18 نوفمبر، 2024 1:43 ص
Search
Close this search box.

عراق المالكي: الابتذال السياسي بصفته ثقافة رسمية!!

عراق المالكي: الابتذال السياسي بصفته ثقافة رسمية!!

ربما لا يوجد في قواميس السياسة تعريف مُحدّد لمفهوم (الإبتذال السياسي) الذي ميّز حكم الإحزاب الدينية في العراق بعد 2003، لكن منطقياً إن أي عمل مخالف للدستور والأعراف ويؤدي إلى إلحاق أضرار مادية أو معنوية بالمواطنين، أو إساءة استخدام السلطة بما يؤدي إلى هدر المال العام أو تعطيل مشاريع الدولة الخدمية والأمنية، وتكرار ذلك لعشر سنوات متتالية، واعتبار ذلك من مؤهلات الموظف الناجح! بينما يتعرض النواب والإعلاميون الرافضون للفساد والعمالة إلى شتى أنواع التهم والتجني والملاحقات الرسمية! فإن نظاماً كهذا لا بدَّ أن يكون غارقاً بالإبتذال السياسي.

لكن المشكلة في العراق إن الابتذال السياسي لم يعد تهمة، بل أصبح ثقافة رسمية ميّزت حكومتى أشهر شخصيتين في حزب الدعوة ابراهيم الجعفري رئيس وزراء الستة أشهر الأخيرة من عام 2005 وحكومتي نوري المالكي الأولى والثانية (2006 – 2014)، والواقع إن الإبتذال السياسي قاسم مشترك بين جميع أنظمة الاستبداد، إذ يعتمد على مقولة ابتزازية مفادها (أقول لك ما تريد وأفعل ما أُريد) استخفافاً بالقوانين والمعارضة والرأي العام! فالمستبد بحكم طبيعته، لا يخجل من الكذب، بل يعتبر

الكذب ذكاءً حتى أصبح المالكي واحداً من أكبر كذابي التاريخ السياسي، فقد سبق وأن وعد العراقيين بأن عام 2008 سيكون عام القضاء على الفساد في حين أوغل هو وأركان حكمه بفساد مالي وإداري غير مسبوق ما جعل العراق يتصدر قائمة الدول الفاسدة، ومن فضائحه ما صدر العام الماضي من قبل حكومة إقليم كردستان وجاء فيه إن المالكي أبرم عقد وهمياً من خلال وزارة الكهرباء قيمته ثلاثة مليارت وأربعمائة مليون دولار) دون أن يرد المالكي لحد الآن، ودون أن يتدخل القضاء وياللعجب!!

ونهاية 2008 وعد بأنه (في عام 2009 لن يكون هناك عاطل عن العمل) فتضاعفت معدلات البطالة ما خلق بيئة لإنتشار المخدرات وارتفاع وتيرة الإرهاب، واستغلت الأجهزة الإيرانية هذا الاحتياطي الكبير من العاطلين عن العمل فزادت من أعداد ميليشياتها العاملة في العراق! هذه بعض أكاذيب المالكي وهذه عواقبها!

والأنكى إنه وفي جميع خلافاته مع معارضيه ظلَّ يردد (نريد بناء الدولة على أساس الدستور)! أو (تعالوا نحتكم إلى الدستور) وهو هنا يلعب على حبلين، الأول إنه يوجّه خطابه هذا إلى أحزاب مثيلة لحزبه، أحزاب تنافسه على السلطة وامتيازاتها وتعتمد أساليبه ذاتها، ولا تملك في والواقع مشروعاً لتحقيق العدالة، ولذلك وبحكم وجوده في السلطة، يجد من السهولة ابتزازها فيظهر أمام الجمهور منتصراً عليها. فهي أحزاب مماثلة لحزبه، شيعية أو سنية منافسة لحزبه، أو أحزاب الاقطاع السياسي المهيمنة على أقليم كردستان.

فكل هذه الأحزاب كما أثبتت التجربة التاريخية، هي أحزاب أزمة وليست أحزاب حل، والقاسم المشترك بينها هو نظرتها إلى الدولة بصفتها (غنيمة) لا بصفتها مؤسسة سياسية محايدة تستمد سلطتها من القانون، ومهمتها حفظ الأمن والسيادة وتقديم الخدمات للمواطنين.

