7 أبريل، 2024 3:48 ص
Search
Close this search box.

عراق آخر!

Facebook
Twitter
LinkedIn

منذ آذار 1921 الى آذار 2024بقي العراق ــ كدولة حديثة ــ اسير عبوديات لا تنفك ضاغطة على مستقبله ومشوشة وجهته التي يريدها.

فحكومته الأولى كانت ذات مقاليد مستوردة وخاضعة لسياسة ومشاريع التاج البريطاني الذي لا تغيب عنه الشمس، ثم اعقبتها حكومة تسعى الى (وطن حر وشعب سعيد)، ولكن الوطن كان تحت سلطة العسكر والشعب رهين خوفه ويطن في اذنه هتاف ( ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة)، ثم صعد القوميون ليسلموا البلد لجمال عبد الناصر، ذلك الضابط الشاب الذي انقلب مع ثلة من (الضباط الاحرار) ضد الملكية المصرية ذات الأصول الألبانية، فكان الحرس القومي صاحب القرار في الشارع العراقي متعكزا على مهام اقرها له قانون الحرس القومي رقم 35 في عام1963، ثم استلم مصير الناس الجيش الشعبي الذي اسسه البعثيون تحت شعار امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ثم ثالثة الاثافي ( الحشد الشعبي) التابع تسليحا وتمويلا وايدولوجيا لمرشد ايران (الخامن ئي ).

فلا الهواشم الذين ينتمي لهم الملك العراقي اعانوا شعب هذه الأرض على صناعة مستقبله ودعمه بنفوذهم عند التاج البريطاني، ولا المسكوفيون (نسبة الى موسكو بلهجة اهل بغداد الاصلاء) استطاعوا ان  يغرو الكرملين بفكرهم الجدلي وليبراليتهم الرثة كي يمد يد العون للأجيال العراقية  التي توزعت دماؤها بين جبال زاكروس ومدينة الموصل، ولا القوميون استطاعوا ان يحددوا للتاريخ عدد ( الكواريك وتعني المهود) التي زودت بها حكومة يومذاك قيادة الحرس القومي الذي كانت شهيته مفتوحة على اغتصاب المعارضات و نساء المعارضين للنهج العارفي المقيت ، ولا الامة العربية الواحدة احتضنت العراقيين الذي باعوا أعمارهم من اجل رفعتها، ولا الرسالة الخالدة كانت رسالة إنسانية، فالمقابر الجماعية والسجون العلنية والسرية كانت اكثر عددا من جامعات وكليات ومدارس العراق، ولا الحشد الشعبي كان ابن الشعب بل كان وسيبقى ابنا لنهج ولاية الفقيه الذي لا يقر بها الشيعة العراقيون!!

اليس من حقنا ان نتساءل كم حكومة في بغداد؟

 يبدو سؤالا بليدا، ولكن على مرِّ السنين لم يكن في بغداد حاكم واحد قط، كانت الشُلَل الاجتماعية الغنية والمنحدرة من عوائل عراقية عريقة تشارك في الحكم في بغداد بواجهات غير رسمية، وليس في هذا أدنى شك لدى العراقيين، ثم كان ذوو الحاكم الى ابعد قرابة ذوي سلطة وقول لا يمكن تجاوزه، ثم يتلاقف السلطة من بعدهم ذوو المناصب العسكرية العليا في الداخلية والدفاع والأجهزة الأمنية، ثم يأتي دور دُور اللهو والدعارة فهي ذات سلطة ومشورة أيضا لدى صاحب القرار في قصر بغداد الرئاسي او الملكي!

هناك رئيس دستوري معلن وهناك رؤساء موازون غير معلنون.

ولعل اشد ما يحزن العراقيين الحقيقيين القابعين في مغترباتهم هو عدم معرفتهم لبلدهم الذي اصبح ذكرى بلد، فالمدن ليست هي تلك المدن ولا الناس تلك الناس، ابقى شارد الذهن وانا امر على ما تنشره المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي حين استمع لمتحدث باسم العراق الذي انتمي اليه رسميا وروحيا وتمتد فيه جذوري الى الف عام مضت على الأقل، فلا الكلام الذي ينطق به هذا المتحدث هو كلام اهل العراق، ولا اللهجة تمت بصلة لاي بقعة فيه، ولا بناء الجمل يتوافق مع ما معروف عن اهل العراق الذين انشأوا اكبر مدرستين نحويتين في تاريخ اللغة العربية، مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة.

يحزنك أنك لا تعرف عدد المحافظات في بلدك وما اسم رئيس جمهوريتك وما تاريخه؟

ويحزنك ان النشيد الوطني لبلدك ليس عراقيا ولا علم بلدك هو علم العراق أيضا، بل هو علم فرضه إقليم من بلدك على الغلمان الحاكمين مقابل خلع المشروعية عليهم من قبل سكان ذلك الإقليم.

