أكثر من مليون ونصف يسكنون المقابر. ينامون ويحلمون ويأكلون ويعملون . نعم . حدث هذا في مصر ويحدث . بشرٌ يسكنون القبور. أجيال ولدت بين المقابر وكبرت وتزوجت وماتت في مكانها بين القبور. في مصر الحالة تختلف كلياً . بلد فقير بأكثر من 80 مليون نسمة . لا نفط . لا شربت . لا حامض حلو. والغاز تشترك إسرائيل في شفطه ولفطه من أجل عيون حسني مبارك .
سكان العراق أقل من نصف سكان مصر. لدينا نفط يُغرق الصحراء الكبرى. لدينا نهران يمشيان الى يوم القيامة ويدرّان فضة وذهباً . لدينا فلوس خضراء وحمراء لو نثرناها بالهواء لغطّت الكرة الأرضية كلها وحجبت الشمس أياماً طويلة . لدينا زرع وفير يُشبع بطون العراقيين الى أجيال بعيدة لا حصر لها . لدينا أهوار يقولون أن سمكها أكبر سلة غذائية للوطن العربي برمته. لدينا جبال دونها جبال العالم ؛ خيرات وشلالات وفاكهة واشجار وسياحة وغذاء تكفي لثلاث دول مثل الصومال.
لدينا ضريح علي بن ابي طالب . لدينا ضريح الحسين . لدينا ضريح العباس . ونذور هذه الأضرحة لهؤلاء الأئمة الأطهار تستطيع أن تبني العراق من الفاو الى زاخو. لدينا معامل وشركات منتجة وثروات ومعادن،، وجنان الله كلها في العراق ..
لكن بعض العراقيين لا يحصلون على قوت يومهم . فقراء . متسولون . لصوص . عصابات . بطالة ..قتلة..مجرمون .. قاعديون .. طائفيون.. بل أن بعض العراقيين إلتجأوا الى المقابر للسكن والعيش الرغيد بجوار موتاهم ! بعدما ضاقت الحياة بهم وضاقوا بها ..!
ليس الأمر دعابة من الدعابات التي نناكد الحكومة بها ، ولكنها حقيقة وواقعة أخذت تتضح وتظهر على الفضائيات (العميلة) التي تلجأ الى هذه الدعابات السخيفة ، فتحجب المظاهر الحضارية (العظيمة) التي أنتجتها الحكومات المتعاقبة ، وذهبت الى القاع العراقي المغمور برائحته التي لا يريد أحد منّا أن يشمها ؛ فصوّرت عراقيات يعشن بين المقابر والموتى والخراب البشري في أتعس حالاته وأكثرها ألماً وإيلاماً، بعدما أنتجت الحكومة في أوقات سابقة بيوت الحواسم والعشوائيات التي تسابق الفقراء للبناء الكيفي فيها ، تحت شعار الأرض لأهلها وللحكومة قصورها وخضراؤها.. وطز بجمال العاصمة . طز بالتخطييييييييييييط العمراني . طز بالبلديات.. حتى قادنا هذا الطز الى السكن في المقابر بعدما امتلأت الأرض جوراً وعذاباً وموتاً وهتكاً وألماً وذلاً..
عندما تصل الحالة الى السكن في المقابر، فما هو فرقنا عن غيرنا من الدول الفقيرة التي لا نفط عندها ولا مال ولا شلالات وأنهار ولا جبال ! وكيف يثق العراقيون بسياسيين أوصلوا القوم الى ما هم فيه الآن من بؤس واستهانة بقيمة الإنسان فيهم ، هذا الانسان الذي يكابد منذ أربعين عاماً كي يكون بمرتبته الإنسانية.وأن يعيش بكرامته وآدميته في أقل تقدير وفي أسوأ الأحوال.
السكن في المقابر للموتى وليس للأحياء ، وهذه شريعة الله في خلقه. والجماعة متدينون ويعرفون هذه العلامة القاسية التي اضطرت بعض العراقيين أن يكونون فيها على مضض وحياء.
ستقول الحكومة أنهم بضعة أنفار وقد تلصق بهم صفات مشينة أخرى، لكن يمكن القول أن أولئك الأنفار بشروأرواح وأنفاس وعراقيون . لهم الحق أن يعيشوا مثلكم في بيوت بجدران وحدائق ومطابخ وأسرّة ..أم أنكم ترون غير ذلك ؟ .
* صحيفة الناس