23 ديسمبر، 2024 10:57 ص

عراق الاسئلة الكبرى

عراق الاسئلة الكبرى

مايجري في البلاد منذ تسع سنوات واكثر ليس صراعا سياسيا بالمرة ، فليس هناك من يخشى هذا النوع من الصراع ان كان يجري في اطاره، مادام التنافس سمة العمل في الانظمة الديمقراطية، شريطة ان يجري وفقا لقواعد اللعبة السياسية التي يقبل الجميع بنتيجتها،لكنه صراع تخطى الكثير من الخطوط الحمراء ، والحق بالوطن ومواطنيه الكثير من الاذى الجسيم ، وكاد في اكثر من محطة ان يجر البلاد الى نفق لاتعرف نهايته بل كان هذا الصراع اقرب الى لعبة مقامرين رهانها الوطن ودماء اهله وامنهم ومستقبلهم .
منذ سنوات وقادة البلاد يمارسون لعبة الهروب الى الامام ،فكان ان وجدوا انفسهم اما لب المشكلة الذي ا كد لهم بالبرهان الساطع حقيقة ان شراكة السلطة منعتهم من مواجهة الحقيقية ، وحقيقية ان رهانهم على الزمن واشياء اخرى ربما تساعدهم على حل معضلات اساسية لبناء الدولة ، كان رهانا خاسرا  .
حقيقية المشكلة ان العملية السياسية التي انتجت دستورا وحكومة ومؤسسات ، تكاد تتهشم امام كل مشكلة تعترض طريقها ولم تعد الحكومة والدستور ومؤسسات الدولة  قادرة على التعاطي مع المستجدات السياسية والامنية والاقتصادية التي تواجه البلاد ، من دون هزات وخسائر فادحة يدفع ثمنها الوطن والمواطن .
وحتى قبل الازمة الاخيرة التي وضعت مصيرالبلاد على فوهة بركان ، كان اقصى تفكير الشركاء يتمثل باللجوء الى الحلول التوافقية وفقا لنظام تجاوزته كل الديمقراطيات بما فيها الوليدة حديثا في المنطقة واقصد بالطبع مبدأ (المحاصصة الطائفية والحزبية) الذي يضيف اليه العديد من المسؤولين والمراقبين والمواطنين وصف المقيت كلما ذكر ، ومع ذلك حتى تلك الوصفة التي يجيد القادة العراقيون خلطتها السحرية انقلبت عليهم ولم تعد تصلح للاستخدام ..  شئنا ام ابينا كانت المحاصصة احد اسباب تراجع الديموقراطية في البلاد والسبب الرئيس لضعف بناء مؤسسات الدولة بما فيها اجهزتها الامنية والخدمية  .
السؤال الذي يطرح دائما نفسه بقوة مالذي جناه العراقيون من نظام المحاصصة ، وكيف عملت حكومات المحاصصة وماذا قدمت للوطن والمواطن ، وكيف نسقت مفاصل الدولة المتحاصصة عملها الحكومي ، حتى غدا المراقبون ولم يزلوا  عاجزون عن التمييز بين الحكومة والمعارضة ، بعد ان اختلط عليهم الحابل بالنابل .
تسع سنوات انتجت دستورا وثلاث حكومات منتخبة لكن الجدل مازال مستعرا  ازاء ما كان العراقيون قد صنعوا دستورا يعالج مشكلاتهم ام يعقدها ، يعزز وحدة وطنهم  ام يهددها ، يتجه بهم الى البناء ام الخراب ، الى الوحدة ام التجزئة ، يعزز هويتهم الوطنية ام ينمي الانتماءات الاخرى ، يصنع السلام ام يصنع الحرب ، يصنع الطغيان ام يفتح الافق امام نمو العدالة والحرية ، يصنع دولة القانون ام دولة الفوضى والمؤسسات الضعيفة ، يجذب ابناء الوطن ام يشرذمهم ، دستور يخلق لهم معارك جانبية وداخلية لاتنته ام دستور يقوي اسس البناء الداخلي للدولة ويوحد صوت شعبها .
بعد تسع سنوات انجز فيها الكثير الذي لايمكن ان نكرانه وحقق العراقيون فيها اشياء ماكانت ابدا في الحسبان ، لكن الاسئلة الكبرى لم يجب عنها بعد او اجيب عنها بطريقة غامضة تركت الباب مفتوحا لمزيد من علامات الاستفهام ؟
