منذ بداية ازمة النزوح التي شهدتها المحافظات السنية المنتفضة , واتساعها نتيجة شدة المعارك المتواصلة بين تنظيم الدولة الاسلامية داعش من جهة ,وقوات الامن العراقية من جهة اخرى وهجرة آلاف العائلات خشية الموت او الاستهداف , يومها قلت في نفسي لابد من وقفة جادة حقيقية اقفها مع هؤلاء النازحين ,فأخذت على عاتقي كتابة سلسلة من التقارير في عدد من الصحف العربية المشهورة , تناولت فيها وضعهم المأساوي بعدما تركوا بيوتهم ليصبحوا بالعراء بلامأوى , والغريب اثناء اعدادي لاحد التقارير , التقيت باحدى النازحات العراقيات وكانت من مدينة الكرمة العراقية , والمحزن المبكي تسكن في العراء منذ ثلاثة اشهر مع ابنائها الخمسة لاتملك شيئا قط الا الكرامة والعفة وابتسامة عريضة تعلو محياها , فوجئت وهي توجه لي سؤالا هل تستطيع الوصول الى رئيس مجلس النواب العراقي الدكتور سيلم الجبوري , تبسمت ضاحكا بألم لا…. انا لست مستشارا اعلاميا في مكتبه او شخصا مقربا منه او تربطني به علاقة شخصية , لكن بقلمي اصل اليه والى غيره , قالت اذا تمكنت من الوصول اليه اوصل سلامي وسلام آلاف النازحين وهم في العراء والصحاري والساحات العامة يعانون اوضاعا انسانية صعبة تتمثل بقلّة الماء الصالح للشرب والاماكن غير الجيدة للسكن التي لاتصلح زريبة للحيوانات اجلّكم الله و اجلّك الله سيادة الرئيس , واشياء اخرى يعرفها الانسان صاحب الضمير الحي وانت تعرف هو ايضا يعرف ان فصل الشتاء بات قريبا جدا و على الابواب ,وقل له ايضا ان ينام مرتاحا سعيدا داخل غرف المنطقة الخضراء المحصنة يأكل ويتمتع هنيئا , وألف عافية …..,
لم تكن هذه المرأة العراقية الوحيدة التي التقيها وهي تناشد كبار المسؤولين البارزين في الدولة العراقية ,وتبعث لهم رسائل حزن وقهر عميقين وتشكو معاناة ماتمر به ببضع جُمل و ترسلها الى رئيس اعلى سلطة في البلد وهو رئيس مجلس النواب لتخاطبه بأدب عبر سلام قد يصل او لايصل ,
واليك ياسيد سليم اين اصبح ملف النازحين وقد مضى عليه شهور ,من دون رقابة وحل ومتابعة بالاضافة الى ان الاموال المخصصة لهم ضاعت فقسم سرق ليستقر في جيوب الفاسدين ,وقسم اخر ذهب فساد الاسماء الوهمية ,
وقبل ان اسألك هل فكرت يوما بالنزول الى مخيماتهم ’للتعرف بنفسك على معاناتهم وواقعهم المرير , وجلست بينهم تشاركهم همومهم واحزانهم ,وحاولت ترك الجلوس على الكراسي الفارهة المريحة قليلا ,
هل شاهدت صور المخيمات , خاصة بعد هطول الامطار الاخيرة على العراق , ورأيت بأم عينيك مايحصل لتلك العائلات وقد اتعبها النزوح ,
هل شاهدت ايضا او نقل اليك صورة ذلك الطفل العراقي الذي كان قدره ان يولد في احدى تلك المخيمات , ولم تجد امه فراشا لتضعه على الارض فكانت مضطرة الى ان تضعه في كارتونة صغيرة فارغة للموز ليكون هذا مكانه بدلا عن سرير النوم كباقي اطفال العالم , واذا امد الله في عمرك وبقيت على قيد الحياة الى حين ان يكبر هذا الطفل ماذا سيقول عنك وعن بلده منبع آبار النفط ,وماذا سيقول عن من كان سببا رئيسيا ووقودا لاشعال لهذه الحرب , وتهجير الناس من منازلها عنوة ,
واخيرا يادكتور سيلم الجبوري يبدو ان البرلمان العراقي بات عاجزا بكل معنى الكلمة بالتحقيق بملف النازحين وانهاء معاناة اكثر من مليوني نازح يسكنون في الطرق العامة , والمدارس ,والساحات المخصصة لرمي النفايات ,وانتم صامتون تتفرجون من دون حراك يذكر , لتزداد مأساتهم يوما بعد اخر صعوبة تنذر بكارثة انسانية يعجز اللسان والقلم عن وصفها.