في نهاية سنة 1967 كنت في مرحلة عمرية لم تسمح لي بمعرفة امور السياسة وتفاصيلها بسبب العمر والادراك ولكن والدي (رحمه الله) كان كمن يحمل هموم الوطن على كتفيه رغم انه لم ينتمي لأية جهة سياسية حتى رحيله عام 1993 , وكانت من طقوسه ان يشارك اصدقائه من الجيران نقاشات تتعلق بما يمر به البلد لاسيما بعد نكسة حزيران وكان دوري في تلك النقاشات هي استراق السمع وتقديم متطلبات الضيافة من الشاي والقهوة والماء , وفي اثناء تلك الاحاديث كانت هناك القاب تتردد ويتم مدحهم او لعنهم مثل (ابو فرهود ) و( ابوناجي ) , وفيما بعد علمت ان الاول هو طاهر يحيى والثاني هو عبد الحمن البزاز وقد شغلا في حينها منصبي رئاسة الوزراء في عهد عبد الرحمن عارف .
في احدى تلك النقاشات الحادة قال احد اطراف الحديث وهو في حالة عصبية شديدة ( أتمنى ان تحكمنا اسرائيل لانها أرحم من هؤلاء السراق والضعفاء ) واتذكر ان الوالد بوطنيته المفرطة غضب عليه أشد الغضب لدرجة انه ابرحه ضربا وانهال عليه بكلمات نابية متهما اياه بانه صهيوني وامبريالي رغم انه كان من عامة الناس وبسطائها ولم يعرف عن اسرائيل سوى ما كانت تبثه اذاعة صوت العرب من مصر التي كانت الحامية للعروبية في ذلك الزمان , وبقيت العلاقة متشنجة في الجلسات الللاحقة باعتبار انها تلوثت بذكر اسرائيل كمنقذ لوضع العراق رغم العداء بينها وبين العرب لاسيما بعد حرب حزيران التي مني بها العرب بهزائم افقدتهم اراضي لايزال ارجاعها جزءا من الامنيات حتى وقتنا الحاضر.
ومما اعاد لي ذكريات تلك الايام , ما صرح به رئيس مجلس محافظة الانبار السيد صباح كرحوت امس والتي مفادها بان مجلس المحافظة سيتقدم بطلب الى الحكومة ومجلس النواب لغرض الطلب من الولايات المتحدة الامريكية لنشر قواتها البرية في الانبار لحمايتها من تمدد داعش حيث ان المحافظة معرضة لاحتلالها من قبل الدواعش بعد السيطرة على هيت وكبيسة وراوة والتخوف من السيطرة على حديثة والتحكم بسدودها والانتشار في بقية انحاء المحافظة بحيث لا يبقى شيئا منها , وقد ذكر بان الجيش لم يعد بامكانه ردع الدواعش وايقاف زحفهم فبعد كل هجوم معاكس تتم محاصرة القوة المهاجمة في وقت يقل فيه الغطاء الجوي وسرعة وصول الامدادات وغياب الخطط العسكرية المحكمة .
وقد تزامنت هذه التصريحات مع خطاب سماحة السيد مقتدى الصدر الذي اوضح فيه بان أية موافقة على السماح لدخول قوات اجنبية برية سيقابله انسحاب لسراياه لانها ستتوجه لواجب اخراج المحتل من الاراضي العراقية , وفي مداخلة اجرتها قناة الشرقية الفضائية بين السيد صباح كرحوت والشيخ صلاح العبيدي الناطق باسم التيار الصدري استطاع المحاور ان يطرح سؤالا محرجا وهو ان الانبار كانت احدى مطاليبها هي خروج الجيش منها فكيف تشكو من عدم وجوده بكثافة ويتم الاستنجاد بالقوات الامريكية بعد رفض وجود القوات العراقية , وقد اجاب المتحدث الانباري عن السؤال بطريقة دبلوماسية في وقت اعلن فيه عن استعداده عن سحب الطلب اذا تعهدت اية قوة عراقية للانقاذ ومنها سرايا السلام في الحفاظ على وحدة وسلامة الانبارمن الارهاب .