ولذلك فإن هذه الأحزاب سبق وأن تنافست على السلطة عبر مؤامرات وانقلابات حقبة ما قبل 2003 وهي تتنافس الآن عبر نظام ديمقراطي زائف، فهذه الأحزاب كانت وجهاً آخرَ لحزب البعث الحاكم، نافسته على السلطة وامتيازاتها، وهي الآن وجه آخر لحزب الدعوة تنافسه على نفس الأهداف، أي الهيمنة على الدولة ونهب

المال العام! خالقةً أزمة سياسية تُعيد إنتاج نفسها باستمرار. إنها أحزاب لا تمارس الديمقراطية داخل تنظيماتها وبالتالي فمن المستحيل أن تبني نظاماً ديمقراطياً، لأن فاقد الشيء لا يُعطيه. وهذا ما قصدناه بقولنا إنها أحزاب أزمة وليست أحزاب حل.

وهنا، حيث ينتفي في ثقافة هذه الأحزاب مشروع تحقيق العدالة، يبدأ المناخ الملائم لشيوع الإبتذال السياسي متمثلاً بالتنافس المحموم على السلطة بشتى الوسائل الدنيئة، وخصوصاً الأستقواء بالقوى الإقليمية والدولية حيث الثمن هو التنازل عن سيادة العراق ومصالحه مقابل كرسي السلطة، ما أدى ضمناً إلى تصعيد التصادم الأهلي بين السنة والشيعة، وبين العرب والأكراد والتركمان ما سهّل عمل الارهاب وجعل العراق ساحة مفتوحة للعنف الدموي الذي يذهب ضحيته آلاف الأبرياء شهرياً!

ولفهم هذه الإشكاليات القاتلة في السياسة العراقية، أي إعادة إنتاج الأزمة باستمرار، رغم تغير الحكّام والأحزاب الحاكمة، لا بد من القول، إنه ومن الناحية الموضوعية لم يكن صدام حسين هو من صنع ثقافة الديكتاتورية والاستبداد، بل هو ونظامه كانوا نتيجة لهذه الثقافة المتخلفة والمهيمن على المجتمع السياسي قبل أن يولد صدام، فقد كان هذا الطاغية ضحيةً وجلاداً في الوقت نفسه، فثقافة العنف والكراهية ليس بوسعها انتاج مُصلحين وقادة ديمقراطيين بقدر ما هي مؤهلة لإنتاج منتقمين ومشاريع طغاة.

وفي نفس السياق يمكن القول إن المالكي ليس هو من أوجد ثقافة الابتذال السياسي، بل هي من أوجدته وطبعته بطابعها، بل وجعلته يتماثل مع صدام حسين في غالبية تصرفاته وأساليب عمله بدءاً من شراء الضمائر مروراً بالكذب اليومي وليس انتهاءً بتوريط إبنه في شؤون الدولة كما فعل صدام حسين حيث قاد أولاده إلى الهلاك!! فيا للمستبد من أبٍ عاقٍ أيضاً!

ولذلك، فإن المالكي عندما يبتز الأحزاب الأخرى بالعودة إلى الدستور كأنه يقول لهم (أحنا دافني سوا) بتعبير المثل المعروف، فهذه الأحزاب التي كتبت الدستور بطريقة تلائم قياسها ومصالحها ومررته عبر استفتاء مزيف، هي ذاتها من وضعت هذا الدستور على الرف قبل أن يجف حبره واستبدلته بمبدأ المحاصصة سيء الصيت، فالمحاصصة هي نقيض مبدأ (تكافؤ الفرص) أساس مفهوم المواطنة الذي تعتمده

دساتير الأنظمة الديمقراطية. وبعد تقاسم الغنيمة فيما بينها، شاعت الشهادات المزورة والضمائر المزورة، فانتصرت ثقافة الابتذال السياسي على الجميع.

الواقع إن المالكي أثبت منذ ولايته الأولى إنه الوريث الشرعي لهذا التراث السياسي المُشين، فأول ما فعله هو تأسيس كتلة برلمانية لديها القدرة على فعل كل الموبقات السياسية علناً وصراحة، بدءاً بالأكاذيب اليومية، مروراً بنهب المال العام (لقد استفدنا جميعاً من الكومشن والعقود والمناقصات) بصراحة النائبة حنان فتلاوي! وليس انتهاءً بتعويق طلب استجواب الوزراء الفاسدين أو الدفاع عنهم علانية عندما يتم استجوابهم، كما فعلوا مع وزير التجارة الأسبق الذي مايزال مطلوباً للعدالة، حيث قام بالدفاع عنه نائب رئيس البرلمان آنذاك، وهذا النائب هو نفسه أحد رموز الفساد، وقد كلف خزينة الدولة أكثر من سبعين ألف دولار أدعى أنها كلفة عملية بواسير أجراها العام الماضي، كانت وما تزال موضوعاً لتندر العراقيين الذين عزّت عليهم النوادر في زمن اللئام هذا.

