغر والجميع فيه خاسرون ، بل على الجميع ان يقبل ان تكاملهم كشعب هو الاساس ، والعمل والمشاركة بالحكم هو الحل ، من خلال دولة مدنية تحترم الانسان وتحترم حقوقه ، يجب ان يقبل الجميع بان عليهم العيش الند بالند ، وهذا ما يخدم الجميع .

* الكتاب
عراق المستقبل .. دكتاتورية ، ديمقراطية ، ام تقسيم ، تأليف – ليام اندرسون وغاريت ستانسفيلد ، ترجمة – رمزي ق . بدر ، مراجعة وتقديم وتعليق – ماجد شبر، ط 1 ، دار الـوراق ، بيروت ، 2005 ، 424 صفحة .
[email protected]