والقاسم المشترك بين الموضوعين ,ان العراقيين جميعا يحبون ارضهم ووطنهم ولا يقبلون بان يدنسها اي محتل كما انهم يرفضون اي ظلم فجارنا الذي اغضب الوالد عندما قبل باسرائيل لكي تحل مشاكلنا وكرحوت الذي اضطر لان يطلب التدخل الامريكي لا يعني اطلاقا بانهم يقبلون بالذل والاحتلال وترحيبهم بالاجانب والاعداء , وهي مسألة يجب ان لاننبذها فنلوم هذا اوذاك وانما يجب ان نستثمرها لكي نجعل من هذه الاستشاطات نقطة تحول نحو الاحسن , فالبلد يمر بأصعب الظروف والعملية السياسية تسير بطريقة (عرجاء) حيث لا نزال غير مكتملي الوزارات وهناك اختلافات وخلافات على اهم وزارتين وهما الدفاع والداخلية كما ان لجان مجلس النواب تدار بالوكالة لان عدوى السلطة التنفيذية انتقلت لها بامتيازوموازنة 2014 لم تقر لحد الان رغم ان ما تبقى عليها سوى شهرين كما ان الوزراء من اشقائنا الكرد لم يلتحقوا بعد ولم نشهد جلسة لمجلس النواب بحضور 328 عضوا قط .
لقد استطاع نفر قليل من الدواعش لا يزيد عددهم عن عشرة الالاف من اسقاط ثلث الاراضي العراقية لا بقوتهم ولكن باختلافنا وليس ضعفنا فما استخدموه هو سلاحنا في زيادة تماديهم وتحولهم الى قوة تطلبت اقامة تحالف دولي قوامه اكثر من 40 دولة , ولو كنا متوحدين ومنظمين لاستطعنا ابادتهم بساعات بدلا من السماح بدخولهم من خلال ( الهورنات والرماشات ) على حد قول احد السياسيين من صلاح الدين الذي ظهر في البغدادية امس , واذا استمرت خلافاتنا وغيابات اعضاء مجلس النواب والانشغال بالمناصب والمحاصصة المقيتة والحج فان الدواعش ربما سيدخلون بغداد ( لاسامح الله ) , ونرجوا ان لاتغشنا تقارير المراقبة الامريكية التي تقول بان بغداد خارج منطقة الخطرلأن المواقف تتغير بساعات , كما يجب ان لانعول على السيد العبادي رئيس مجلس الوزراء في حل مشاكل العراق بمعالجة اجراءات سلفه وكأنه يمتلك ( فانوس) علاء الدين السحري .
ان ما نحتاج اليه بعد التوكل على الله , هو الترفع عن المغريات ونكران الذات والتوحد تحت مسمى واحد اسمه العراق فلدينا افضل شعب كما نمتلك الايمان والوطنية لدحراي اعتداء , وقد اثبتت الايام الماضية القدرة على تجاوز الكبوات فخسارة معركة لا تعني نهاية المطاف والعدو يراهن على المعنويات ويجب وضعها في اعلى حالات الاستعداد , وبامكاننا ان نستحضر العديد من الشواهد لاثبات القدرة على تحقيق النصر الذي تحقق فعلا في آمرلي وطوز خرماتو وربيعة وسائر الجبهات الاخرى , لدينا جيشا قويا عندما يقاد بشكل صحيح وحشدا جماهيريا وشعبا صابرا في كل الملمات وعدونا الحقيقي ليس ( داعش ) لوحده بل الفرقة التي يحاول البعض زرعها من هنا اوهناك , ان المعركة تتطلب التضحيات ويمكن ان تنجز بأيام او اسابيع وان تركناها للآخرين فانها تستنزف اموالنا واموال الاجيال ولا تنجز الا بسنين وبفضل من الاجانب والعاقل هو من يفهم القصد .