وإيغالاً بنهج الابتذال السياسي فقد أعاد المالكي البعثيين للأجهزته وخصص رواتب تقاعدية لأجهزة النظام السابق بمن فيهم (فدائيو صدام) بينما ضحاياهم من أهالي المقابر الجماعية والأكراد الفيلية الذين نكّلت بهم تلك الأجهزة وعرّضتهم لمأساة قل نظيرها في تاريخ الإنسانية، بما في ذلك نهب بيوتهم ومحالهم التجارية وأملاكهم! هؤلاء العراقيون وآلاف غيرهم لم يتم تعويضهم أو منحهم حقوقهم لحد الآن. هذا وغيره هو التجلي الواضح للتعفن السياسي والأخلاقي الذي يميز الأحزاب الدينية الحاكمة وبضمنها حزب الدعوة بفروعه المختلفة وفي مقدمتها تيار ابراهيم الجعفري الذي ساهم واستفاد من كل هذه المظالم والموبقات.

رغم كل هذا الإجحاف والفضائح المتواصلة، مايزال المالكي يردد: (نريد بناء الدولة على أساس الدستور)! ما يجعل عودتنا للدستور أمراً ضرورياً لنقارن مواقفه وسياساته بمواد الدستور وفقراته. تقول المادة 18 الفقرة رابعاً: (يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصباً سيادياً أو أمنياً رفيعاً، التخلي عن أية جنسية أخرى مكتسبة. وينظم ذلك بقانون.) بينما يعتمد المالكي على مسؤولين في إدارة الدولة كحسين شهرستاني وعلي محسن العلاق وعدنان الأسدي الأول نائب رئيس الوزراء جنسيته

بريطانية والثاني سكرتير رئيس الوزراء جنسيته كندية والثالث نائب وزير الداخلية جنسيته دنماركية وغيرهم عديدون من حزبه ومن أحزاب أخرى، تولوا مناصب سيادية ومازالوا ولم يتخلوا عن جنسياتهم المذكورة بمن فيهم ابراهيم الجعفري! إضافة لكونهم من رموز الفساد والإفساد، وإذا كان تعداد مناقبهم يحتاج لمجلدات، يمكن أن نكتفي ببعض مناقب الشهرستاني والمالكي، ومنها فضيحتهما بتوقيع عقد لمصلحة وزارة الكهرباء بقيمة مليار وسبعمائة مليون دولار أمريكي مع شركة كندية وأخرى ألمانية! وقد أُذيع الخبر باعتبار هذه الصفقة ستحل أزمة الكهرباء، ليتبين إن الشركة الكندية وهمية والألمانية مفلسة!

وهذه الفضيحة أكتشفها بالصدفة وزير عراقي سابق مقيم في كندا، وماتزال في أدراج هيئة النزاهة رغم مرور سنوات عليها! فهل هذا الابتذال والدناءة ينسجمان مع بنود الدستور؟

تنص المادة 22 أولاً: (العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة) وتنص المادة 25: (تكفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقي وفق أسس اقتصادية حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده، وتنويع مصادره، وتشجيع القطاع الخاص وتنميته) وما فعله المالكي هو العكس تماماً، فقد أماتت حكومته 130 مؤسسة صناعية قطاع عام كانت تشكل أكثر من 35 بالمائة من موارد الدولة، كما أدى ترك البني التحتية من دون أصلاح وأرتفاع أسعار المحروقات بقرار من ابراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق، إلى جانب أزمة الكهرباء، إلى موت القطاع الخاص صناعياً وزراعياً لأن سعر أية بضاعة مستوردة أقل من كلفة صناعتها في العراق، في حين يقول نقيب المهندسين الزراعيين في البصرة: إن العراق مايزال في عصر الفلاحة ولم يدخل عصر الزراعة الحديثة بعد. بينما يقول وزير الإسكان (إن الاستثمار في العراق مجرد أكذوبة) وكل هذا أدى إلى تعطيل سوق العمل وتخلف الاقتصاد وليس تحديثه كما ينص الدستور، فارتفعت معدلات البطالة لأكثر من 30 بالمائة وحُرم المواطنون من حق العمل بمن في ذلك عشرة أجيال من خريجي الجامعات! وهناك أكثر من سبعة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر! وإزاء هذه الحقائق، أليس قول المالكي (نريد بناء الدولة على أساس الدستور) هو محض ابتذال سياسي؟!

يواصل المالكي هذه الأيام حملته الانتخابية كمرشح لانتخابات 2014، ولكن ليس كبقية المرشحين، بل مستخدماً إعلام الدولة وأجهزتها مستغلاً موقعه كرئيس وزراء في دعايته الانتخابية!! وهذا استغلال مشين للسلطة لا مثيل له في أي نظام ديمقراطي، ولا عند أي مسؤول يحترم نفسه، إنها قمة الابتزاز والابتذال فعلاً؟

*[email protected]

أحدث المقالات