اي دولة خطها الدستور وتحدثت عنه فقراتها ، التي دفع العراقيون من اجل اقناع بعضهم البعض فيها دم غزير، فيما الواقع يضع الناس امام دولة اخرى لاتتطابق تماما مع دولة الدستور المكتوب والمستقبل ماعد قادرا على تهدأت المخاوف بل صار يثير الهواجس ويزيد المخاوف ،ثم من يفرض هوية الدولة دستور صار يفسر حسب مصالح الفرقاء وخلافاتهم ، ام حسب دستور كان يجب ان يحترمه من كتبه ، لكن حتى تلك المجموعة المتناقضة المتناحرة المرعوبة من الماضي والمهووسة من المستقبل ، التي صاغت مفرداته باتت اكثر ايمانا من سواها ان الدستور يحتاج الى تعديل ، والتعديل قد لا يتم الا على رؤوس الحراب .
الدستور حقا ..عقد اجتماعي لكنه قائم في الاساس على اركان اساسية تضمن الحفاظ على مقومات الوطن ، التي ينبغي لمن يريد ان يكون جزء من هكذا عقد ان يعلن احترامها وتمسكها بها ،وعدم سن قانون يخالفها او ينال منها او يضعفها ، الدستور ليس حاصل جمع مواقف واراء ومخاوف ورغبات انه حاصل جمع الارادات المستندة على اسس وطنية  .
بوسع شركاء الوطن ان يجلسوا ليقرروا ما اذاكان بامكاننا العيش سوية تحت دستور يجمعنا باهداف وطنية وقيم اخلاقية وانسانية عليا  ، ام اننا ليس بوسعنا العيش سوية ونحتاج الى فك الشراكة ، فاذا كنا عاجزين عن التعايش تحت سماء واحدة ، فلن تتمكن كل دساتير العالم من لم شملنا .
وعلينا اولا نقرا دستورنا ونرى اين تكمن العلة ، واين يكون الاصلاح ، ومن الرائع ان نكاشف انفسنا وشركاؤنا بوضوح عن اي وطن نريد واية حكومة نسعى ، وعندما نكتشف ان المشكلة ليست في المحاصصة كما يزعم كثيرون وليست في الدستور كما يعتقد اخرون ، ولا في قادة العملية المنتخبون ولا في خلل اجتماعي عميق لايحتمل الوطن معالجته ، ولذا من الشجاعة ان نراجع عقدنا الوطني وموقفنا السياسي ، ونحدد علله ، ونكف عن تزويق الحقائق المرة وتاجيل الحلول لتتراكم فتصيب الوطن بامراض وعلل مابقيت تضغط عليه .
من هذا المنطلق يجب ان تنطلق مبادرة الاصلاح الوطني التي تبنتها كتلة (التحالف الوطني ) والتي اشاعت جوا من التفائل الحذر ، فلربما تكون بداية حسنة على طريق طويل وشاق لحل ازمة الدولة وبناءها …
تلك الازمة التي ظهرت على شكل صراع بين رئيس  الحكومة ، وبين شركائه ، لم تكن سوى افراز لخلل في بناء منظومة الدولة والقيم التي تستند اليها ، وهي ليست كما صورها البعض على انها ازمة المالكي والاطراف الاخرى ، لان معطيات الواقع وتسع سنوات من سلسلة متواصلة من الازمات كادت في حالات كثير ان تطيح بالوطن وكل مابني على بحر من دماء الابرياء الحالمين بوطن مثل كل الاوطان تؤكد ان هناك ازمة لم تعد المسكنات والحلول المجتزأة قادرة على علاجها ، وليس بوسع احد ان يجامل على حساب مستقبل وطن ، فلن ينجح قائد او حزب على حساب قضية الوطن ، ولهذا ان الاوان لترمي كل الاطراف باوراقها مرة وحدة لتجيب بوضوح على الاسئلة الكبرى .

وعندما نتمكن من بناء دولة المؤسسات الراسخة فلن تنشغل البلاد وتتوقف مصالح الناس على خلاف سياسي.