يحزنك ان يحكمك أربعة ملتحين ليسوا عراقيين فيحددوا لك الحق والباطل.

يحزنك ان ملايين العراقيين من اخوتك ينامون على الخوف والجوع في حين يزرع المسؤولون الحكوميون ريشا من الذهب على أجساد العاهرات في الملاهي المنتشرة في مدن ارض السلام.

يحزنك ان بين 600 الى 700 ألف مواطن عراقي مهجَّر داخل العراق وان الحكومة التي تملك اختام الشرعية الدستورية لا تستطيع اعادتهم الى ديارهم.

ويحزنك ان 173 ألف عقار كانت تابعة للدولة قبل 2003 قد زورت سجلاتها العقارية لتصبح ملكا لزعماء المليشيات والمتعاونين معهم في حين ينام الملايين من العراقيين تحت سقوف منهارة او من الحصير والتيتانيوم!

ويحزنك ان الأمهات لا يعرفن مصير ابنائهن الذين اختفوا منذ سنوات طويلة بعد مداهمات مسلحة من قبل جماعات تدعي انضوائها تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة، انهن يردن قبرا يبكين عليه الا من ناصر؟؟

ويحزنك أنك تعيش كفاف العيش وميزانيات عشرين سنة عراقية تم ترحيلها بكل ما فيها من أصول الى طهران كي تستفحل أكثر وتدمر أكثر وتقتل أكثر وتخرب ما تشاء متى ما ارادت.

ويحزنك ان ترى شعراء وطنك يغنون لأوطان ساهمت بالمال وبالسلاح وبالتحريض وبالكراهية وبالقتلة الذين اغتالوا اخوتك، من اجل غنيمة مقدارها (حفنة من الريالات او التومانات او الليرات او الدولارات وأحيانا تكون بالدراهم).

ويحزنك ان جامعات العراق تحصل على تدرجات عالمية بعد التسلسل 13000، في حين كانت جامعات العراق محجا لطلاب العالم العربي، ويحزنك أكثر عندما ترى حفلات تخرج طلاب الجامعات في العراق، حيث الطقوس الوثنية المتكاملة، صور عملاء مقتولين، وصور متخيلة لغزاة ينتمون لبيت النبوة، وشعارات طائفية ما كنا نعرفها في العراق الذي نعرفه.

ويحزنك ويحزنك…….

فالحاكم في العراق ليس من تتداول اسمه القنوات الإعلامية، الحاكم في العراق هو الذي يلقن هذا الذي يجلس على دست الحكم. الحاكم في العراق مجموعة وليس فردا، غلمان لا تنطبق عليهم صفات الحاكم الباطني في العهد الملكي، فهم ليسوا من التجار ذوي المقام العالي وانما هم من قاع المجتمع، وهم ليسوا رؤساء عشائر بل افراد مشكوك في انتمائهم للبلد ومشكوك في تاريخهم.

وهم ليسوا من العسكريين الماهرين في الاستحواذ على السلطة، بل انهم من الطبقة غير المتعلمة، وهم ليسوا وجوها اجتماعية ذات سطوة لدى الشعب، بل هم  نكرات لا يعرفهم الا من ينتفع من سلوكهم وافعالهم، فقائد دولة القانون لا يعترف بالقانون، وقائد سرايا السلام مجرم عتيد ومشهود له، وقائد عصائب اهل الحق لا يعرف معنى مفردة حق، ورئيس تيار الحكمة يحتاج الى مجموعة خبراء ليعلموه الحكمة، ومن المدهش ان تعلم ان مفوضية الانتخابات قد وافقت على منح اجازات لـ 268 حزبا سياسيا في اطار الاستعدادات للانتخابات المحلية التي جرت يوم 18 كانون الأول 2023 ، في حين رفض مجلس المفوضين تسجيل 151حزبا لعدم استكمال المتطلبات!!!

أكثر من 400 حزب سياسي في بلد لا يتجاوز عدد سكانه أربعين مليون، ذلك يفسر طرق تهريب الأموال العراقية الى إيران.

العراق اليوم هو ليس العراق الذي نعرفه، هو ذكرى جميلة وامل بعيد لأجيالنا التي ستولد وتتعلم في المهاجر. فالحاكمون في بغداد لا عهد لهم، دستورهم التقية، يقتلون جمهورهم ومواليهم ويسرقون مستقبل أبنائهم ويخربون مدنهم وينقلبون على من نصبهم على كرسي العراق، ويتنكرون للقوة العظمى التي جاءت بهم الى الحكم، ويجاهرون بانتمائهم لإيران الفارسية وما علموا ان العراق عصي على التفريس، عراق الغد سيكون علمانيا إنسانيا عابرا للقومية والعرقية والطائفية، مسالما سالما من كل سوء. عراق الغد يجب الّا يكون جزءا من العرب المستعربة، انه المتن والآخرون مجرد هوامش.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب